2024-08-21 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

نزاهتهم.. وهواننا!

حسن الشوبكي
جو 24 : قدم رئيس الأوروغواي خوسيه موخيكا صورة حقيقية لنزاهة الحاكم والمسؤول؛ سواء عبر راتبه الشهري المتواضع وتبرعاته للفقراء، أو من خلال بيته العادي وسيارته الـ"فولكس فاغن" الصغيرة التي أصبحت السيارة الأكثر شهرة، إذ يقودها رئيس نزيه.
صورة بيت الرئيس موخيكا الذي ينهي فترة رئاسته مطلع العام المقبل، وكذلك سيارته وراتبه، لم تلفت انتباه كثير من رجال السلطة العرب؛ فهم لا يريدون أن يتعلموا الدرس، وسط إصرار على إبقاء ثروات الدول تحت تصرفهم الشخصي، ليستمر السلب والنهب والفقر والإفقار.
الرد على نموذج سيارة موخيكا التي يستخدمها منذ نحو ثلاثة عقود، جاء من محيطنا المترف؛ إذ انبرى أحد الأثرياء العرب لشراء الـ"فولكس فاغن" الشهيرة بمبلغ مليون دولار. وتشير الصحافة في أوروغواي إلى أن الرئيس يبحث العرض العربي، وإذا ما تم البيع فسيتحول ثمن السيارة إلى برنامج حكومي لبناء شقق ومساكن للفقراء في أوروغواي.
ذات القيمة؛ وهي النزاهة والإنفاق لمصلحة الفقراء لا لصالح النخب وفسادها، هي التي تتسيد في هذا الدرس الكبير. ويبدو أن كثيراً من الأثرياء ورجال السلطة العرب لا يتعلمون مما يحدث في العالم، ويصرون على أن تكون صورتنا مرتبطة بالفساد والنهب، وترف الإنفاق، واستباحة الأوطان. حتى وصلنا إلى أن ثروة الحاكم في كثير من الدول العربية تقترب من حجم مديونية بلاده؛ ولنا شواهد دقيقة في الدول التي شهدت ثورات خلال السنوات الثلاث الماضية ضمن ما عرف بـ"الربيع العربي".
لنترك أوروغواي، فهي تبعد عنا كثيرا، ولننظر من حولنا إلى النهب المنظم لثروات الشعوب العربية، فنصطدم بالأرقام. إذ تؤكد المنظمة العربية لمكافحة الفساد أن حجم الأموال العربية المنهوبة والمسروقة خلال نصف قرن مضى، تجاوزت تريليون دولار (أكثر من ألف مليار دولار). في المقابل، تزايدت أعداد الفقراء العرب خلال الفترة ذاتها بما يزيد على مئة مليون عربي. ويمكن أن نتخيل حجم الفرص التي أهدرت بسبب هذا الفساد المتدحرج خلال هذه الحقبة، ناهيك عن التنمية التي ضاعت في تفاصيل الفساد الذي استوطن الجغرافيا العربية والتي تضم أفضل الثروات على وجه الأرض.
الصحافة في أوروغواي ومحيطها تتحدث -ولها الحق في ذلك- عن مقارنات بين المضمون الذي ذهب إليه الرئيس موخيكا، وبين السبب الذي جعل الثري العربي يسعى إلى شراء السيارة؛ وفي المقارنات ثمة ما يقال عنهم وعنا. ورغم أن تاريخنا القديم ينطوي على قصص للنزاهة والشفافية يصعب حصرها، إلا أن تاريخنا الحديث والمعاصر يشير إلى فضائح مالية وفساد ونهب منظم للمال العام، وإضفاء كل أشكال الترف على النخب؛ وليس مهما إن زاد عدد الفقراء وعلا صوت أنينهم.
كنت أتمنى أن يتعلم العرب من درس أوروغواي، لا أن يقتربوا منه بدعوى إنفاق أموالهم السهلة جدا والمتاحة على شراء سيارة الرئيس لغايات دعائية وشكلية!

الغد
تابعو الأردن 24 على google news