2024-05-20 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الأردن.. ما كان، وما هو كائن، وما يمكن أن يكون

د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :


د. هاني الملقي الآن خارج السلطة، ولا يتوقع له أن يرجع إليها، ولذلك فإن ما أقوله هنا يُعبر عن رأيي الموضوعي به.

د. هاني رجل مثقف، يحمل شهادة عليا في تخصص علمي راقٍ، وهو نظيف اليد واللسان، والفكر، نزق بعض الشيء، ولديه قناعات راسخة معروفة للمقربين منه. رحم الله والده الذي تميز بسيرة طيبة، سمعت عنها من والدي الذي كان قريباً من أقرباء د. هاني في إربد.

قرأت قبل عدة أيام المقال المنسوب إليه على صحيفة الرأي، وفي سياق ما فهمته أقول بأنني أوافقه بعض ما قال، وأخالفه حول بعض ما قال، وأسكت عن بعض ما قال.

من وظائف السلطة التنفيذية في أية دولة أن تولّف (combine) وتساعد على توليف الموارد الإنتاجية، بالتعاون مع القطاع الأهلي، وتهيأ البيئة المناسبة لعملها، وتُحسن إدارتها، من أجل أن تعظّم الرفاء الكلي، للفرد والجماعة. والموارد هي الأرض والعمالة ورأس المال والتنظيم. وهذه العملية بذاتها تحتاج إلى تفكير وتخطيط خلاق، وإدارة حصيفة، مبدعة. لكن عملية توليف الموارد لا يُمكن أن تحقق أفضل النتائج من غير مؤسسات حقيقية فاعلة، تشمل القوانين، والعادات السائدة في المجتمع المعني. فالقوانين المعيقة المثبطة تعمل على تثبيط الاقتصاد. وتعمل العادات السيئة على تثبيط وإعاقة تقدم الاقتصاد.

سأبدأ كلامي بتعريفي الخاص لأي اقتصاد وأقول بأنه " سلوك البشر وقراراتهم على رقعة جغرافية محددة، في مجال الإنتاج والاستهلاك، بواسطة توظيف الموارد المتاحة". ما يعني بأن المؤرخ الاقتصادي يراقب كيف يتصرف الناس في مجال توظيف الموارد ثم الإنتاج والاستهلاك. والواقع المُعاش ورصده من خلال قرارات البشر هو أعظم مخزون للبيانات التي تشير إلى ما كان عليه الاقتصاد، وما أصبح عليه الآن.

أما تعريفي للمجتمع فهو مجموع البشر على رقعة جغرافية مُحددة، وسلوكهم الاجتماعي، من حيث العادات والتقاليد والأعراف الناظمة لحياتهم، وارتباطهم أو تنافرهم مع بعضهم، وكيفية انتقالهم من طبقة اجتماعية - اقتصادية إلى أخرى.

من الصعب فصل فضاء الاقتصاد عن فضاء المجتمع.

ما يُلاحظه أي مُراقب للتسلسل التاريخي للاقتصاد والمجتمع الأردنيين أنهما تعرضا إلى تحولات بُنيوية، أدت، حتى هذه اللحظة، إلى انتقال الاقتصاد والمجتمع من حال البساطة والبراءة إلى حال معقد، غلبت عليه النزوة والمزاجية، والاستغلال الجائر من قبل فئة. لكن التشوهات التي أدخلت عنوة في جسم الاقتصاد والمجتمع كانت جامحة، من فقدان الهوية الاقتصادية والاجتماعية الأصيلة، إلى هوية اقتصادية واجتماعية غير قابلة للبقاء، إذا استمرت الأحوال كما هي عليه الآن.

تميز الأردن خلال العقود التي سبقت ارتفاع أسعار النفط، أي قبل حرب تشرين (أكتوبر) في العام (1973)، بكفايته الزراعية، وأمنه الغذائي والمائي، إلى حدٍ ما. ومع زيادة أسعار النفط وزيادة الطلب على العمالة الأردنية وزيادة المساعدات العربية للأردن، بدأت التحولات الاقتصادية والاجتماعية، تدريجياً، وتراقت ظاهرة الاقتصاد الريعي، المتمثلة في تجارة الأراضي، وتجارة التجزئة، والتوظيف الحكومي، والأعمال الربحية غير الإنتاجية في القطاع الأهلي، وبخاصة في قطاع الخدمات، والإنشاءات العقارية السكنية، التي اعتمدت على مدخلات غير محلية. وقد تتوجت النتيجة الحتمية لتلك التحولات بانحسار مساهمة القطاع الزراعي، والتحول الثقافي العميق في أذهان الناس حول دونية الزراعة والعمل الإنتاجي، وتعالي العمل في القطاع الحكومي، والنأي بالذات عن تحمل مخاطر الخوض في عمل إنتاجي في القطاع الصناعي، أو قطاع الصناعات التحويلية. وهنا تركزت أخطاء وخطايا الحكومات التي تعاقبت، منذ العام (1972) وحتى هذه اللحظة.
 

يشعر المراقب المحايد، البريء من أي تحيز ثقافي أو سياسي أو إيديولوجي، بأن حكومات ما بعد صدمة النفط (1973) قد جاءت وخططت لتنفيذ أهداف اقتصادية واجتماعية متعددة، تمثلت في تعديل ثقافة الناس بواسطة تشجيعهم على العمل الريعي، والتضييق على العمل في الزراعة، والتوسع في قطاع الخدمات غير الإنتاجية، وتجارة التجزئة المعتمدة على السلع الأجنبية، والتوسع في قطاع التوظيف الحكومي، حتى غدت الحكومة أكبر موظف للعمالة (oligopsonist).

