2024-08-21 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الثروة عندما تتحول لعنة

حسن الشوبكي
جو 24 : لا إشكالية نقص موارد وثروات في العالم العربي، بل على العكس؛ تكتنز الأرض العربية، بيابستها ومياهها، أهم الموارد على مستوى عالمي. لكن الفشل السياسي وتناحر الفرقاء، يجعلان من هذه الثروات أشبه بلعنة، ويدفع الإنسان العربي ثمنا للاقتتال من أجل السيطرة عليها.
في اليمن اليوم، تستخدم الثروات وموارد الدولة وموانئ النفط، ومثلها أيضا الرواتب والأجور للموظفين والعاملين، في سياق تحقيق أهداف سياسية آنية لفصائل لم تعرف التوافق، لاسيما بعد انقلاب جماعة الحوثي على مخرجات الحوار الوطني، ورفع البندقية مجددا على حساب الكلمة والمصلحة الوطنية.
شواهد أثر استخدام الورقة الاقتصادية للضغط من أجل تحقيق أهداف مؤقتة في ظل الصراع الدائر في اليمن ماثلة للعيان. ففي الجنوب، تجد أن حالة الشلل التي اتسمت بها المدن هناك في يوم العصيان المدني، وعلى رأسها عدن، تسعى الى إيصال رسالة إلى المركز في صنعاء، مفادها أن 70 % من إيرادات موازنة الدولة التي تأتي من الجنوب، في خطر. وفي المقابل، لا يرسل المركز في الشمال رواتب العاملين في الجنوب. وهكذا، تتعثر الحال وتشتد القطيعة بين محافظات الجنوب والعاصمة؛ والأدوات والرسائل المستخدمة كلها اقتصادية.
ويرى الجنوبيون أيضا أن تمدد مسلحي الحوثي باتجاه مأرب خلال الأيام الماضية، إنما ينطوي على هدف اقتصادي كبير. فالسيطرة على النفط في الشمال تعني الكثير لمن يريد أن يسيطر على اليمن. وفي المقابل، تتزايد الدعوات لدى رجال القبائل في مأرب للذود عن ثرواتهم ومستقبلهم، وقبل ذلك عن وجودهم.
وذات الأدوات تستخدم في سياق محاولات تأمين محافظتي شبوة وحضرموت الجنوبيتين، واللتين تستحوذان على نحو ثلثي صادرات اليمن؛ حيث وفرة النفط والغاز المسال. وتشير الدراسات الجيولوجية والعلمية من مصادر أجنبية، إلى أن محافظات شبوة والمهرة وحضرموت تمتلك مجتمعة 55 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، في حين أن إجمالي احتياطي اليمن من الغاز الطبيعي يصل إلى حوالي 70 تريليون قدم مكعب. وتبدو هذه الثروات شبه مهدورة عندما يرى المرء طوابير السيارات التي تحمل أسطوانات الغاز لأبناء الجنوب في اليمن، تقف لساعات عديدة بانتظار التزود وإيصالها للمستهلكين، وذلك ضمن مشهد يشير إلى الفشل وانعدام وجود الثروة، لا كما تؤكد الأرقام عن وجود مستويات عالمية وقياسية من الاحتياطات.
كل الأطراف تتصارع، ومادة الصراع هي الثروة. ولم يحصد اليمنيون إلا الخيبات من هذا الصراع وتلك الثروات. فما معنى أن تتوفر في الجنوب احتياطات بعشرات التريليونات من الغاز، بينما يعيش سكان الجنوب في فاقة يصعب إنكارها. وذات المشهد يتكرر بهشاشته في الشمال. وكيف لليمني أن يصدق وجود الثروة وليس في مدينته صرف صحي أو بنية تحتية، أو أي ملامح لفرص العيش الكريم، وشروط جيدة للتعليم والتأهيل وصناعة المستقبل؟
إنها الثروة تتحول إلى لعنة على أصحابها، عندما لا يحسنون استخدامها، أو يتناحرون من أجل السيطرة عليها. وما الانقلاب الأخير لجماعة الحوثي إلا صورة جديدة من صور البحث عن نفوذ أكبر، من خلال السيطرة على الموانئ والمنافذ البحرية، وقبل ذلك على المصافي الكبرى لثروة الغاز والنفط في الشمال والوسط والجنوب.
استخدام الاقتصاد ورقة للضغط، والثروة بوصفها مادة للصراع، أتى بالخسارة على اليمنيين كلهم، وهم الذين كان لديهم بلد حمل وصف السعادة في تاريخ غابر.


(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news