jo24_banner
jo24_banner

من جنازة داعش في باريس إلى قرار اعدامها في عمان.. القضية إعلامية

جهاد المومني
جو 24 :

اعلام الدولة يعني اعلام الارض والانسان ومؤسسات الحكم ,لكن هذا المفهوم في الاردن - وفي هذا الزمن بالذات – يعني شيئا آخر, ان تكون ذراعا للرئيس يضرب بك ,او خائفا منه أن يضربك ,حتى ان الاعلام يسعى لتمييز الرؤساء ودعمهم بوقار خاص , بينما تعامل انشطة الملك على انها واجب وظيفي لازمة التغطية وليس بالضرورة انها واجبة التحليل والفهم بعمق بحيث تعطى ما تستحق من اهتمام المحللين وجهودهم , وعليه فأن اعلام الرؤساء يكد مجبرا في حماية الحكومات من الناس ومن الملك على السواء ويذهب بعيدا في التبرير بل ويصحح الاخطاء والخطايا ويتستر طوال الوقت ,والسبب بسيط ولا يحتاج الى حنكة لمعرفته ,فالرؤساء هم اصحاب الصلاحية في قطع الارزاق تحديدا,وهذا يعني انهم اصحاب القرار فيما يقال وينشر ويبث ,ومن يقرر أن يمارس اعلام الدولة الحقيقي يدفع الثمن ,وكم من الزملاء وقعوا ضحية وفائهم لمهنتهم وخدمتهم للدولة لا الرؤساء .

يبقى الملك مكشوفا بلا حماية اعلامية, وهي الأهم في زمن المنازلات النظرية والجدل والمخاطبة بالحجج والبراهين والحوار ,وزمن انتصارات المواقف لا الجيوش ,وزمن التدافع الدولي على مكسب يتحقق من عبارة تقال في المكان والزمان المناسبين .

نذهب الى باريس لمشاركة العالم حدثا عالميا مهما ونقدم بلدنا حضاريا ومعتدلا وعضوا في الاسرة الدولية,نستغل الظرف والحادثة ونذهب لنقول للعالم ان داعش ليست الاسلام ,نحن لسنا داعش , فيأتي الاعلام ليحلل الموقف بما يشبه اعتذارا للاردنيين لأننا كنا مع العالم لا خلفه,هذا العالم الذي اما ان يحترمنا او يتهمنا ولا خيار غير هذين الخيارين ,وكل ما في الامر اننا اخترنا احترام العالم على اتهامه,اليس هذا سببا كافيا لنشارك في مسيرة باريس ..!

لم يحظ الحدث بتغطية اعلامية عميقة ,وانما بغطاء شفاف وتلميحات الى ان ما حدث كان خطأ فالمعذرة يا شعبنا الطيب..!

هناك فرق بين غطاء وتغطية ,فما فعله الاعلام بكامل اطيافه والوانه انه اعلن براءة الحكومات وتميز الرئيس والثلة التي التزمت الصمت ممن يمسكون بالعصا من المنتصف حتى عندما يتعلق الامر بمصير الدولة ,كل هؤلاء وضعوا في نفس الخانة مع المناضلين المحتجين بالرسائل والتصريحات ,فالرئيس بدا ثوريا مثله مثل ليث الشبيلات ومثل هند الفايز ومثل المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاخيرة ,بينما الحكومات تنأي بنفسها وتختبئ حتى لا تتهم بأنها مشت في جنازة داعش في باريس ,ولكن على من تلقي باللائمة يا ترى ..!

احيانا ينتابني احساس ان رؤساء الحكومات في الاردن ينتقمون بمكر ودهاء لما تسمى ولايتهم الدستورية المسلوبة ,فيتعمدون الاختباء عن بعض المواقف ذات الخيارات الصعبة كي يتقدم الملك فيتبرأوا هم من الحدث وتداعياته, فالملك هو الاقدر على تصويب الاخطاء ورفع المعنويات وتنقية المزاج العام معتمدا على محبة الناس ,بعدئذ يتقدم الرؤساء بما يضعهم امام الجمهور بكامل قيافتهم وهيبتهم واحيانا شجاعتهم ,هذه الفرضية لا استبعدها ابدا فيما الاعلام (كل الاعلام بدون استثناء ) يعمل لصالح الحكومات بما في ذلك المسمى اعلام المعارضة او الاعتراض ,واضيف اليه اليوم اعلام العامة او ما يعرف بالاعلام الاجتماعي ,وهذا الأخير يرتكب بدل الاخطاء خطايا ,اما النتيجة فواحدة ,التلميح الى اخطاء الحكومات مع الحرص على تحميل المسؤولية لمن هو أكبر من الحكومات ,فمن يكون يا ترى ؟

