jo24_banner
jo24_banner

بصراحة في قضية اللاجئين السوريين في الاردن

جهاد المومني
جو 24 : يقول النظام السوري ان دول الجوار التي استقبلت اللاجئين السوريين وهي الاردن ولبنان وتركيا تهول ارقام اللاجئين السوريين على اراضيها، فالنظام المسؤول عن نزوح ملايين السوريين عن بيوتهم بالكاد يعترف بوجود ما صارت تعرف بأزمة اللاجئين السوريين والتي لم يشهد العالم لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، ويحاول بشتى الطرق تصغيرها الى الحد الادني او اتهام الدول المضيفة باستغلال قضية اللاجئين لتحقيق مكاسب خاصة .

السوريون في الاردن يساوون 20 % من عدد السكان هذه حقيقة يفترض ان ترعب اية حكومة وتدفعها الى اعلان حالة الطوارئ فورا، لا أن تتغنى بتحمل ما لا يحتمل وما لا يجوز ان يحتمل في بلد يعاني الفقر والحاجة الى المعونات الخارجية في ظروف العادية فكيف يكون الحال بعدما اضيف الى سكانه حوالي ربع عددهم من اللاجئين المعوزين حتى الى مصروفهم اليومي، ما يحدث ان الدولة الاردنية تروج للكارثة على لسان وزير الخارجية في اطار دعاية رخيصة لقدرة الدولة الاردنية على الاحتمال بالرغم من أن هذا العدد من اللاجئين يتجاوز ما يسمح به منطق الأمن العام في اية دولة، لكن حكومتنا لا تتورع في الاعلان عن هذا الرقم المهول بتبجح ودون ان تكلف نفسها عناء القلق ولو بتعابير وجوه الناطقين باسمها وما أكثرهم.

سقطت مدينة إربد عمليا بايدي اللاجئين وتشوه نمط الحياة الاردنية فيها الى حد سيكون من الصعب اصلاح الضرر في يوم من الايام ،ليس قبل عشر سنوات على أقل تقدير، هذه المدينة كانت تسمى عروس الشمال واليوم تعاني تدميرا تاما لبنيتها التحتية وتزدحم شوارعها بمخلفات اللاجئين لدرجة ان أهلها هجروها خلال عطلة العيد وفضلوا افتراش الارض وتلحف السماء في عمان والعقبة على البقاء فيها وقضاء العطلة هناك ،المفرق اصبحت مستوعبا كبيرا لثلاثة اضعاف عدد سكانها من اللاجئين ،والمدينة تشارف على موت حضاري ومثلها عدة مدن اردنية أخرى في مختلف محافظات المملكة وخاصة محافظات الشمال ،واذا كانت الدولة الاردنية لا تحب ان تعترف بالحقيقة كاملة فإن اللاجئين السوريين وصلوا الى جميع المدن والقرى الاردنية باستثناء القرى التي لا يتوفر فيها العمل والتجارة، وهذا مؤشر على انه لجوء مقنع وغير حقيقي ،حتى العقبة لم تغلق ابوابها بوجه اللجوء رغم انها تملك جميع مسوغات المنع باعتبارها مدينة ذات قوانين وانظمة خاصة اقتصادية بالدرجة الاولى ولا يفترض ان يكون لللاجئين وجود في مثل هذه المناطق الا اذا جيء بهم عمالا ليأخذوا مكان غيرهم .

