jo24_banner
jo24_banner

الاعلام العربي من داخل الحدود وخارجها

جهاد المومني
جو 24 : ينقسم العرب اليوم ما بين اعلامين لا ثالث لهما، واحد سعودي وتمثله عائلة قناة (العربية)، وآخر قطري وتمثله عائلة قناة (الجزيرة).

تتفق (العائلتان) على ان ما جرى في اليمن انقلابا قام به الحوثيون على السلطة الشرعية برئاسة منصور هادي وحكومته، لكنهما لا تتفقان على ما جرى في مصر، فبالنسبة لقناة ( الجزيرة) فان ما حدث في مصر يعتبر انقلابا عسكريا قام به السيسي على الرئاسة الشرعية بزعامة الرئيس المخلوع محمد مرسي، لكن العربية لا ترى الأمر من هذه الزاوية، فما حدث تصويب لخطأ كبير جاء بناء على رغبة الشعب المصري، الاختلاف في الموقف يبرز فيما يخص الازمة الليبية فالطرفان (الجزيرة والعربية) لا يتفقان على مناصرة جهة واحدة بل لكل منهما شرعية يؤديها وعصابات مسلحة تنتهك القوانين وتعتدي على هذه الشرعية.

الخلاف الحقيقي يبدأ عندما تدعم كل منهما انقلاب الأخرى، ف(الجزيرة) كانت ولا زالت ألد الاعداء الاعلاميين للرئيس السيسي وحكومته بدون تحفظ، وتنشغل معظم الوقت بإبراز خطايا الانقلاب وما تعتبرها جرائم يرتكبها بحق الشرعية وانصارها، اما (العربية) فما زالت مستمرة في تأييد النظام المصري الجديد بشدة وبدون تحفظ ايضا.

في هذه الحالة يقع الخلاف السياسي بين المؤسستين الكبريين، ويزداد اتساعا في قضايا أخرى مثل الموقف الحقيقي من (داعش)، ف (الجزيرة) مثلا لا تشير الى ان داعش تنظيم ارهابي في حكم مطلق بل نلاحظ ان اعلام (داعش) يمثل مصدرا لبعض أخبار الجزيرة، كما يجد انصار التنظيم متسعا لهم على قنوات الجزيرة المختلفة وتطلق (الجزيرة) على داعش مسمى (تنظيم الدولة) دون اي اشارة الى الارهاب، على عكس (العربية) التي تلصق صفة الارهاب عند كل ذكر للتنظيم ولا تنقل اخبارا مصدرها التنظيم لكنها تستشهد بالصور وافلام الفيديو.

يمكن لوسائل الاعلام المستقلة ان تختلف في الموقف السياسي وكذلك في الحكم على ما يجري من احداث، لكن وسائل الاعلام التابعة لدول او شركات او جهات داعمة وممولة لا تملك مثل هذا الخيار، والصحيح انها تتلقى توجيهات سياسية من الجهات المالكة والممولة وتعمل وفق خطة اعلامية مدروسة وترتبط بموقف الدول او الانظمة السياسية التابعة لها، ولو اتفقت (الجزيرة ) و (العربية) على الموقف من جميع القضايا والازمات العربية لخسرت احداهما التميز، وفي هذه الحالة ترى الادارة السياسية في (الجزيرة) ان من المهم الاختلاف مع كل العالم لو اقتضى الامر حتى لا تخسر تميزها الذي تبحث عنه منذ نشأتها والذي يعتبر اضافة نوعية الى دور قطر الدولة التي تمول وتوجه قناة الجزيرة، هذا يعني ان كل من السعودية وقطر على طرفي نقيض من اخطر واهم قضايا تخيم على العالم العربي في هذا الوقت من التاريخ، ولا يبدو انهما تتفقان فعليا وعلنيا الا على قضية واحدة هي اسقاط النظام السوري مع تحفظ كل طرف منهما على هوية البديل المحتمل والمقبول، وهنا ايضا يبرز خلاف في الرأي وليس فقط مجرد اختلاف عادي، ف (الجزيرة) تميل الى تأييد ومناصرة الجهات والتنظيمات والجماعات الاسلامية التي تقاتل نظام الأسد، بينما العكس نجده في (العربية) التي تركز جل اهتمامها على انتصارات الجيش الحر وما تعرف بالمعارضة المعتدلة، ولكن ثمة بارقة اتفاق بين الطرفين تتمثل في الحرص المشترك على ابراز جرائم النظام.

