jo24_banner
jo24_banner

ملامح المؤامرة وفرص النجاة

جهاد المومني
جو 24 :
لماذا كان على الاردن ان يبرم اتفاقا غير معلن مع روسيا حول سيطرة الجيش السوري النظامي على المعابر البرية بين البلدين ،ولماذا لم يسمح الاردن بدخول النازحين عن بلدات وقرى الجنوب السوري الى اراضيه ،ولماذا يعلن الاردن لأول مرة عن انه معني بأن يكون شريكه في الجهة المقابلة للحدود جيش النظام السوري وليس الجيش السوري الحر او غيره من الفصائل المسلحة ؟

يقول البعض ان الموقف الاردني الرسمي يشهد انقلابا فيما يخص الموقف من الازمة السورية وعلاقاته مع اطرافها ،واذا اخذنا بعين الاعتبار ما حدث الاسبوع الماضي على الجبهة السورية الجنوبية فان السؤال عن حقيقة الموقف الاردني يصبح منطقيا ومشروعا ،فهل ما زال الموقف الاردني على حاله ام انه يشهد تغيرا جوهريا يتمثل في الاقتراب من دمشق على حساب علاقاته مع خصومها ؟

في السياسة لا تكون الصورة بالاسود والابيض فقط ، فليس الاردن ملزما بافلات الخيط ليمسك بالآخر ما دام بامكانه الامساك بالخيطين معا ،فمن موسكو تسريبات تشير الى ان الموقف الاردني لم يعد كما كان في السابق من الازمة السورية ،وقد تبلور ليكون اكثر وضوحا بعد زيارة وزير الخارجية الاردني ايمن الصفدي الى العاصمة الروسية ولقائه المستعجل مع الوزير لافروف ،ومما لا شك فيه ان العلاقات الروسية الاردنية ما كانت لتحسم هذا التغير لصالح سيطرة النظام السوري على المعابر الحدودية لولا ان الاردن يتململ للخروج من بعض القيود في علاقاته ويتجه نحو المزيد من الانفتاح غربا وشرقا وشمالا وجنوبا ،وليس بالضرورة ان تقوم علاقاته الجديدة على حساب أخرى ،والمصالح دائما تقرر شكل وحجم وطبيعة هذه العلاقات ،ففي يوم من الايام خرج الاردن كليا من تحالفين رئيسيين بالنسبة له عندما طغى الموقف الشعبي على السياسة ازاء حرب الخليج الاولى 1991 ،واجهنا دول الخليج من جهة وخرجنا من حماية الولايات المتحدة وتحالفنا معها من جهة ثانية ،لكن الاردن مع ذلك لم يكن مكشوف الظهر تماما فالتحالف البديل تشكل فورا بين السلطة والشعب ليواجه حالة فريدة من الحصار بل وتهديد الوجود لم يعرف الاردن الحديث مثلها في السابق، وقد انتهت الضائقة بتوقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل عام 1994 .

اليوم لا تبدو التحديات شبيهة بما كانت عليه في السابق ،فبينما المواقف السياسية شعبية وصائبة الى حد كبير خاصة ما تعلق منها بالموقف من القدس والقضية الفلسطينية وسوريا والعراق والحرب على الارهاب، الا ان تحويل هذه المواقف الى رصيد من الشعبية يشفع للحكومات لا تبدو مهمة سهلة او ممكنة بسبب غياب المكاشفة وعدم التحدث الى الناس ثم ضعف الروافع الاعلامية الداخلية المعنية باضاءة المشهد للاردنيين ووضعهم امام الحقائق لا خلفها كي يتسنى توجيه المشاعر داخليا نحو حشد جديد يشكل خط الدفاع الاول عن الكيان الوطني المهدد في بقائه لاول مرة منذ الاستقلال .

