اقتصاديات الشيطان
د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :
عنوان المقال مستوحى من حديث دار مع استاذي في الاقتصاد قبل ما يزيد عن أربعين عاماً، إذ كان الحديث منصباً على ما تسمى بالأنظمة الاقتصادية. وحسبنا يصنفها تاريخ الفكر الاقتصادي، والفلسفة الاقتصادية، فقد عرف البشر في العصر الحديث عدة أشكال من الأنظمة الاقتصادية، منها على سبيل المثال الرأسمالي capitalistic ، والاشتراكي socialistic ، والشيوعي communist، ونظام الهدايا gift economy، ونظام الدولة الشركة corporate state. لكن الفكر الاقتصادي لم يعرف شيئاً عن اقتصاد الشيطان devil economy or satanic economy. وهذه الحالة الأخيرة هي من ابداع استاذي إيرنست سويني، وتشخيصي الذاتي. وحسبما توصلت إليه فهم هذا الشكل من النظم الاقتصادية، فهو اقتصاد فريد من نوعه، يقوم بدورٍ وظيفي، وليس له فرصة للانفلات من نظام التبعية الدولي والعبث الدائم، وهو نظام اقتصادي متلقٍ للضربات والصدمات المتناوبة، ومتلقٍ للقرارات والأسعار ، غير صانع لها.
ما هي صفات اقتصاد الشيطان؟
أول صفة لهذا النظام الاقتصادي أنه دائم التبعية، تتحكم بمصيره ثلاث قوى رئيسة: القوى الكبرى، وهي اللاعب الرأسان، سلطة فاسدة، عدد قليل جداً من اللاعبين من أصحاب رأس المال الريعي.
إلى جانب الصفات المُبينة، يُبين بعض فلاسفة الاقتصاد الصفات التالية لاقتصاد الشيطان:
أولاً: هذا الاقتصاد هو من تخطيط الذين يشجعون أنشطة الريع ويحاربون الإنتاج الحقيقي..
ثانياً: يعيش على الريع من خدمات هامشية.. كالضرائب العالية، وخدمات نقل الركاب محلياً، والنوادي الليلية، وصالات الأفراح والمقاهي، وترويج وتسويق السلع الضارة بصحة الإنسان والبيئة، وفيه تكون السيادة في التوظيف لقطاع الخدمات البيروقراطية .. ويصدّر المواد الخام بأسعار زهيده ويستوردها مصنعة بأسعار عالية..
ثالثاً: تابع ويعتمد على الديون..
رابعاً: يتعاظم فيه الاستهلاك التفاخري..
خامساً: ينهار فيه التعليم الأساسي والعالي..
سادساً: يكثر فيه الصخب والتذمر الاجتماعي..
سابعاً: ينتظر المجهول في كل أحواله..
ثامناً: تكثر فيه الواسطات والمحسوبية حتى تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع الذي يحتضنه.. ما يؤدي بالتالي إلى فساد المجتمع نفسه، بعد فساد المتنفذين فيه..
تاسعاً: يخدم الأقلية ويعدم أو يهدم أثر الأكثرية..
عاشراً: يتسلط فيه القوي على الضعيف.. ويتعسف ويستكبر.. ويغيب فيه القانون البشري المنظم للمجتمع، ويسود فيه قانون صراع البقاء.. ويصبح مرتعاً للشائعات والخلافات الحقيقية والمفتعلة..
حادي عشر: ينقسم فيه المجتمع أفقياً وعمودياً.. وتكثر فيه العداوات بين الناس..
ثاني عشر: يكون فيه الفقراء أدوات التنكيل التي توظفها السلطة للتنكيل بالفقراء الجياع.. ولا يحارب الفقير فيه من أجل الدفاع عن الفقراء مثله، بل دفاعاً عن الغني والفاسد..
ثالث عشر: تستعين السلطة فيه بالأجنبي..
رابع عشر: يتقن صناعة الفاسدين..
خامس عشر: ينبذ الإبداع ويرفع النفاق والتفاهة..
سادس عشر: يفتقر فيه معظم الناس إلى التراحم..
سابع عشر: تركز فيه القرارات على الشكليات والتوافه وينسى جواهر الأمور وعظائمها..
ثامن عشر: تختلط فيه السياسة حتى تصبح الأولوية فيه للأمن الآني على حساب الأمن طويل الأمد..
تاسع عاشر: يصنع بطولات وهمية وأبطال وهميين، وتاريخه مزوّر..
عشرون: تسود فيه المحاصصة والجهوية والطائفية الرسمية..