الحكومة الاردنية تعلن عن فخرها بكونها اكثر البلاد المجاورة لسوريا استقبالا للاجئين ،هذا الكرم يأتي على حساب الاردنيين ولا يهدد بقاء الحكومات ابدا ،بل رأى فيه البعض سببا للهروب من استحقاقات العملية الاصلاحية وذريعة للتنصل منها بدعوى هجمة اللجوء التي تقتضي معالجات خاصة تفرض على الحكومات تأجيل عملية الاصلاح الى اشعار آخر ،هذه الكذبة الكبرى لا تنطلي على احد لكن الجميع يقبلون بها حرصا على الوطن وأمنه واستقراره ،وفي واقع الامر فأن هذه الحيلة تظهر الى ابعد حدود حجم التضحية التي تبدو الحكومة الاردنية مستعدة لتقديمها من اجل ارضاء الغير وتحصيل شهادت حسن سلوك من الدول المانحة ولو على حساب قيم الاردنيين ولقمة عيشهم ،وليس سرا ما يذاع اليوم من اشاعات عن أن الحكومة تنفذ برنامج تهديد للاردنيين بالتجويع والمزيد من البطالة تحت ذريعة ازمة اللاجئين اذا استانف ما يعرف بحراك الشارع الاردني نشاطه مطالبا بالاصلاح او طالب بتنفيذ من تم التوصل اليه من اصلاحات خاصة فيما يتعلق بملف الفساد.

يقول النظام السوري اننا نستغل وجود (بعض السوريين) ممن خانوا بلدهم او استحبوا الاقامة في بلاد تذلهم كالاردن ولبنان وتركيا من اجل مصالحنا الخاصة، يقولون صراحة اننا نتسول المساعدات باسمهم وهذه المساعدات لا تدخل حتى في خزينة الدولة ،ويقولون ايضا ان المواد العينية التي يتسلمها الاردن من خلال منظماته الانسانية او تتسلمها الحكومة مباشرة لمساعدة اللاجئين تباع للمواطنين في المؤسسة الاستهلاكية المدنية اي أن الحكومة الاردنية تسرق علب الفول والحمص والسردين التي يقدمها المجتمع الدولي لمساعدة مشردي النظام السوري وضحايا فجوره وجرائمه ،لكن اسوأ الاتهامات فتدريب آلاف اللاجئين لاعادتهم الى بلادهم مجندين في خدمة المشاريع الغربية التي تستهدف سوريا باعتبارها بلدا مقاوما ،اي ان الاردن يقوم بتدريب اللاجئين الشباب على استخدام الاسلحة من اجل اسقاط النظام الممانع في دمشق ،اخطر ما يقال ان غرف عمليات في الاردن تدير الانشطة العسكرية للمعارضة داخل الاراضي السورية ،فالاردن بالنسبة للسوريين الموالين للنظام وهم اكثرية السوريين من غير اللاجئين يدبر مؤامرة ضد الدولة السورية ويخطط لتقاسمها مع اسرائيل وتركيا ومعسكر المتخاذلين على ما نسمع منهم ،هذه هي رواية النظام السوري ،فاذا كنا متآمرين بهذا القدر على النظام السوري، ونفشل حتى الان في اسقاطه من خلال تدريب المعارضة وانشاء غرف عمليات لادارة الثورة من صحرائنا المتاخمة للحدود ، فنحن اذن عاجزون عن حماية انفسنا من خطر آخر غير مئات آلاف اللاجئين الذين بدأوا عهد الاستقرار في المملكة السعيدة ،هذا الخطر هو ( داعش ) الذي يتشابه مع النظام السوري اردنيا في ان له حاضنة شعبية بين ظهرانينا شئنا أم ابينا التصديق .

شيء مؤكد واحد في الرواية الرسمية السورية للاحداث هو اننا نتعامل مع ملف اللاجئين بغباء سياسي واضح ،فلا نحن نرضيهم فيمتدحون ضيافتنا لهم ،ولا نحن نرضي السوريين داخل سوريا فيشكرون لنا استضافة أكثر من مليون ونصف المليون لاجيئا منهم هجروا بيوتهم وقراهم بفعل البراميل المتفجرة،ثم أننا لا ننجح في ارضاء النظام ايضا ،إننا باختصار نخسر الجولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا ،خاصة اذا علمنا ان دول الخليج العربي لا تقدم للدولة الاردنية شيئا مقابل قبوله بالمصيبة التي ترتبت على اشعال ثورة ضد نظام مستعد لابادة نصف الشعب وتهجير النصف الآخر لقاء بقائه في الحكم .