واليوم ايضا يواجه الاردن اخطارا شبيهة باخطار تنذر بمتغيرات مهولة ما لم يتعامل معها الاردن بقدر كبير من الشجاعة وربما بالكثير من الجراة والمجازفة ،ففي السابق اشتغلت ورش عمل علنية وسرية لتنفيذ مؤامرة (الوطن البديل) لحل القضية الفلسطينية في الاردن ،ودائما جوبه المخطط بعناد شعبي ومقاومة عفوية اجبرت المخططين على التراجع عنه حتى لو بدا الموقف الرسمي مائعا ومطواعا او هشا يكتفي برفض المؤامرة دون العمل لمواجهتها ،اليوم ليس كالأمس ،لا من حيث حجم المؤامرة ولا من حيث القدرة على مواجهتها ،فمن حيث الحجم باتت قضية (الوطن البديل) امرا واقعا وليس مجرد اوهام سياسية تحشد لها السلطة كلما احتاجت دفعة من الشعبية لحساب مشروع او مخطط آخر فالحديث اليوم في الغرف المغلقة عن مؤامرة (النظام البديل ) في سياق عدة سيناريوهات جميعها مقلقة ،اما من حيث المواجهة فتراجعت الى ما دون الرغبة في المقاومة والتصدي ،ذلك ان المزاج الاردني الشعبي لم يعد وطنيا كما كان في السابق بل تشرذم الى عدة ولاءات او انه اصبح باهتا وغير مكترث وفي بعض الحالات مناكفا ،والاخطر من هذا كله ان المؤامرة على النظام فاجأت الاردنيين قبل أنه يدركوا حجم المخطط وابعاده واهدافه ،وكل ما يعرفونه ببساطة ان بعض العرب هذه المرة انضموا الى جوقة المطبلين لمشروعين (الوطن البديل والنظام البديل) او ايهما اسهل ..!

في العام 1991 كان الاردني فدائيا في وطنيته ومتعلقا بأمته ومتابعا نهما لكل ما يجري من حوله من مؤامرات اقليمية ودولية ،فقد عرف بالضبط ماذا يحدث في العراق وفي منطقة الخليج العربي وما هي اهداف الحملة الغربية على المنطقة ،او انه كان يعرف بالحد الأدنى ان الحملة هدفت الى تدمير العراق كقوة عسكرية ثم رهن نفط العرب للغرب لمئة عام قادمة ،ثم اجبار عرب المواجهه على اتفاقيات سلام مع اسرائيل ،وقد تحققت الاهداف الثلاثة كاملة ، لكن ما الذي يعرفه الاردني الان عن المخطط الجديد الذي بدأ يلوح في الافق على شكل ضغوطات ومؤامرات صغيرة وتسريبات اعلامية وغيرها من المقدمات التي تسبق العاصفة عادة ؟

يعرف الاردني القليل بكل تأكيد ،لكنه مع ذلك يستعد لمعركة قادمة لا يعرف تفاصيلها ولا دوره فيها ،فمثلا هل عليه ان يجوع كي يتحقق النصر ام ان عليه ان يتوقف عن التذمر والشكوى ويؤجل الحديث عن الفساد وان يقبل بالامر الواقع كي ينجو ،ان هذه الحيرة تجعله غير مؤهل للانتصار في معركته وحسم نتيجتها لصالحه كما حدث بعد حصار 1991 ،خاصة وانه ما زال يعتقد ان المؤامرة التي يواجهها كمواطن مسؤول عن عائلته تتلخص في انه يتعرض للتجويع من قبل الحكومة الاردنية وليس من قوى خارجية كي يقبل بالمؤامرة مدفوعة الثمن ،اي انه في الواقع يرى السلطة خصما لا شريكا له في معركته ،ولذلك فالفرق كبير بين ما حدث عام 1991 والموقف الشعبي اليوم ،فمنذ ذلك الوقت ضعف التحالف بين السلطة والشعب تدريجيا ثم تلاشى وتحول الى مرحلة تناقض المصالح والمعتنقات السياسية الأمر الذي سينعكس حتما على قدرتنا على مواجهة اية مؤامرات محتملة ومتوقعة .
 
تابعو الأردن 24 على google news