الذي يعمل يخطئ,ومن يعمل كثيرا يخطئ كثيرا ,والخطأ يبدأ في الفكرة ,ولا يصبح الخطأ خطأ ما بقيت الفكرة مجرد فكرة ,ومن الطبيعي ان يسبق التفكير الفعل, فاذا حدث العكس ووقع الفعل قبل التفكير كان التهور ,والتهور ليس من السياسة ولا من ادارة الدولة ,لكن هذا لا يعني الا نجازف وان لا نذهب الى خيارات صعبة احيانا وغير شعبية وغير مفهومة للعامة من الناس في احايين أخرى ,وفي هذه الحالة لا تكون الشفافية او ما تعرف بالمكاشفة مطلبا قابلا للتنفيذ ,ولا هي حق لمن علا صوته وامتلك فضائية او جريدة الكترونية او خرج في تظاهرة ,والحال الاردني منذ سنوات يراوح هذا الواقع المتبلد المعقد الذي يبدي نفاقا فجا من كل الاطراف ,يريد الناس كل شيء ونحن نعطيهم ما يريدون حتى لو لم يقدموا شيئا بالمقابل كالتفهم وذلك اضعف الايمان , وعندما لا يكون هذا الشئ من حقهم , نتذرع لهم باسباب واهنة ونستجدي تفهمهم ولا نرفض طلباتهم صراحة ,نطالبهم بمنحنا المزيد من الفرص ونخطب ودهم وصبرهم وحلمهم وعدالتهم لكننا لا نطالبهم بالمواطنة التي هي فعل قبل ان تكون مواصفة بروتوكولية كما وردت في الدساتير ,ترتفع اسعار النفط في كل العالم لكن حكومات الاردن لا تجرؤ على مواجهة الواقع كما هو في اي بلد يعيش على المعونات والقروض الميسرة , فتعتذر للاردنيين او تتوددهم لأن اسعار المحروقات سترتفع ويطلب الرئيس فرقة التدخل من الكتاب ليشرح لهم قساوة الظرف وضرورة المساعدة على تسكيت الناس ,بكل بساطة نكذب على المواطنين ونخدعهم بشفافية ليست في محلها ,انه نفس النفاق الذي يتبعه البعض للوصول الى المناصب ,ولكن هذه المرة تمارسه الحكومات لتحصيل ولو قدرا ضئيلا من تفهم الناس ,والسبب وراء هذه الخديعة احباط الضغط الشعبي ضد الحكومات الذي غالبا ما يكون السبب في تغييرها ,اما الثمن فبقاء الحال على ما هو عليه, الكثير من الكلام والقليل من الفعل, ومواطن رضيع لا تريده الحكومات أن يكبر ,وكلما تململ القمته ثديها .!

منذ أكثر من سنة والاردن يشارك العالم الحرب على داعش والى ما قبل اعدام الشهيد معاذ والحكومة الاردنية تتجاهل الاجابة عن اسئلة الناس وتتملص من الاعتراف بحربنا على التنظيم ,السبب اولا ,ان الحكومات الاردنية تقع دائما خارج معادلة الشأن السيادي والقرارات السياسية , وثانيا ,اننا لم نكن واثقين من خطوتنا ,مترددين في مصارحة الناس ,لأن الكثيرين آمنوا بداعش الذي يهدد الارض والانسان والانجازات ,ومع ذلك لم يجرؤ الاعلام ( كل الاعلام ) على فتح الملف بجميع اوراقه ويستبق انتشار الوباء ,وهنا تبرز نظرية إعلامية جدلية: هل الاعلام يقود الرأي العام ام ان الرأي العام هو الذي يقود الاعلام ,فإلى ما قبل اعدام الكساسبه لم تكن داعش ارهابية ولا مجرمة ولا عدوا للدين والانسان ,انتظر الاعلام تصريحات المسؤولين كي يبدأ حربه اللفظية على داعش ويقرر ما اذا كان داعش همجيا ومجرما ام لا ,وقد كان عليه ان يبادر وان يسبق المسؤولين في الوصول الى عقول الناس وضمائرهم ,كان على الاعلام ان يكون مبادرا قبل استئذان من يعنيهم الامر كي يجعل من انتصار الموقف الاردني - بعد عملية الاعدام البغيظة- حدثا مدويا هائلا يسمعه كل العالم ويقع قويا على قلوب وعقول الاردنيين فيوصلهم الى اليقين بصحة الموقف الاردني المشرف من داعش واخواتها الارهابيات,كنا بحاجة الى وقفة اعلامية ذكية منذ ان اعلن الملك ان الحرب على الارهاب اسلامية داخلية لا غربية ,وان من يجب ان عليه تنظيف بيته من التكفير والتطرف والارهاب هو نحن.

لم تأخذ تصريحات الملك حقها من الممارسة الاعلامية ,وتعني أمرا فوريا بالتحول الى شيفرة جديدة تحاكي المهمة الموكولة الى الاعلام في قيادة رأي عام عليه ان يتحرك لخوض حربه ضد التطرف بطرق زادوات مبتكرة لا ان يكتفي بما هو تقليدي وعادي ,هذا لم يحدث, فقد اكتفى الاعلام بدعوة نفس الاشخاص للحديث عن عبقرية القائل دون القول نفسه ,اي ان الاعلام لم يترجم القول الى نظريات واداء يُكتَب ويُسمَع ويُرىَ ,وانما راح يجترح ذات الوصفة الاعلامية المعتادة التي تبدأ ب (ما رأيك؟) وتنتهي ب (شكرا لك ).!

اليوم ثبتت رواية الدولة التي كانت الى ما قبل الجريمة النكراء احد الاسرار التي حافظ عليها الاعلام أكثر من الاجهزة الامنية ,ولكن كيف وصل الصدى الى الاردنيين ,هل كان له وقع الحقيقة المدوية والبرهان الساطع لدرء كل شك ؟

مجرد صدى ,فالانتصار الكبير حصده الوطن نتيجة لإعدام معاذ الكساسبه بهذه الوحشية ,ولم يأتي نتيجة لحنكة الاعلام في توضيح الموقف الاردني الصحيح والسليم والمدروس ,هذا ما اوصلنا اليه الاعلام الخائف من بطش الرؤساء ..!

تابعو الأردن 24 على google news