اقتصاد ومجتمع سايكس بيكو
د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :
عندما رسى عطاء تنفيذ سايكس بيكو على مجموعة المقاولين المعروفين في الوطن العربي، منذ بداية العقد الثاني من القرن العشرين الماضي، كانت الأكثرية الساحقة من المقاولين قد قبلت طواعية، بالالتزام بشروط العطاء وتنفيذها بحذافيرها وتفاصيلها. وقد سمح صاحب العطاء الرئيس، وهو بريطانيا، للمقاولين، بتنفيذ العطاء بشكل تدريجي، من أجل ضمان جودة التنفيذ والتحقق من الأهداف المرجوة، أولاً بأول.
ما هي الأهداف المعلنة وغير المعلنة لعطاء سايكس بيكو ؟
تتضمن الأهداف طيفاً واسعاً من قطاعاتٍ متداخلة، غطت المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية، والبيئية، وكان على رأسها تفتيت الرقعة الشاسعة للوطن العربي، وزراعة الجسم الصهيوني.
يمكن تلخيصها في ما يأتي :
أولاً)
1) على الصعيد العسكري والاستراتيجي: خلق تبعية مطلقة في مجال التسليح، بحيث لا يُسمح للدولة الناشئة بموجب الاتفاقية أن تُسلح نفسها بنفسها، أي أن لا تحاول صناعة السلاح، أو استيراده إلا بموافقة المركز، وهو السيد البريطاني، أولاً، ثم الأسياد الأقل أهمية، كفرنسا مثلاً. وأن لا يتوجه السلاح بأي حال من الأحوال، ولا يُستعمل إلا في المعارك والحروب الأهلية والإقليمية، بين الدول الناشئة، باستثناء الدولة الصهيونية. 2) أن لا تبرم الدولة الناشئة أية اتفاقيات سياسية أو عسكرية أو تجارية، دولية أو إقليمية، إلا بعلم الأسياد، وموافقتهم الضمنية. 3) أن لا تحدث الحروب البينية إلا بموافقة الأسياد نفسهم. 3) أن يُعطى الأمن والعسكرة أولوية في استراتيجية الدولة الناشئة، على بقية المجالات. 4) عدم الاستعانة، عند الحاجة، إلا بالأسياد. 5) أن تكون الدولة الناشئة معنية قبل غيرها بالدفاع عن حدود سايكس بيكو بكل ما أوتيت من قوة وعزم.
كان من السياسات والاستراتيجيات الأساسية، لدول المركز، وفي مقدمتها بريطانيا بصهيونيتها الشديدة، ثم الولايات المتحدة، افتعال الخلافات الجانبية بين الدول الناشئة، وإدامة الحروب الداخلية فيها، حيثما احتاجت إلى ذلك، والأمثلة على ذلك كثيرة وصارخة، من المغرب والجزائر مروراً بالسودان والصومال، إلى سوريا والعراق.
ثانياً)
في مجال الحكم والسياسة:
1) لا تملك الدولة الناشئة سياسة، إقليمية أو دولية، مستقلة، أي أنها لا تمتلك قرار سياساتها الإقليمية والدولية. ولابد من التنسيق مع المركز عند تبني أية سياسة. 2) إمكانية إقالة الحاكم المحلي في حال تبني سياسات مخالفة لتعليمات المركز. 3) التصالح التدريجي مع المشروع الصهيوني في المنطقة، وعدم اتخاذ أية إجراءات مضادة لتمدده المكان والاستراتيجي. 4) إضعاف الحاكم والمحكوم إلى درجة يمكن عندها تفتيت الدولة الناشئة عند الحاجة.
ثالثاً)
في المجال الاقتصادي:
1) خلق تبعية اقتصادية شبه مطلقة، تغطي مجالات الإنتاج والاستهلاك والتصدير والاستيراد، والأمن الغذائي والمائي، ومجال التعليم العام والعالي. وقد وصل الحد إلى تبني حذافير المنهج الغربي الليبرالي في مجالات التعليم ومناهجه. 2) إدامة تبعية الدولة الناشئة لاقتصاد المركز، وقرارته السياسية، ومثال على ذلك إغراق الدولة الناشئة بالمديونية ونشر الفقر والجهل والمرض، ودفع سياسات الخصخصة، والعمل في المجال الديموغرافي للحد من تكاثر السكان وأثره الاستراتيجي بشكل فاعل. 3) توجيه معظم الإنفاق العام الفاعل نحو المجالات الأمنية والعسكرية، والقطعات الريعية غير المنتجة، على حساب القطاع الإنتاجي، وبخاصة في مجالات الصحة والتعليم ونقل التكنولوجيا، والغذاء والزراعة والمياه.
4) السيطرة على واستغلال ثروات المنطقة، مثل الغاز والنفط، والتحكم بأمن المضائق البحرية، ومصادر المياه والطاقة. 5) تضخيم القطاع العام في الدولة الناشئة كي يغدو مسيطراً على مجريات الحياة العامة، ويسهل استغلال الدولة الناشئة، وتعديل ينيانها الاقتصادي والسياسي عند الحاجة.
رابعاً)
في المجال الإعلامي والتقني:
1) صناعة الوهم، واحتكار مصدر وصناعة المعلومة، ونشر وترويج الإشاعات والمعلومات السطحية، وترسيخها في عقليات العامة والخاصة، باعتبارها حقائق هامة. 2) احتكار قواعد البيانات. 3) احتكار الأشكال الهامة من التكنولوجيا، ومنع الدولة الناشئة من تصنيعها أو امتلاكها واستعمالها بشكل فاعل.
رابعاً)
في المجال الاجتماعي والثقافي:
1) خلق هويات فرعية، والتركيز على التمايز الطبقي والعرقي والديني والجهوي. 2) استغلال التمايز لصالح إضعاف الدولة وتلهيتها بمشاكلها الداخلية، واستغلالها وقت الحاجة. 3) بث الأوهام عن إنجازات وانتصارات الدولة الناشئة. وهذه الظاهرة واضحة وصارخة أينما كنت في الدول الناشئة من المحيط إلى الخليج. 4) تبعية ثقافية وأكاديمية وعلمية مطلقة.
خامساً)
في المجال البيئي:
عدم الاهتمام بالبيئة، ونشر التلوث، وعدم الاهتمام بصحة الإنسان والحيوان.