استقلال الاعلام مهم لأنه لا يظهر موقفا سياسيا بل يترك للمتلقي كامل الحق في ان يبني موقفه بنفسه شريطة نقل الحقائق اليه بمنتهى الحيادية، لكن هذا لم يعد موجودا في اي وسيلة اعلام تغطي احداث منطقتنا، فمثلا يفترض البعض الحياد في القنوات الفضائية غير العربية العابرة للحدود ومنها قناة (روسيا اليوم)، لكن هذا لا يحدث فالقناة التي تعكس موقف روسيا السياسي من احداث المنطقة يغلب عليها الطابع التكتيكي في تأييدها للنظام السوري، فمثلا تتحدث بلغة محايدة ولكن المضمون يقود الى ان النظام السوري يخوض حربا ضد الارهاب وان المعارضة الخارجية لا تعكس ما هو موجود داخل سوريا، وفي خضم هذه الحرب المعقدة يرتكب هذا النظام اخطاء كبيرة لكن العقوبة لا تصل الى درجة العمل على اسقاطه، فإسقاط اي نظام من حق مواطني الدولة وليس من واجبات الدول الاخرى.

هذا هو باختصار المضمون الذي تركز عليه قناة (روسيا اليوم) في تأييدها للنظام السوري، اما موقفها من (داعش) فبنفس غموض الموقف الأميركي ولكن في الجهة المقابلة تماما، ترى روسيا اعلاميا ان داعش صنيعة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة إن لم يكن باجتهاد مباشر فبأخطاء فظيعة ارتكبتها الادارات الاميركية الثلاث الاخيرة (بوش الاب وبوش الابن واوباما) في العراق وفي سوريا هذه الايام، اما الموقف الاميركي كما تعكسه قناة (الحرة) الاميركية وبقية القنوات الاميركية التلفزيونية والاذاعية، فينحي باللائمة على التطرف والجهات التي تغذيه وتعتبره جذر المشكلة التي تواجهها المنطقة اليوم، ويقود التطرف في هذه الحالة الى صحة الموقف الاميركي في محاربة الارهاب واهمية وجود تحالف دولي للقضاء عليه، وفي بعض الاحيان تذهب قناة (الحرة) الى ترويج الاعتقاد ان النظام السوري هو المسؤول عن انتاج (داعش)، وما يثير الدهشة الى الان ان الولايات المتحدة المناهضة للتطرف تلتقي جزئيا عند موقف (الجزيرة) مما جرى في مصر وتعتبر ما حدث انقلابا على الشرعية بزعامة مرسي، ويتجلى غموض الموقف الاميركي عندما لا تعكس (الحرة) والاعلام الاميركي التابع للخارجية الاميركية الموقف الحقيقي الذي يؤكد دعم واشنطن للرئيس السيسي وما يقوم به من أجل استقرار مصر وخروجها من مأزقها، فيبدو الموقف وكأن الاعلام الرسمي الاميركي يمسك بالعصا من المنتصف (مع السيسي وضد الانقلاب، مع مرسي وضد التطرف) وهو بذلك يعكس الموقف الحقيقي الاميركي!

