على جنبات طريق السويمة
حسن الشوبكي
جو 24 : حرث أجدادهم وزرعوا أرض السويمة قبل مئة عام، وظلوا على عهد العلاقة مع الأرض طوال عقود طويلة من عمر الدولة وحتى قبل تشكيلها، واليوم يجد الأحفاد من أبناء عشيرة الجعارات أنفسهم بلا حاضر أو مستقبل بعد ضياع مفهوم المواطنة وتسيّد مفهوم التنمية بأرقامها المليونية على حساب معيشة العائلات التي ذهبت ضحية لشكل من التنمية لا يلتفت إلى الانسان.
قد يقول قائل إن ثمة مبالغة في هذه الصورة المركبة، بيد أن واقع الحال يشي بما هو أكثر ثقلا وخطورة، والمسميات عديدة؛ فهيئة المناطق التنموية بعد سنوات على تأسيسها بتنمية المجتمع المحلي، فلا تنمية حدثت ولا ما يحزنون وبقيت السويمة المطلة على البحر الميت عرضة للتجريب، وفي الأثناء جفت عيون المياه في تلك المنطقة، وحرم أبناؤها من نشاطهم التقليدي في الزراعة كما حرموا سابقا من حظ التعليم الجيد، وأمست الاستثمارات التي تكاثرت كالفطر على الشاطئ الشرقي للبحر الميت غير عابئة بهؤلاء مع استثناءات شحيحة في جانب تشغيل قلة قليلة منهم في أعمال لا تؤسس لهم مهنا ولا تحتاج الى تأهيل نوعي، ويتندر بعض ابناء الجعارات ممن يطلب منهم سيرة ذاتية باللغة الانجليزية! وكأن الأمر ينطوي على استشراق مقصود.
حتى الشاطئ المجاني الوحيد المفتوح لعامة الأردنيين على البحر ليس لهم، وأرضه مملوكة لجهة لا يعلمونها ويحده من الميمنة مستثمر عربي ومن الميسرة مستثمر أردني، وفي موازاة ذلك لا تتوقف تحذيرات الأمن المدعومة من وزارة الاشغال العامة بإزالة الأكشاك التي نصبت بالقرب من هذا الشاطئ بقصد طلب البحث عن الرزق والدخل لمئات الأسر الفقيرة، وهو دخل لا يتجاوز في متوسطه 300 دينار شهريا للأسرة الواحدة؛ إذ إن ذروة العمل تكون في عطلة نهاية الأسبوع حيث يتزايد عدد زوار البحر من الأردنيين، بينما لا يعمل من يقدمون الخدمات التقليدية من مشروبات وعصائر في تلك الاكشاك خلال باقي أيام الأسبوع.
أزيل بعض هذه الاكشاك قبل شهرين والتهديد بالإزالة قائم وسيتم التنفيذ خلال أسبوعين، وعرض على المتضررين العمل ضمن مساحة تقدر بعشرة دونمات على سفح جبل يطل البحر ويبعد عنه كثيرا وليس ملاذا للسياح المحليين، إذ إن قطعة الأرض المعروضة كبديل ليست على الشاطئ بل هي على الجانب الآخر من الشارع.
يقول هؤلاء الشباب الذين يبحثون عن فرصة للحياة لهم ولعائلاتهم، إن أبواب الرزق سدت في وجوههم وإن منطقتهم ليست لهم بل لأصحاب الملايين والمتنفذين، وإن الحكومة غافلة عنهم وإن مستقبلهم مجهول، فمن يتم منعه عن العيش وكسب قوت يومه سيلجأ حتما إلى أساليب أخرى لكسب المال حتى لو كانت ضمن نسق الجريمة وتداعياتها الفردية والمجتمعية.
ثمة قهر لا تخطئه حروفهم ويشعرون بأن الدولة لا تأبه لمعاناتهم وعددهم يفوق 6 آلاف نسمة - سكان السويمة والبدو الذين يرعون الأغنام إلى جوارهم - بل إن كثيرا منهم يعتقد أن الدولة سبب أساسي وأولي في تلك المعاناة، وتتصاعد نبرة الحزن إلى حد وصف ما يحدث معهم بالتمييز والتفرقة، فثمة من يستحق بأن يستفيد من خيرات البحر الميت والمنطقة التي عمرها أجدادهم، وثمة لا حق له في كل ذلك.
