"وأودوا بالإبل"
حسن الشوبكي
جو 24 : ليس مجديا منح عشر دقائق أو ربع ساعة ويزيد لنائب أو كتلة برلمانية، والمضي لأيام مديدة، وجلسات صباحية ومسائية، في سياق فتح باب الخطابة وعبارات الإنشاء والحديث العام عن موازنة الحكومة للعام الحالي، بينما يبقى جوهر ما تم إعداده على حاله، بعد سيل الخطب التي لا تؤثر في بنية الدولة الاقتصادية وخططها وبرامجها في الموازنة.
ينقسم النواب إلى ثلاث فئات أثناء جولات الخطابة تلك. أولاها، تمس قطاعا عريضا من المجلس، لا علاقة له بالأرقام، ولا يربط النسب والمؤشرات بالسياسات الاقتصادية التي وقفت خلفها أثناء إعداد الموازنة، بما في ذلك دور اللجنة النيابية المالية والاقتصادية، ولقاءاتها قبيل مناقشة مشروع الموازنة تحت القبة. لذلك، تجد نواب هذه الفئة منحازين للمطالب الخدمية للقواعد الشعبية ذات الصلة بالمناطق التي جاؤوا منها، وبما يسهم في تحقيق شعبية إضافية لهم، عبر استغلال أي كلمة مصورة تلفزيونيا من أجل المطالبة باحتياجات وحقوق مناطقهم الانتخابية!
أما الفئة الثانية، والتي تمثل الوزن الأكبر في المجلس، فهي متفقة مع الحكومة بشأن أي أرقام تتقدم بها في الموازنة، فتصوت هذه الفئة بـ"نعم" بعد ماراثون الخطابة المتكرر. وبعض نواب هذه الفئة على علم بدلالات الأرقام وتفاصيلها ومآلاتها، لكنهم يسعون إلى الراحة والدعة، ويعطون الحكومة ما تحتاجه، فيما تصبح لهم ولطلباتهم لاحقا قبولا عند الحكومة، ضمن مبدأ أن الطريق باتجاهين.
تبقى فئة المعارضين، الثالثة. وهي قلة قليلة، لا تملك وزنا تصويتيا تحت القبة. إذ تعارض الموازنة وهياكلها؛ لا لأسباب اقتصادية موضوعية وتفصيلية، وإنما لأنها تريد قول "لا" للحكومة وحسب. فتنطبق عليها مقولة "أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل"، اللهم باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ممن يعارضون التوجهات الاقتصادية الحكومية وفقا لمعايير تقييم عادلة، ذات صلة بمصير الدولة والمجتمع ومستقبلهما.
هيكل الموازنة بني على فرضيات عديدة، وثمة خلاف موضوعي بشأن عدد منها، على رأسها أسعار النفط. كما أن تقديرات الإيرادات والضرائب ليست واضحة بالنسبة للنواب الذي يناقشون أرقاما صماء لا يعرفون حقيقتها. والأهم أن هيكل الموازنة متكرر شكلا ومضمونا، فلا تكاد تجد فرقا بين موازنة العام الجديد والعام الذي سبقه، باستثناء النسب التي تضاف للزيادة مع موازنة كل عام. أما السياسات والأفكار والتوجهات التي تقف خلف هذه الارقام فهي ذاتها، ولا يملك أحد، في مجلس النواب أو سواه، أن يغير فيها كثيرا. فلا تغيير جوهريا في أسئلة الاقتصاد الصعبة المتعلقة بتشوهات سوق العمل ومنحى التشغيل الواضح للعمالة الوافدة. كما أن "الجباية" أساسية في تكوين الموازنة، ومثلها الاعتماد على الخارج، ولتتورم المديونية ويتصاعد العجز.
اتفق مع النائب جميل النمري في أن طريقة وآلية مناقشة النواب للموازنة ليستا مقنعتين، وتحتاجان إلى تغيير حقيقي. وهو أمر يستدعي إصلاحا اقتصاديا وتشريعيا رئيسا لا مجال فيه للمساومة.