لا تبث (العربية) باللغة الانجليزية وليس لها قنوات بأية لغات أخرى غير العربية، على عكس (الجزيرة) التي اطلقت قناة باللغة الانجليزية وانتظرت طويلا موافقة الاميركيين على اطلاقها فضائيا وايصالها الى بلادهم، والقناة الانجليزية ليست نسخة طبق الأصل عن الجزيرة العربية، فالاختلاف عميق وواضح، فبينما الجزيرة العربية تهاجم اسرائيل بشراسة فان الجزيرة الانجليزية لا تتحمس لمثل هذا الأمر وتلتزم في تغطيتها لأحداث فلسطين ب (الموضوعية) حالها حال قنوات (سكاي نيوز) و(سي ان ان) و(فرانس 24) وغيرها من القنوات الغربية، والسبب في ذلك معروف وهو ان (الجزيرة) قدمت تعهدات معينة للجهات الأميركية قبل السماح لها بالانطلاق الى الفضاء العالمي، فقد تعرض المشروع منذ بدايته لضغوطات أميركية واسرائيلية كبيرة، فالمحظورات بالنسبة لإسرائيل واصدقائها واحدة في جميع وسائل الاعلام وخاصة تلك التي تبث باللغات الاجنبية، اذ ليس من المسموح تشويه صورة اسرائيل بالقدر المؤثر امام العالم والا اتهمت اي وسيلة اعلام تنتهك المحظورات باللاسامية، على عكس الجزيرة العربية التي ترفع سقف تهجمها على اسرائيل الى مستويات لافتة بل ومبالغ فيها خاصة خلال الحرب على غزة، لكن هذه التغطية الاعلامية الشاملة لجرائم اسرائيل في غزة لم تظهر الا بالحد الادنى في الجزيرة الانجليزية التي يفترض انها تنقل رسالة العرب الى المتلقي الغربي، فالتغطيات باللغة الانجليزية تشابهت بين (الجزيرة) ورفيقاتها الغربيات، وهذا الامر لا يضايق اسرائيل التي حضرت بروايتها على شاشة (الجزيرة) باللغة العربية من خلال الناطق الرسمي للجيش الاسرائيلي في كل تغطية وفي مواجهة الآراء الاخرى، اي ان الموضوعية طبقت تماما فيما يتعلق بحق الرد، اما على صعيد مخاطبة عواطف الجمهور العربي، فاللعبة الاعلامية تجاوزت حدود انتقاد اسرائيل الى شتمها والسخرية من جيشها ومن قادتها، ومرة أخرى فان هذا الامر لا يزعج اسرائيل التي تمارس نفس اللعبة في اعلامها الناطق بالعربية، فهناك تجد انتقادات حادة وسخرية من القادة السياسيين والعسكريين على السواء.

الامر لم يكن كذلك بالنسبة لقناة (روسيا اليوم RT) باللغة الانجليزية التي نقلت تغطيات مؤثرة عن عدوان اسرائيل على غزة، وهي بذلك تعكس الموقف الروسي من تحالفات اسرائيل وليس من اسرائيل نفسها، والمقصود هنا تحالف تل ابيب مع واشنطن، فقد لجأت القناة الى التركيز على ابراز المواقف الاميركية المؤيدة لإسرائيل في وقت كانت فيه اسرائيل تقتل الاطفال والنساء بصواريخ محرمة دوليا، الهدف في كل الاحوال لم يكن تأييد الفلسطينيين وتجريم اسرائيل وانما ابراز تأييد واشنطن الاعمى لإسرائيل في حربها المدمرة.

المواقف السياسية للدول الممولة للقنوات الفضائية التي تبث الى عاملنا العربي تنعكس في نشرات الاخبار وفي الوثائقيات وفي البرامج الحوارية، بل وحتى في الاخبار الطريفة التي تنتقى بعناية، فإضافة الى القنوات العربية المتناقضة فيما بينها يبث الغرب والشرق الى العالم العربي عشرات القنوات الفضائية التلفزيونية والاذاعية، واصبحت هذه القنوات تنتج برامجها وتبثها من اراض عربية وعبر اجهزة بث واقمار صناعية عربية، والى اليوم هناك العديد من القنوات التلفزيونية التي تبث باللغة العربية وتعكس توجهات الدول الممولة لها ومن ابرزها (الحرة) الاميركية، (فرانس 24) الفرنسية، (التركية) (الصينية) الروسية (روسيا اليوم)، قناة (سكاي نيوز) باللغة العربية، والايرانية (العالم) و(DW) الالمانية، اضافة الى عدة قنوات تلفزيونية تدعمها ايران كقناة (الميادين) وغيرها.

