الحب في زمن الكورونا
د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :
رحمك الله صديقي الروحي غبراييل غارسيا ماركيز، صاحب الإبداعات الأدبية الرائعة.. مئة عام من العزلة، خريف البطريرك، الجنرال في متاهته، الحب في زمن الكوليرا، وروايات وكتابات أدبية أخرى، مُلهمة للنفس والعقل، والقلب.. سبق ماركيز زمانه بعقودٍ عديدة.. وها نحن اليوم في صراع محتدم مع ذات الأحوال التي تحدث عنها ماركيز في "قصة موت مُعلن".. وسبحان الله.. فهي كآبة الظلمات السائدة في طقوس الحب في زمن الكورونا، حيث يُقتل الإنسان ويموت في اليوم مراتٍ عديدة، وهو في سبيله كي يتدبر شؤون حياته المعتادة.. يتخبط ويتعثر ويتلعثم كي لا يؤذيه الآخرون، وكي لا يُثير حفيظة أولئك الذين استبدلوا عقولهم وقلوبهم بالبساطير وأدوات التعذيب والظلم، من أجل أن يملئوا بطونهم، دون غيرهم من المعذبين في الأرض.. تُنهى حياة الكثير من البشر من غير ذنب اقترفوه، أو لذنب لا يعرفوه أصلاً.. وأمسك بزمام الأمور أشخاصٌ مهوسون بالقتل وعبادة الشيطان، ومولعون بتشريد الأبرياء، وإهانة النفس البشرية.. فالعالم الذي كان جميلاً، إلى حدٍ ما، قبل عدة عقود، أصبح في غاية القباحة، لأن الجنرال ما زال في متاهته، ولأن عالم اليوم محكومٌ من قادة الحب في زمن الكورونا.. قادة ليسوا من العظمة في شيء، وصفهم ألان دونو في كتابه "زمن التفاهة" وترجمه بعض الكتاب العرب تحت مُسمى "نظام التفاهة".. هذا هو زمن فلاديمير، وبوريس، وزي جين، وبنيامين، ودونالد، وناريندرا، وإيمانويل، وابن العلقمي، وابن سلول.. مجموعة من الكائنات المسكونة بالجنون والتفاهة، تدين لعقيدة ليس فيها إلا عبادة تسليع الإنسان وتبضيعه.. لكن لحظة الغثيان التي تثيرُ حزني وكآبتي، هي اللحظة التي أتذكر فيها ممالك الذل في رواية "غاردينا".. وكيف أصبح قطاع الطرق فيها حُكّاماً لتلك الممالك.. في هذه اللحظة أجهش بالبكاء كالأطفال، لأن غاردينا وأخواتها جُهِزّت كي تكون نقطة الانطلاق للانقضاض على خير الإنسان، وجعل العالم كتلة من السِلع القبيحة..
في هذا العالم القبيح، الذي يحكمه الحب في زمن الكورونا، نشأت غردينا وأخواتها كي يعاني فيها الإنسان، على الدوم، من كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية.. أراد دونالد وفلاديمير وبنيامين، وهم قادة الحب في زمن الكورونا، أن يجعلوا الإنسان في دول الفسيفساء مختبراتٍ تُجرّب فيها قوة القنابل وفتك المكروبات.. فأصبحت غاردينا وأخواتها شركات محدودة المسؤولية، يحكُمها قطاع الطرق، وعصابات مسلحة، تتخذ شكل الدول.. أنتجت حالة غير مسبوقة على مر التاريخ..
كان الشيخ أريب زعيم قبيلة المكاسير، ذلك الوقور في غاردينا، يقرأ على مسامع القوم ما جاء في الكتاب المقدس، على لسان النبي نوح، عليه السلام: "مالكم لا ترجون لله وقارا، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارا".
حَجَبَ زعماء الحب في زمن الكورونا الحقيقة عن أهلهم، وجَنّدَوا لهذه الحالة إعلاماً أسود مُنعدم الضمير والرسالة والرؤيا، هدفه المال السُحت كي يصنعَ واقعاً واعداً مزيفاً، يُغطي على ويلات الفقراء، ويغطي على سوءاتِ قوم لوط، وسوءات الفاسدين والنهابّين، وأصرّ على قتل ِ كل عمل ٍ مؤسسي، حتى بات العالم بأسره غابة موحشة يأكل القوي فيه الضعيف، ويتجبر فيه عابد البقر على عابد الرب الواحد، ويستكبر صاحب البسطار والصولجان على صاحب الرأي السديد، وسُيّدَ الجاهلُ على العالِم، والفاسدُ على العفيف، وأُهمِلَ حكمُ القانونُ إلا على الفقراءِ والضعفاء، وزُجَ أصحاب الحكمة في غياهب السجون، أو أنهم هُمِشوا، مع إهانتهم وإذلالهم، وأصر مهندسو الحب في زمن الكوليرا، وكان بنيامين أوسخهم، على تمرير قوانين جائرة تُحاسب البشرَ على شبهة النوايا، اختاروا لتنفيذ ذلك فئة من الضالين المُضلين الذين لا هدف لهم إلا التكسب الحرام، فكانت النتيجة مُفجعة، تفكك العالم، وموت الإنسانية إلا في قلوب الأقلية، وانبعاث نيتشه من قبره، وتسربلت البقية بملابس الضباع، التي لا يحلو لها إلا أكل ضحيتها وهي على قيد الحياة!!
كانت آخر كلمة قالها أحد بؤساء غاردينا: "يا رافع القبة الزرقاء وجاعل السماء زرقاء، والصحراء جرداء، ابعث للبشر من أمثال دونالد وبنيامين وفلاديمير وناريندرا أفتك أنواع الكورونا والكوليرا، وارجع لي حبيبتي كي أقبلها قبل أن يغشانا حبٌ من نوعٍ آخر"..