الموازنة في كل دول العالم وشركاته ومؤسساته، يجب أن تقول شيئا؛ ومن المفترض أن تبعث برسائل ذات صلة بالمضامين والتوجهات الجديدة، لا التكرار والتعامل بقداسة مع أرقام أعدت في أعوام ماضية، وإضافة نسب مقررة مسبقا وحسب.
(الغد)
ينقسم النواب إلى ثلاث فئات أثناء جولات الخطابة تلك. أولاها، تمس قطاعا عريضا من المجلس، لا علاقة له بالأرقام، ولا يربط النسب والمؤشرات بالسياسات الاقتصادية التي وقفت خلفها أثناء إعداد الموازنة، بما في ذلك دور اللجنة النيابية المالية والاقتصادية، ولقاءاتها قبيل مناقشة مشروع الموازنة تحت القبة. لذلك، تجد نواب هذه الفئة منحازين للمطالب الخدمية للقواعد الشعبية ذات الصلة بالمناطق التي جاؤوا منها، وبما يسهم في تحقيق شعبية إضافية لهم، عبر استغلال أي كلمة مصورة تلفزيونيا من أجل المطالبة باحتياجات وحقوق مناطقهم الانتخابية!
أما الفئة الثانية، والتي تمثل الوزن الأكبر في المجلس، فهي متفقة مع الحكومة بشأن أي أرقام تتقدم بها في الموازنة، فتصوت هذه الفئة بـ"نعم" بعد ماراثون الخطابة المتكرر. وبعض نواب هذه الفئة على علم بدلالات الأرقام وتفاصيلها ومآلاتها، لكنهم يسعون إلى الراحة والدعة، ويعطون الحكومة ما تحتاجه، فيما تصبح لهم ولطلباتهم لاحقا قبولا عند الحكومة، ضمن مبدأ أن الطريق باتجاهين.
تبقى فئة المعارضين، الثالثة. وهي قلة قليلة، لا تملك وزنا تصويتيا تحت القبة. إذ تعارض الموازنة وهياكلها؛ لا لأسباب اقتصادية موضوعية وتفصيلية، وإنما لأنها تريد قول "لا" للحكومة وحسب. فتنطبق عليها مقولة "أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل"، اللهم باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ممن يعارضون التوجهات الاقتصادية الحكومية وفقا لمعايير تقييم عادلة، ذات صلة بمصير الدولة والمجتمع ومستقبلهما.
هيكل الموازنة بني على فرضيات عديدة، وثمة خلاف موضوعي بشأن عدد منها، على رأسها أسعار النفط. كما أن تقديرات الإيرادات والضرائب ليست واضحة بالنسبة للنواب الذي يناقشون أرقاما صماء لا يعرفون حقيقتها. والأهم أن هيكل الموازنة متكرر شكلا ومضمونا، فلا تكاد تجد فرقا بين موازنة العام الجديد والعام الذي سبقه، باستثناء النسب التي تضاف للزيادة مع موازنة كل عام. أما السياسات والأفكار والتوجهات التي تقف خلف هذه الارقام فهي ذاتها، ولا يملك أحد، في مجلس النواب أو سواه، أن يغير فيها كثيرا. فلا تغيير جوهريا في أسئلة الاقتصاد الصعبة المتعلقة بتشوهات سوق العمل ومنحى التشغيل الواضح للعمالة الوافدة. كما أن "الجباية" أساسية في تكوين الموازنة، ومثلها الاعتماد على الخارج، ولتتورم المديونية ويتصاعد العجز.
اتفق مع النائب جميل النمري في أن طريقة وآلية مناقشة النواب للموازنة ليستا مقنعتين، وتحتاجان إلى تغيير حقيقي. وهو أمر يستدعي إصلاحا اقتصاديا وتشريعيا رئيسا لا مجال فيه للمساومة.
الموازنة في كل دول العالم وشركاته ومؤسساته، يجب أن تقول شيئا؛ ومن المفترض أن تبعث برسائل ذات صلة بالمضامين والتوجهات الجديدة، لا التكرار والتعامل بقداسة مع أرقام أعدت في أعوام ماضية، وإضافة نسب مقررة مسبقا وحسب.
(الغد)