في إطار كل ما حدث تحولت الحكومة (السلطة التنفيذية منها) من مولّفٍ عقلاني للموارد إلى مُخطِطٍ فاشل، ركّز معظم جهده في تعظيم الإيراد من أعمال الريع، والتضييق على الإنتاج، وتضخيم القطاع الحكومي، من غير رؤية حقيقية، تتجاوز بناء رأسمال اجتماعي زائف. ومن هناء جاء مصطلح حكومة الجباية الذي أثار حفيظة د. هاني الملقي.

الأخطر من كل ذلك أن الحكومات ذاتها قد تحولت إلى مولّدٍ لرأس المال الاجتماعي، بواسطة الواسطة والمحسوبية، وصانعة للإشاعات التي استهلكت عقول ووقت الناس. وعملت السلطة، بشكل عام، بعقلية العصابة، فقسمت الناس إلى معارضة وموالاة: تُقصي المعارض، وتُقرب الموالي بالوظائف والترقيات، والأعطيات من أموال السحت.

ليس من المعقول أن نقول ليتنا بقينا كما كنا في فترة الستينيات من القرن الماضي، لكن من العدل والإنصاف أن نقول بأن الموارد والفرص التي أهدرتها الحكومات خلال الأعوام الأربعين الماضية كانت قادرة على جعل الأردن دولة منيعة، اقتصادياً واجتماعياً.

هناك ثلاث فرص ذهبية منحها الله تعالى لدولتنا، وعلى رأسها الحكومة الحالية، إذا صدقت النية. وهذه الفرص هي: 1) جائحة الكورونا، 2) قرار صهاينة فلسطين سرقة وضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية تحت حكمهم، و3) طلب الولايات المتحدة من الحكومة تسليم المناضلة أحلام التميمي.

كيف يُمكن أن تكون هذه الأمور الجسام فرصاً ذهبية؟ وهذه سؤال مشروع!

كاتب هذه السطور من الذي يؤمنون إيماناً مطلقاً بنظرية الإرادة والضغط الخلاق. وأن الإرادة أعظم سلاح يُمكن أن يُتاح للإنسان.

الفرصة الذهبية الأولى: يُمكننا تحويل جائحة الكورونا، التي سببت كارثة اقتصادية، نشترك فيها مع بقية دول العالم، إلى تحدٍ حضاري – اقتصادي – اجتماعي على نطاق واسع، وذلك بإقناع أنفسنا بأن الموارد الوطنية المتاحة بين أيدينا هي الموارد الوحيدة المتاحة، وليس هناك موارد أخرى، ونحن نشارف على الموت! ما يعني بأن علينا البدء بمشروع الاعتماد على الذات، بعيداً عن التمويل الأجنبي، الذي لا يُرجى خيره.

هناك أكثر من (400) ألف عاطل عن العمل، وربما أكثر، يُمكننا توجيههم لتأسيس جمعيات تعاونية عامة، في مجالات الزراعة والطاقة والمياه والإنشاءات، وتوجيهها بواسطة نظام تجنيد إجباري مدني للعمل فيى زراعة الأراضي المملوكة من الحكومة، من أجل تحقيق الأمن الغذائي، بالحد الأقصى الممكن. والعمل في قطاع الحصاد الشمسي، من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من أمن الطاقة. والعمل في قطاع الإنشاءات العامة، إضافة إلى المشاريع الأخرى في قطاع المياه.

من مبادئ اقتصاديات المشاركة (Economics of Engagement &Partnership) أن تكون المشاريع المذكورة مملوكة من قبل هذه الجمعيات، وأن تكون عضوية الجمعيات متاحة لكل عاطل يرغب.

يتوقع الاقتصاديون المتعمقون في هذا المجال أن يتحول أي اقتصاد مشابه لاقتصاد الأردن، في حال تنفيذ هذه المشاريع، بواسطة هذا المنهج غير التقليدي، إلى اقتصاد دولة حقيقية تعتمد على ذاتها بالحد الأقصى الممكن.

الفرصة الذهبية الثانية: توجه صهاينة فلسطين نحو ضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية تحت حكمهم وملكهم المباشر. فأقول علينا أن نصارح أنفسنا: هل لنا حق أم لا؟ فإذا كانت قناعتنا المطلقة بأن فلسطين المسلوبة هي حق لنا، فلابد من بناء اقتصاد مقاوم، أي اقتصاد الحرب، من الآن، وألا ننتظر من العالم الخارجي أي شيء. وبخلاف ذلك علينا أن نرفع رايات الاستسلام! لكنني أذكر بأن إرادة صاحب الحق هي دائماً أقوى من كل جنود وأسلحة الباطل. ما يعني بأن على الدولة الشروع بتحويل الاقتصاد والمجتمع إلى اقتصاد ومجتمع مقاومة. وليس ذلك مطلباً مستحيلاً، لأن البديل هو تحكم الصهيونية بكل وجودنا.

الفرصة الذهبية الثالثة: مطالبة الولايات المتحدة بتسليم المناضلة أحلام التميمي، وإذا لم نفعل ذلك ستقطع عنا المساعدات.
أقول حول ذلك بأن تسليم أحلام سيكون وصمة عار لن تزول إلى يوم القيامة، من وجه من يوافق على تسليمها. ما يعني بأن الأوان قد آن كي نقول للولايات المتحدة بأننا لا نحتاج إلى مساعداتها، وليرحل جواسيسها وعملاؤها من البلاد، فهم من خرب البلاد، وعاثوا فيها فساداً.

هذه فرص ثلاث لكل عاقل يريد أن يستقل، ويريد أن يشعر بطعم الكرامة والتحرر، وعودة الأمل باستعادة الوطن المسلوب.

الإرادة الحرة تصنعُ للإنسان جناحين !!!
 
تابعو الأردن 24 على google news