اعلاميا اصبحت قضية اللاجئين السوريين واحدة من بين الهموم التي يعانيها الشعب الاردني لا أكثر ولا أقل ،مثلها مثل ارتفاع الاسعار او اسئلة أمتحانات التوجيهي كل عام ،لكنها في التوصيف الرسمي لم تصل بعد حد الكارثة مع انها كذلك بكل المعايير الدولية والانسانية والامنية ،سبب عدم الاعتراف الرسمي امل لا يزال يراود بعض المسؤولين بأن القضية ستدر ذهبا او ستعطي الاردن دورا في سوريا وربما في العراق ايضا ،وجرى تسريب بعض الاشاعات عن توسيع المملكة على حساب هذين البلدين ،خدعة تلقتها بعض العقول وتعاملت معها بسطحية وسذاجة مشجعي مباريات الكرة وليس من منظار سياسي واستراتيجي ،وكأننا نتحدث عن مزرعتين لا دولتين تحيطان بنا ،المصيبة ان الدولة تصمت تاركة الاشاعات والتحليلات طليقة بدون رد او توضيح ،وكأن المطلوب تحصيل الاراء الراجعة من الجمهور المتحمس لفتوحات جديدة على حساب ما يثقل كاهل الاردنيين من هموم وعلى رأسها قضية اللجوء السوري بمخاطره الكبيرة .

لا يملك اي كان في الحكومات الاردني حق تبسيط كارثة اللاجئين السوريين وتقزيمها الى مستوى مشكلة فقط ما دام لا يعانيها في حياته اليومية ،في مأكله ومشربه ومسكنه وعمله، وفي العيادة الطبية التي يراجعها وفي المدرسة التي يرسل اولاده اليها فلا يجدون مقعدا يجلسون عليه،وفي المستقبل الغامض الذي ينتظر الاردن اذا ما أجبر على خيارات لاحقة أكثر صعوبة وقسوة ما دام ارتضى ان يكون طرفا في المحاور والتحالفات السياسية والعسكرية بكل ما ترتب عليه من التزامات لن يفلت منها كما لم يفلت من التزاماته الانسانية تجاه مليون لاجئي سبقوا اللاجئين السوريين الى الاردن .

من يعمل لتبسيط الكارثة نخب المستفيدين والمحظيين وبعض الجاهلين لبواطن وابعاد الكارثة ،وهؤلاء يمثلون صف الزعامة الاول والثاني في الحكومات الاردنية التي لا ترى الازمة من اساسها الا في جانبها الانساني ولجهة التضامن مع الضحية وهو في هذه الحالة اللاجيء السوري وليس المواطن الاردني الذي لم يعرف السكينة ولا الهدوء منذ ربع قرن نتيجة مغامرة صدام حسين في الكويت عام 1990 ،مرورا بمحنة تدمير العراق لاسقاط نظامه عاد 2003 وتدفق اللاجئين العراقيين الى الاردن وما رافق وصول اثرياءهم من قضايا فساد مخجلة تمثلت في بيع الجنسية الاردنية وجوازات السفر وموافقات شراء العقارات ورخص الاستثمار وغسيل الاموال الى آخر قائمة طويلة من ميادين الفساد، ثم حلت كوارث الربيع العربي تباعا فتوافدت الى الاردن افواج اللاجئين من ليبيا وسوريا والعراق واليمن ،واليوم تقيم قيادات الحكومات المؤقتة اليمنية والليبية في الاردن اضافة الى مئات قيادات المعارضة السورية المعتدلة ،والكل يتحدث من منابر عمان عن مستقبل بلاده ومجريات ثورته .

