ازدواجية الجنسية الطعم الذي استخدم مرتين ..!
جهاد المومني
جو 24 :
لا شك ان لكل تشريع اسبابه الموجبه ولا يقبل التشريع ما لم يتضمن الاسباب الموجبه له ،وعند الحديث عن التعديلات الدستورية فمثلها مثل القوانين لها اسبابها وموجباتها، والدستور ليس كتابا مقدسا غير قابل للتعديل والتحديث ،بل ان الدول الحيوية هي الدول التي لا تترك دساتيرها مهملة بدون مراجعة دائمة خاصة منها الديمقراطيات الواعدة التي تغادر للتو مربع مركزية القرار الى عالم من المشاركة والتنوع السياسي ،والاردن مثال حاضر على هذه الدول التي لم تكن في يوم من الايام ديكتاتورية مستبدة متسلطة ولكنها لم تكن ديمقراطية ايضا ،وفي هذا الاطار - ومثلما جرت قبل هذه المرة مرات - جاءت التعديلات الدستورية الأخيرة لتأخذ صفة الاستعجال كسبا للوقت في تعبير صريح عن استمرارية نهم الاصلاح في براعم الدولة الاردنية ومؤسساتها .
في هذه العجالة ساتناول التعديل الخاص بازدواجية الجنسية كمثال على حيوية الدولة الاردنية واصرارها على تعديل مساراتها وتحديث تشريعاتها ومن بينها الدستور الذي اخضع لسلسلة طويلة من التعديلات جميعها اخذت المنحى الايجابي الاصلاحي بشهادة المجتمع الدولي الذي لم يملك غير الاشادة بالتعديلات الدستورية جميعها ،وكان من الطبيعي ان يحثنا على المزيد من هذه التعديلات الاصلاحية ،لكن أهل مكة ادرى بشعابها والاردنيون ادرى بمقدار ما يحتاجون من تعديلات على دستورهم دون ان يعني ذلك الاكتفاء بما تحقق على هذا الصعيد ،ولنتذكر ان جلالة الملك قال مرات ان الدستور بين ايدينا ولن نتردد في اجراء المزيد من التعديلات عندما يقتضي الامر ذلك ولكن في سياق عملية اصلاح تدريجية شاملة ومدروسة .
ازدواجية الجنسية لم تكن تسمح لصاحبها بتولي المناصب الرفيعة بموجب الدستور الاردني في مراحل ما قبل التعديل الواسع 2011 ،ولكن التعديل جاء ليؤكد ذلك في المادة 42 من الدستور مع اختلاف بسيط على النص بين دستور 73 ودستور 2011 ، بالرغم من بعض القانونيين الدستوريين وجد فرقا كبيرا بين نص سابق يقول بانه لا يتولى الوزارة وعضوية المجلسين الاعيان والنواب من كان يتمتع بحماية دولة اخرى ،وبين النص المعدل الذي يقول حازما (لا يلي منصب الوزارة وما في حكمها الا اردني لا يحمل جنسية دولة أخرى ) .
رغم ذلك اعجب الجمهور العريض بهذا التعديل بسبب الاجواء السياسية التي سادت في تلك الفترة، فقد كان حراك الشارع في اوجه وكانت لجنة الحوار الوطني تلملم اوراقها معلنة فشلها في اقناع اطراف عملية الاصلاح بتوصياتها ومن بينها توصيات بتعديلات دستورية .
تعديل الجنسية 2011 بحد ذاته لم يكن مطلوبا شعبيا ولا اوصت به لجنة الحوار الوطني ولا طالبت به الاحزاب السياسية ،ومع ذلك ارتأى اصحاب الشأن انه لا بد من اضافة نكهة خاصة للتعديلات كي يقبلها الجمهور ويرحب بها فجاءت قضية الجنسية الطعم اللذيذ ليهتف له الجمهور ويمرر بقية التعديلات بمعيته ،والامر سيان هذه المرة فالتعديلات المطلوبة من نواب الامة سبقت تعديل الجنسية بساعات الى مجلس النواب ،ثم ارتأى اصحاب الشأن ضرورة اضافة الطعم مجددا الى هذه التعديلات كي يتمسك النواب برفض تعديل الجنسية ويمرروا بقية التعديلات الاخرى وبذلك يتحقق الهدف ولا اقل منه ،اي ان الدولة غير معنية بتعديل المادة 42 من الدستور كما يعتقد الناس والنواب بل وحتى النخب السياسية ،ولكنها لن تمانع في الترحيب بذلك اذا قرر النواب تعديلها او الغاءها كليا،كما انها لن تلح على اقرارها اذا رفضها النواب والاعيان .
