اقتصاديات الكورونا
د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :
كثر الحديث، في خضم انتشار وباء الكورونا على المستوى العالمي، عن المخصصات المالية التي التزمت بها بعض الحكومات للحد من آثار الوباء. فقد أقدمت بعض الدول على تقييد السفر والتنقل، وغلق بعضها حدوده وأوقف التجارة. وكنتيجة لانتشار الذعر بين عامة الناس زاد الإقبال على المخزون من السلع الاستهلاكية، وخاصة الغذاء والشراب والأدوية.
من رصدي لما يجري في عشرات الدول، ومنها الولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا وآسيا، والمنطقة العربية، فقد دونت الملاحظات الآتية:
أولاً) تعرض الاقتصاد الصيني إلى صدمة (shock) قوية، أدت إلى تراجع الإنتاج، والتصدير، ومن ثم انخفاض الدخل الكلي (الوطني). وقد أثر ذلك على بعض طموحات الصين، التي جاءت في إطار سعيها كي تكون قيمة الناتج الإجمالي لها مساوياً للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بحلول العام (2025) ، وذلك على الرغم من الفارق الكبير بين معدلي دخل الفرد في الاقتصادين الكبيرين.
ثانياً) تعرض الاقتصاد الأوروبي إلى صدمة أكثر قوة من الصدمة الصينية، وبخاصة في بؤر الانتشار الأسرع: إيطاليا، أسبانيا، وفرنسا، تليها النرويج ثم السويد وبريطانيا وألمانيا. وبحكم المساحة والسكان الأقل من الحالة الصينية، فإن تراجع الإنتاج الأوروبي مجتمعاً، سيكون أكثر من تراجع الاقتصاد الصيني.
ثالثاً) تعرض الاقتصاد الأمريكي إلى صدمة جاءت خفيفة إلى متوسطة، باستثناء صدمة سوق رأس المال، وذلك نتيجة لقوة الاقتصاد والإنتاجية العالية، والإجراءات الوقائية، والبعد النسبي للقارة الأمريكية.
رابعاً) الاقتصاد الإيراني: اشتدت معاناة الإيرانيين نتيجة للحصار، وعسكرة الاقتصاد. لكن وباء الكورونا رفع من تسارع الانهيار الاقتصادي. وتوقعاتي تقول بأن السنة الحالية لن تنتهي إلا بتغيرات داخلية جذرية.
خامساً) اقتصادات الشرق الأوسط: تأثرت اقتصادات الخليج العربي بشكل كبير، لعدة أسباب؛ منها التركيز على النشاط الريعي، الذي يتأثر بشدة في مثل هذه الظروف، ونتيجة لما يجري في المنطقة من حروب، ونتيجة لانخفاض أسعار النفط. وقد أربكت كل هذه الظروف الموازنات الحكومية، وخططها الاقتصادية. وأظن بأن الآثار السلبية لم تأخذ مداها بعد. ولا تختلف الظروف السائدة عن حالة الاقتصاد المصري، حيث الانحسار والمعاناة الحقيقية.
سادساً) الاقتصاد الأردني: عانى، ومازال الاقتصاد الوطني يعاني نتيجة لتخبط وزارة الرزاز وانعدام رؤيتها في الآمد القصيرة والمتوسطة والبعيدة. ويمكنني أن ألخص الموقف كما يأتي:
⁃انخفاض الإنتاج نتيجة لانخفاض الطلب الكلي، الذي يتضمن بعض المتغيرات الكلية، أدناه.
⁃انخفاض الصادرات.
⁃انخفاض الإنفاق الاستهلاكي.
⁃انخفاض إيرادات قطاع النقل.
⁃انخفاض الاستهلاك في الاقتصادات المحلية نتيجة لتعطل المدارس والجامعات، ودور العبادة، والهلع والخوف واللايقين من المستقبل.
⁃انخفاض ايرادات قطاع الأعمال الريعي، مثل صالات الأفراح والمقاهي، والفنادق، والسياحة.
ما يعني بأن الاقتصاد الوطني لن يكون مستثنياً من التبعات العالمية. وستُحبط هذه الأحوال كل الحزم الاقتصادية التي ابتدعها الرزاز. لأن رؤيته لم تُبن على فكر اقتصادي سليم. كما أن قيام البنك المركزي بتخفيض نسبة الاحتياط الإجباري وتخفيض سعر الخصم قد يكون خطوة جيدة، لكن عرض النقد سيؤدي إلى مصيدة سيولة، نتيجة لضعف الإنتاج والخوف من مخاطر الاستثمار في الوقت الحالي.
أظن بأن على الحكومة أن ترحل إلى غير رجعة، وأن على المجتمع أن يتكيف مع شد الأحزمة في زمن الحب في زمن الكورونا. فهو حب مليء بالقسوة والحزن.