في عمق تشوهاتنا الاقتصادية والاجتماعية!
حسن الشوبكي
جو 24 : يبدو أن الجهود التي بذلت خلال السنوات والعقود الماضية من أجل تمكين المرأة، وحصولها على حقوقها في العمل والمشاركة الاقتصادية، قد فشلت في تحقيق تقدم حقيقي. وهو ما يؤكده ترتيب الأردن في أدنى قائمة تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بمؤشر مشاركة المرأة في القوى العاملة؛ إذ حلت المملكة في المرتبة 139 بين 142 دولة، العام الماضي.
وبالرغم من أن المرأة تشكل نصف الطاقة الإنتاجية في المجتمع، إلا أن 87 % من هذه الطاقة معطلة، فهي ليست ضمن قوى سوق العمل المحلية. وثمة دراسات حكومية تشير إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع الأردنيات خارج نطاقات الإنتاج الاقتصادي، ولا علاقة لهن بسوق العمل. وإذا ما علمنا أن الإناث يتقاسمن مع الذكور الشهادات الجامعية سنويا، فإن مغزى الدراسة بالنسبة للإناث ليس العمل، لأن نسبة المتعطلات عن العمل ممن حصلن على شهادة البكالوريوس، تبلغ 72 % من إجمالي أعداد المتعطلات عن العمل.
ليس هذا وحسب، بل إن الدراسات الحكومية وغير الحكومية تكشف عن أن أجور ورواتب الموظفين الذكور في القطاع الخاص تزيد عن أقرانهم الإناث بنسبة 35 %. وهنا يبرز التمييز ضد المرأة بأسوأ أشكاله.
كل الأرقام والمؤشرات السابقة تدلل على تشوهات مرعبة، تجعل سوق العمل هشة ضعيفة، بل وغير مقنعة على صعيد الإنتاج المؤسسي والفردي. ويمكن القول إن الناتج المحلي الاجمالي الذي بلغ 22 مليار دينار العام الماضي، كان ليتخطى هذا المستوى ببضعة مليارات إضافية لو تسنى للمرأة مشاركة حقيقية في قوة العمل.
لماذا تبدو جهود تمكين المرأة ضعيفة وغير مجدية؟ الإجابة في عجالة هي أن العادات والتقاليد العائلية تجعل المرأة مقيدة ضمن ما يريده الرجال، وما يرونه مناسبا لها. وأذكر أنني سمعت مئات المرات، في حوارات عامة، أن أحدهم لا يرغب لشقيقته أو زوجته إلا بوظيفة معلمة. والحالة هذه، فماذا نفعل بباقي المهن التي تتخصص فيها الإناث في الجامعات؟ وهل البديل هو العمالة الوافدة، كما حدث بالفعل في مجالات اقتصادية عديدة!
يقف خلف هذه العادات والتقاليد متشددون ذكور، يسهمون بقناعاتهم المتراكمة في توسيع رقعة التشوه الاقتصادي والاجتماعي. فمعدل الإعالة لدينا من الأعلى عالميا، ويتحمل الذكور هذا العبء في موازاة إهدار طاقات المرأة على الصعيد الاقتصادي. ويتكفل الذكور أيضا ببناء بيت الزوجية، وتكاليف الزواج كاملة، مما يعقد الأمور ويزيد من نسب العنوسة، كما ارتفاع عتبة الزواج إلى أعمار لم نكن نعهدها من قبل. ويكتفي بعضهم بالقول أنه يدرس ابنته من أجل أن تحظى بزوج يقول عنها إنها متعلمة! بمعنى أن الدراسة وتكاليفها للأناث، ليست إلا جسرا يعبرن منه –بنظر كثيرين– للارتباط وتأسيس بيت الزوجية، من دون أن يكون لهن دور مالي مباشر في كل ذلك.
برامج واستراتيجيات وندوات ومؤسسات، وحديث تتابعه وسائل الإعلام "باهتمام بالغ"، لكن من دون جدوى. إذ لدينا تشوهات اجتماعية واقتصادية تمس المرأة والمجتمع، ولم تتمكن كل الجهود الماضية من الاشتباك معها أو تفكيكها. والضحية في كل هذه الفوضى هما المرأة والرجل على حد سواء، وقبلهما الاقتصاد، بينما تبقى "عادات وتقاليد" تتصدر المشهد بوصفها "المنتصر الوحيد".