في كل الاحوال فان قضية ازدواجية الجنسية في الاردن تضع علامات استفهام عديدة امامها وتطرح عدة اسئلة وتحتمل الكثير من الملاحظات ،فلماذا اقرت في العام 2011 ولماذا تلغى الآن ،وهل صحيح ان بعض الدول المانحة والحليفة للاردن طالبت بمثل هذا التعديل ،ام ان اصحاب المطالبات هم المغتربين الاردنيين فعلا كما تقول الحكومة ،ثم ماذا عن التوقيت وهل يتفق مع الاوضاع المحلية والاقليمية والعالمية ،وسؤال آخر حول صحة ما يشاع عن أن الكفاءات التي تحتاجها الدولة الاردنية اقصيت بسبب التعديل السابق، ام ان التعديل الجديد يأتي بهدف اعادة بعض الاشخاص المشار اليهم على انهم مزدوجي الجنسية الى الواجهة من جديد ؟
مهما كانت الاجابات وكثرت الاجتهادات حول الخطوة الاصلاحية فأن من المهم التاكيد على الملاحظات التالية :
اولا : الاردن دولة منفتحة على العالم وينظر اليها على انها واحة استقرار وأمن وتمتلك مقومات الخروج من اصوليتها السياسية الى فضاء الحريات والديمقراطية وفوق ذلك تعتمد على المساعدات الخارجية وعلى علاقاتها مع الدول الكبرى .
ثانيا :الاردن دولة نامية وتحتاج الى كفاءات ابنائها ممن يحملون جنسيات دول اخرى وهؤلاء يمتلكون خبرة واسعة ومهمة في مجالات حيوية ومن غير الحكمة حرمانهم من خدمة بلدهم ومن غير المعقول التشكيك بولائهم للدولة الاردنية بغية اقصائهم .
ثالثا : الجنسية الأجنبية لا تحمي حاملها في بلده الأصل واذا ارتكب جريمة ما يحاسب بموجب قوانين بلده ولا تحميه دولة التجنيس .
رابعا : خيانة الوطن والفساد والعمالة لجهات خارجية لا ترتبط بجنسية وطنية او اجنبية والشواهد كثيرة والامثلة عديدة .
خامسا : قد تكون ازدواجية دافعا لوطنية صادقة وولاء مطلق للوطن الاردني وللنظام الاردني وليس العكس .
سادسا :ان الذين دخلوا المجالس الثلاثة الوزراء والأعيان والنواب من مزدوجي الجنسية بعد تعديل الدستور 2011 ومنع حملة الجنسيتين من تولي المناصب عدد لا يستهان به والى اليوم لا يزال عندنا وزراء وأعيان ونواب يحملون جنسيات اجنبية يستغلون صعوبة اثبات تجنسهم وقد اشار الى ذلك رئيس الوزراء بقوله انه لا جدوى من حظر المناصب على مزدوجي الجنسية .
سابعا :إن إثبات ازدواجية الجنسية أمر صعب جدا وقد يدخلنا في متاهات طويلة ولا احد يجروء على توجيه الاتهامات لشخص بالتجنس لدولة اخرى ما لم يمتلك الاثباتات والتي يصعب الحصول عليها تحت طائلة المسؤولية القضائية .
ثامنا : تسمح الدول الديمقراطية للاردني المتجنس بجنسيتها ان يكون فيها وزيرا او برلمانيا بل وحتى رئيسا للوزراء وقد يكون من العدل المعاملة بالمثل .
يرى البعض ان التعديلات الدستورية الخاصة بمزدوجي الجنسية صححت مسارا خاطئا أقرته تعديلات دستورية سابقة في ظروف خاصة جدا وقد آن الاوان للتخلص من احدى عقبات النهوض الاردني والانطلاق نحو العالم بثقة مطلقة بابنائه وبناته المؤمنين به والمحبين له والذين برهنوا في كل موقع تولوه انهم المخلصين للدولة الاردنية ، بعض آخر يرى ان ازدواجية الجنسية في الاردن تفصل من اجل اشخاص بعينهم وبالتالي فأن اجواءا معادية للتعديل الجديد تسود اروقة المؤسسة التشريعية على هذا الاساس ،والحقيقة التي يتجاهلها نواب الامة ان بامكانهم في اي وقت طرح الثقة باي مسؤول في الدولة اذا وجدوا انه محل شبهة او ينقصة الولاء للدولة الاردنية ،ويستطيعون حجب الثقة عن اي وزير في الحكومة اذا وجدوا ان له انتماءات خارجية على حساب انتماءاته الوطنية .