كل هذه القنوات اضافة الى قنوات أخرى تلفزيونية تبث جزئيا باللغة العربية لا تقابلها قنوات عربية تبث باللغات الاجنبية، فمثلا اطلقت شبكةmbc قناة تبث افلاما أميركية للتسلية مترجمة الى اللغة الفارسية، غايتها تسلية الايرانيين وفرض نمط الحياة الاميركي الممنوع في ايران بتعويض غياب السينما الاميركية عن شاشات محطات التلفزة الايرانية العديدة، كما اطلقت نفس الشركة (mbc) قناة للأفلام الهندية ولكن لهدف آخر هذه المرة هو تسلية العرب والهنود المقيمين في دول الخليج، والى الان لم تفلح المليارات العربية التي تمول الحروب وتشتري الاسلحة في تمويل قناة عربية واحدة تبث ما يفيد القضايا العربية ولو في اطار الدفاع عن الانسان العربي وتراثه وقيم المجتمعات العربية وتوضيح صورة الاسلام والحرب على الارهاب، فلا قناة تبث باللغة الفارسية ولا باللغة التركية، وطبعا ليس هناك غير قناة (الجزيرة) باللغة الانجليزية.

بعض المحطات العربية الرسمية التابعة للحكومات تبث نشرات اخبار وبرامج باللغة الانجليزية لكنها نشرات منقولة لا تحمل بعدا تحريضيا ولا تؤدي غرضا سياسيا، على عكس نشرات الاخبار باللغة العربية وجميعها دعائية مضمونها الوحيد الترويج للرواية الرسمية، وفي هذا الاطار نستذكر نشرة اخبار سخيفة كان يبثها التلفزيون الاردني فيما مضى باللغة العبرية ليس لهدف سياسي او تحريضي على الاطلاق، حتى انها لم تكن تسئ للاحتلال الاسرائيلي، بل على العكس تماما فالمضمون الخبري انتقي بحيث يكون شكليا تناول الخبر الرسمي الاردني والرياضة كما الفن وحالة الطقس.

في هذا الوقت بالذات تحتاج القضايا العربية وازمات المنطقة الى ناقل عربي الى شعوب العالم بلغاته، وخاصة الشعوب المجاورة التي اصبحت جزءا من قضايا وازمات وحروب المنطقة، ولا يتصور العقل ان يعتمد المواطن العربي على وسائل اعلام اجنبية في فهم حقيقة ما يجري في بلاده وعالمه، ويستغرب المراقبون والخبراء كيف ان المليارات العربية تعجز عن اطلاق قناة تلفزيونية تخاطب الانسان الغربي بمعزل عن صانع القرار في البلاد الغربية خاصة وان هذا القرار يرتبط كليا بأعداء العرب وعلى رأسهم المشروع الصهيوني المتهم دائما والطليق بلا مواجهة على اي صعيد كان، يحتاج العرب الى ناقل ليس بالضرورة ان يكون مثاليا في حياده وانحيازه للحقيقة، اذ يمكن التوصل الى فكرة تأسيس لجنة خبراء تدير مثل هذا المشروع تحرص على توفير قواسم مشتركة يتفق عليها العرب، ناقل يعمل ليل نهار على تغيير الرأي العام العالمي لصالح الوجود العربي وليس فقط لصالح ثقافته وقيمه المجتمعية ودينه ..!
تابعو الأردن 24 على google news