(الغد)
وبالرغم من أن المرأة تشكل نصف الطاقة الإنتاجية في المجتمع، إلا أن 87 % من هذه الطاقة معطلة، فهي ليست ضمن قوى سوق العمل المحلية. وثمة دراسات حكومية تشير إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع الأردنيات خارج نطاقات الإنتاج الاقتصادي، ولا علاقة لهن بسوق العمل. وإذا ما علمنا أن الإناث يتقاسمن مع الذكور الشهادات الجامعية سنويا، فإن مغزى الدراسة بالنسبة للإناث ليس العمل، لأن نسبة المتعطلات عن العمل ممن حصلن على شهادة البكالوريوس، تبلغ 72 % من إجمالي أعداد المتعطلات عن العمل.
ليس هذا وحسب، بل إن الدراسات الحكومية وغير الحكومية تكشف عن أن أجور ورواتب الموظفين الذكور في القطاع الخاص تزيد عن أقرانهم الإناث بنسبة 35 %. وهنا يبرز التمييز ضد المرأة بأسوأ أشكاله.
كل الأرقام والمؤشرات السابقة تدلل على تشوهات مرعبة، تجعل سوق العمل هشة ضعيفة، بل وغير مقنعة على صعيد الإنتاج المؤسسي والفردي. ويمكن القول إن الناتج المحلي الاجمالي الذي بلغ 22 مليار دينار العام الماضي، كان ليتخطى هذا المستوى ببضعة مليارات إضافية لو تسنى للمرأة مشاركة حقيقية في قوة العمل.
لماذا تبدو جهود تمكين المرأة ضعيفة وغير مجدية؟ الإجابة في عجالة هي أن العادات والتقاليد العائلية تجعل المرأة مقيدة ضمن ما يريده الرجال، وما يرونه مناسبا لها. وأذكر أنني سمعت مئات المرات، في حوارات عامة، أن أحدهم لا يرغب لشقيقته أو زوجته إلا بوظيفة معلمة. والحالة هذه، فماذا نفعل بباقي المهن التي تتخصص فيها الإناث في الجامعات؟ وهل البديل هو العمالة الوافدة، كما حدث بالفعل في مجالات اقتصادية عديدة!
يقف خلف هذه العادات والتقاليد متشددون ذكور، يسهمون بقناعاتهم المتراكمة في توسيع رقعة التشوه الاقتصادي والاجتماعي. فمعدل الإعالة لدينا من الأعلى عالميا، ويتحمل الذكور هذا العبء في موازاة إهدار طاقات المرأة على الصعيد الاقتصادي. ويتكفل الذكور أيضا ببناء بيت الزوجية، وتكاليف الزواج كاملة، مما يعقد الأمور ويزيد من نسب العنوسة، كما ارتفاع عتبة الزواج إلى أعمار لم نكن نعهدها من قبل. ويكتفي بعضهم بالقول أنه يدرس ابنته من أجل أن تحظى بزوج يقول عنها إنها متعلمة! بمعنى أن الدراسة وتكاليفها للأناث، ليست إلا جسرا يعبرن منه –بنظر كثيرين– للارتباط وتأسيس بيت الزوجية، من دون أن يكون لهن دور مالي مباشر في كل ذلك.
برامج واستراتيجيات وندوات ومؤسسات، وحديث تتابعه وسائل الإعلام "باهتمام بالغ"، لكن من دون جدوى. إذ لدينا تشوهات اجتماعية واقتصادية تمس المرأة والمجتمع، ولم تتمكن كل الجهود الماضية من الاشتباك معها أو تفكيكها. والضحية في كل هذه الفوضى هما المرأة والرجل على حد سواء، وقبلهما الاقتصاد، بينما تبقى "عادات وتقاليد" تتصدر المشهد بوصفها "المنتصر الوحيد".
(الغد)