لقد حافظ الاردن طوال تاريخه على الحياد المطلق حين يتعلق الامر بشؤون الاشقاء العرب وقضاياهم الداخلية ،لكننا اليوم لا نلتزم بهذا الحياد ،بل نسمح لكل من هب ودب من سنة العراق وعشائره ،وشرعية اليمن الموالين لهادي الى جماعة حفتر الليبية الموالية للغرب ،الى المعارضة السورية المعتدلة بالتحدث والتصريح لكل فضائيات الدنيا من عاصمة الحياد العربي ،فما الذي نريده بالضبط قبل ان نلتفت الى انفسنا ونتوصل الى حلول لجوع اهلنا وفقر الدولة الذي وصل حد فرض الاتاوات على الناس لتعويض العجز في الميزانية المعدمة ...!؟

حلان لا ثالث لهما للخروج من كارثة اللجوء السوري بأقل الخسائر ،وقبل انتظار ما ستقدمه لنا الدول الغنية من فتات لتعويض ما خسرنا وقد خسرنا الكثير ،الاول من شقين يتمثل شقه الاول في التوقف عن استقبال اللاجئين السوريين فورا ودون التنسيق مع اية جهة لا توافق على قرار سيادي كهذا ،الشق الآخر الشروع بتنفيذ عملية اعادة واسعة النطاق للاجئين السوريين الى بلادهم بفتح ممر آمن لهم عبر الحدود الى الداخل السوري بالتعاون مع المعارضة التي نعتبرها معتدلة ونقدم لها الدعم اللوجستي والمعنوي .

الحل الثاني يتمثل في فتح ممر آمن آخر امام مئات آلاف اللاجئين السوريين للوصول الى الحدود الدولية للدول المجاورة للاردن مع الحرص على عدم استثناء اية دولة من هذا الخيار بما في ذلك اسرائيل التي يجب ان تنطبق عليها الاتفاقيات الدولية ،فالاردن لم ينشأ ليكون مستقرا للاجئين ،فهو ايضا يستطيع لعب دور الممر الآمن لهم ،وهذا الخيار لا يتناقض مع المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة باللاجئين ،فنحن لا ندعو الى ترحيل اللاجئين وانما الى فتح ممرات آمنة لهم كي يغادروا الى اي بلد يستقبلهم بمحض ارادتهم ،فخلال حربي 1948 وعام 1967 استقبل الاردن لاجئين فلسطينيين من سوريا وصلوا عبر لبنان ،اي انهم عبروا ثلاث دول للوصول الى الاردن والاستقرار فيه، فلماذا اليوم يتنطح الاردن لحماية حدود الغير من اللاجئين السوريين ويحرص مخلصا على ابقائهم على اراضيه مع ان الكثيرين منهم لا تنطبق عليهم بنود الاتفاقية من اساسها ،فليس هناك ما يثبت انهم سيتعرضون للقتل او التعذيب او لانتهاكات حقوقية أخرى في حال عودتهم، بل أن لجوئهم الى الاردن لم يكن مشروعا منذ البداية لان كثيرون منهم وصلوا الحدود الاردنية من مناطق سورية آمنة لم تشهد معارك تدفع الى النزوح ،وكل ما في الامر ان مئات العائلات اللاجئة استبقت الاحداث وغادرت الى الاردن بعد تفشي الاشاعات عما يقدمه الاردنيون من رعاية واحترام للاجئين وما يتقاضاه اللاجئون من معونات مالية مصدرها الامم المتحدة وبعض الدول العربية ،فلا شبيه للاجيء السوري في الاردن في اي مكان آخر في العالم ،فهو يسكن مع عائلته ولا يدفع بدل ايجار ويتقاضى راتبا شهريا من المنظمة الدولية ويعمل في الاردن بوظائف تدر عليه دخلا محترما من بينها الصيدلة والطب سرا وعلانية ،واذا توفر لديه راس المال استثمر في مصلحة له وبات من اصحاب رؤوس الاموال في الاردن ،ولا غرابة أن بعض الاردنيين يحسدون اشقائهم اللاجئين السوريين على حياتهم الجديدة في مملكتهم السعيدة .








تابعو الأردن 24 على google news