في السويمة، صورة مصغرة لمشهد الفشل في شكل تنمية ترتسم على حساب الفقراء وبمضمون يعاديهم، وفي الشارع الذي يمر بموازاة السويمة وصولا الى فنادق ومنتجعات البحر الميت، هناك آلاف مروا من هناك ضمن "طبقة" الأثرياء، لكنهم حتما لم يلتفتوا إلى الحالة المعيشية الرثة على جنبات الطريق.
الغد
قد يقول قائل إن ثمة مبالغة في هذه الصورة المركبة، بيد أن واقع الحال يشي بما هو أكثر ثقلا وخطورة، والمسميات عديدة؛ فهيئة المناطق التنموية بعد سنوات على تأسيسها بتنمية المجتمع المحلي، فلا تنمية حدثت ولا ما يحزنون وبقيت السويمة المطلة على البحر الميت عرضة للتجريب، وفي الأثناء جفت عيون المياه في تلك المنطقة، وحرم أبناؤها من نشاطهم التقليدي في الزراعة كما حرموا سابقا من حظ التعليم الجيد، وأمست الاستثمارات التي تكاثرت كالفطر على الشاطئ الشرقي للبحر الميت غير عابئة بهؤلاء مع استثناءات شحيحة في جانب تشغيل قلة قليلة منهم في أعمال لا تؤسس لهم مهنا ولا تحتاج الى تأهيل نوعي، ويتندر بعض ابناء الجعارات ممن يطلب منهم سيرة ذاتية باللغة الانجليزية! وكأن الأمر ينطوي على استشراق مقصود.
حتى الشاطئ المجاني الوحيد المفتوح لعامة الأردنيين على البحر ليس لهم، وأرضه مملوكة لجهة لا يعلمونها ويحده من الميمنة مستثمر عربي ومن الميسرة مستثمر أردني، وفي موازاة ذلك لا تتوقف تحذيرات الأمن المدعومة من وزارة الاشغال العامة بإزالة الأكشاك التي نصبت بالقرب من هذا الشاطئ بقصد طلب البحث عن الرزق والدخل لمئات الأسر الفقيرة، وهو دخل لا يتجاوز في متوسطه 300 دينار شهريا للأسرة الواحدة؛ إذ إن ذروة العمل تكون في عطلة نهاية الأسبوع حيث يتزايد عدد زوار البحر من الأردنيين، بينما لا يعمل من يقدمون الخدمات التقليدية من مشروبات وعصائر في تلك الاكشاك خلال باقي أيام الأسبوع.
أزيل بعض هذه الاكشاك قبل شهرين والتهديد بالإزالة قائم وسيتم التنفيذ خلال أسبوعين، وعرض على المتضررين العمل ضمن مساحة تقدر بعشرة دونمات على سفح جبل يطل البحر ويبعد عنه كثيرا وليس ملاذا للسياح المحليين، إذ إن قطعة الأرض المعروضة كبديل ليست على الشاطئ بل هي على الجانب الآخر من الشارع.
يقول هؤلاء الشباب الذين يبحثون عن فرصة للحياة لهم ولعائلاتهم، إن أبواب الرزق سدت في وجوههم وإن منطقتهم ليست لهم بل لأصحاب الملايين والمتنفذين، وإن الحكومة غافلة عنهم وإن مستقبلهم مجهول، فمن يتم منعه عن العيش وكسب قوت يومه سيلجأ حتما إلى أساليب أخرى لكسب المال حتى لو كانت ضمن نسق الجريمة وتداعياتها الفردية والمجتمعية.
ثمة قهر لا تخطئه حروفهم ويشعرون بأن الدولة لا تأبه لمعاناتهم وعددهم يفوق 6 آلاف نسمة - سكان السويمة والبدو الذين يرعون الأغنام إلى جوارهم - بل إن كثيرا منهم يعتقد أن الدولة سبب أساسي وأولي في تلك المعاناة، وتتصاعد نبرة الحزن إلى حد وصف ما يحدث معهم بالتمييز والتفرقة، فثمة من يستحق بأن يستفيد من خيرات البحر الميت والمنطقة التي عمرها أجدادهم، وثمة لا حق له في كل ذلك.
في السويمة، صورة مصغرة لمشهد الفشل في شكل تنمية ترتسم على حساب الفقراء وبمضمون يعاديهم، وفي الشارع الذي يمر بموازاة السويمة وصولا الى فنادق ومنتجعات البحر الميت، هناك آلاف مروا من هناك ضمن "طبقة" الأثرياء، لكنهم حتما لم يلتفتوا إلى الحالة المعيشية الرثة على جنبات الطريق.
الغد