عمان الأغلى
حسن الشوبكي
جو 24 : لم تجلب الفقاعة العقارية قبل أكثر من عشرة أعوام، إلا الخيبات الاقتصادية للعاصمة عمان. فأسعار الأراضي تصاعدت إلى مستويات شاهقة، ومثلها أسعار الشقق والعقارات عموما، في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003. ولحق عمان مشهد غلاء أسعار شمل مختلف الجوانب الخدمية فيها.
منذ العام 2006، ترصد وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة "إيكونومست" البريطانية، غلاء مستشريا في أوصال عاصمتنا. وفي عامنا هذا، تقدمت عمان أربع مراتب ضمن لائحة المدن الأغلى، تبعا لكلفة المعيشة فيها، فاحتلت المرتبة 48 عالميا ضمن قائمة تضم 133 مدينة.
عمان هي المدينة الأغلى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متقدمة على القاهرة والمنامة ودبي والرياض وجدة والكويت، وغيرها من المدن في المنطقة العربية. وهذا الغلاء ليس افتراضيا، بل هو واقعي يشمل تكاليف الحصول على نحو 160 خدمة ومنتجا، بما في ذلك الغذاء والملابس والسكن وفواتير الخدمات. وإن استمر الأمر على هذا المنوال، فقد تقترب عمان من نيويورك التي تتقدم القائمة في الغلاء؛ وهو ما يمكن تبريره بالنسبة لعاصمة التجارة الأكبر في العالم، فيما تصبح غريبة وعصية على الفهم هكذا مبررات بالنسبة لعمان.
لم تكن عمان هكذا، أو هذا ما سمعته أجيال عن كيفية تطور هذه العاصمة. فالأجداد والآباء نقلوا للأحفاد تطورا متدرجا وذكيا، في مناحي الحياة كافة، فتم هذا التطور بشكل منطقي حتى وقت قريب. بيد أن سمة الغلاء التي ارتسمت على كل تفاصيل المدينة، جعلت الحياة فيها قاسية على أبنائها، وطاردة لبعضهم.
فحتى ألف دينار شهريا لم تعد تقوى على مواجهة الغلاء المتفاقم في أسعار السلع والخدمات. وبالرجوع إلى متوسط الرواتب الشهرية في الأردن، والذي يبلغ 416 دينارا وفقا لدائرة الاحصاءات العامة، فإن الغلاء يصبح أكثر فتكا بساكنيها؛ إذ تغيب قدرة المواطنين على مواجهة موجات الصعود السعري برواتب هزيلة.
البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات تشير إلى أن معدل الرواتب ارتفع من 280 دينارا في العام 2006، فبلغ 305 دنانير، ثم 350 دينارا، وبعد ذلك 365 دينارا. حتى وصل قبل ثلاث سنوات إلى 416 دينارا. والخلاصة هي أن الزيادات الطفيفة التي طرأت على الرواتب لم تواجه بأي شكل من الأشكال تضاعف أسعار السلع والخدمات لأكثر من مرة منذ نحو عقد. والأزمة أكبر بالنسبة للقوى العاملة التي يحصل نصفها على أجور تقل عن 300 دينار شهريا، بحسب دراسات غير رسمية.
السؤال الأكثر أهمية: من يريد لعمان أن تكون الأغلى في أسعارها، والأصعب على صعيد التكيف معيشيا واقتصاديا بالنسبة لساكنيها؟ وأين يقع الفشل الحكومي في التخطيط لعمان، وجعلها في هذا الموقع غير المبرر لأبنائها، وحتى لمضمون وشكل اقتصاد الدولة؟ وذلك للوصول إلى مقاربات تساعدنا في تحديد سبل الخروج من عنق الزجاجة هذا، عبر تخطيط أكثر حصافة، وسياسات أكثر حرصا على المدينة وأهلها من جانب القطاعين العام والخاص.
عمان التي جمعت سكانا من مشارب مختلفة في النصف الأول من القرن الماضي، يجب أن لا تكون طاردة لمن تنسم هواء جبالها في الألفية الجديدة!
(الغد)
منذ العام 2006، ترصد وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة "إيكونومست" البريطانية، غلاء مستشريا في أوصال عاصمتنا. وفي عامنا هذا، تقدمت عمان أربع مراتب ضمن لائحة المدن الأغلى، تبعا لكلفة المعيشة فيها، فاحتلت المرتبة 48 عالميا ضمن قائمة تضم 133 مدينة.
عمان هي المدينة الأغلى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متقدمة على القاهرة والمنامة ودبي والرياض وجدة والكويت، وغيرها من المدن في المنطقة العربية. وهذا الغلاء ليس افتراضيا، بل هو واقعي يشمل تكاليف الحصول على نحو 160 خدمة ومنتجا، بما في ذلك الغذاء والملابس والسكن وفواتير الخدمات. وإن استمر الأمر على هذا المنوال، فقد تقترب عمان من نيويورك التي تتقدم القائمة في الغلاء؛ وهو ما يمكن تبريره بالنسبة لعاصمة التجارة الأكبر في العالم، فيما تصبح غريبة وعصية على الفهم هكذا مبررات بالنسبة لعمان.
لم تكن عمان هكذا، أو هذا ما سمعته أجيال عن كيفية تطور هذه العاصمة. فالأجداد والآباء نقلوا للأحفاد تطورا متدرجا وذكيا، في مناحي الحياة كافة، فتم هذا التطور بشكل منطقي حتى وقت قريب. بيد أن سمة الغلاء التي ارتسمت على كل تفاصيل المدينة، جعلت الحياة فيها قاسية على أبنائها، وطاردة لبعضهم.
فحتى ألف دينار شهريا لم تعد تقوى على مواجهة الغلاء المتفاقم في أسعار السلع والخدمات. وبالرجوع إلى متوسط الرواتب الشهرية في الأردن، والذي يبلغ 416 دينارا وفقا لدائرة الاحصاءات العامة، فإن الغلاء يصبح أكثر فتكا بساكنيها؛ إذ تغيب قدرة المواطنين على مواجهة موجات الصعود السعري برواتب هزيلة.
البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات تشير إلى أن معدل الرواتب ارتفع من 280 دينارا في العام 2006، فبلغ 305 دنانير، ثم 350 دينارا، وبعد ذلك 365 دينارا. حتى وصل قبل ثلاث سنوات إلى 416 دينارا. والخلاصة هي أن الزيادات الطفيفة التي طرأت على الرواتب لم تواجه بأي شكل من الأشكال تضاعف أسعار السلع والخدمات لأكثر من مرة منذ نحو عقد. والأزمة أكبر بالنسبة للقوى العاملة التي يحصل نصفها على أجور تقل عن 300 دينار شهريا، بحسب دراسات غير رسمية.
السؤال الأكثر أهمية: من يريد لعمان أن تكون الأغلى في أسعارها، والأصعب على صعيد التكيف معيشيا واقتصاديا بالنسبة لساكنيها؟ وأين يقع الفشل الحكومي في التخطيط لعمان، وجعلها في هذا الموقع غير المبرر لأبنائها، وحتى لمضمون وشكل اقتصاد الدولة؟ وذلك للوصول إلى مقاربات تساعدنا في تحديد سبل الخروج من عنق الزجاجة هذا، عبر تخطيط أكثر حصافة، وسياسات أكثر حرصا على المدينة وأهلها من جانب القطاعين العام والخاص.
عمان التي جمعت سكانا من مشارب مختلفة في النصف الأول من القرن الماضي، يجب أن لا تكون طاردة لمن تنسم هواء جبالها في الألفية الجديدة!
(الغد)