مؤشرات تقارب أردني -إيراني وتصريحات طهران تذكي المخاوف
تتزايد المؤشرات بحدوث تقارب أردني إيراني بمرور الوقت، فبعد زيارة وزير الخارجية ناصر جودة لطهران، وتهنئة الملك عبدالله الثاني لقيادة الجمهورية الإسلامية بعيد النيروز، وترحيب وزير السياحة نايف الفايز بزيارة رعايا هذا البلد للأضرحة والمراقد في الكرك، استقبلت عمان الأحد رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي المقرب من طهران عمار الحكيم، ويجري الحديث عن استقبال زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر خلال الأيام المقبلة.
وبينما يبدو أن دورا أردنيا بالتعاون مع إيران آخذ بالتبلور لجهة إدماج العرب السنة في العملية السياسة بالعراق بما يضمن نجاح ترتيبات مواجهة تنظيم الدولة الذي يسيطر على أغلب مناطقهم هناك، لم تتضح انعكاسات التقارب على الملف السوري، إلا أن آخر الإشارات جاءت على لسان وزير الدولة لشؤون الأعلام الناطق باسم الحكومة محمد المومني الذي أكد الاثنين بأن الأردن يتبنى الحل السياسي في سوريا، معلنا المشاركة في تدريب العشائر -هناك لمواجهة تنظيم الدولة( العشائر وليس المعارضة وتنظيم الدولة وليس النظام السوري)
وفي ذات السياق، استقبل الأردن طائرة تحمل نحو 40 من جرحى الحوثيين كانوا قد أصيبوا خلال تفجيرات المساجد الجمعة، وهي الأحداث التي بدأ بعدها حكام اليمن الجدد المرتبطين بإيران حملة عسكرية نحو الجنوب حيث مقر الرئيس عبدربه منصور هادي، قالوا أنها موجه لاستئصال تنظيم الدولة في اليمن.
من الواضح أن الأولوية المعلنة مواجهة تنظيم الدولة، لكن لا يعرف إلى أي مدى يمكن أن يبلغ التفاهم الأردني الإيراني إزاء الترتيبات السياسية في هذه البلدان، وما إذا كانت الاندفاعة الأردنية تجاه طهران تتم بالتنسيق مع السعودية وباقي أعضاء المعسكر العربي التقليدي أم بمعزل عنه، وماذا عن التنسيق مع النظام المصري والذي أرسل هو الآخر رسائل ود كثيرة تجاه إيران ويقيم علاقات مع النظام السوري ويستضيف ممثلين عن الحوثيين.
في الأثناء انتشر أمس تصريح على لسان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، أكد فيه وفقا لوكالة "إيسنا" للأنباء شبه الرسمية أن "بلاده حاضرة في لبنان والعراق، وأن هذين البلدين يخضعان بشكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها"، وأشار إلى أن "ايران بإمكانها التحكم في الثورات لتوجهها نحو العدو، وأن هذه الإمكانية متوافرة في الأردن".
وبينما نفى الحرس الثوري صحة التصريح، وشككت مصادر صحفية بدقته، مشيرة إلى أنه ليس جديدا بل يعود إلى عام 2012، فإن أحدا لم يشكك في المضمون الذي تضمن أيضا التأكيد بأن إيران تتمدد.
عمليا فإن خطورة هذه التصريحات أو قل التهديدات ترجع بشكل رئيسي إلى أن مطلقها سليماني يعتبر صانع السياسة الخارجية الإيرانية ويتولى تنفيذ العمليات الخاصة خارج إيران، ويتبع مباشرة للقائد الأعلى للحرس الثوري، آية الله علي خامنئي.
ولا يخفى بأن التصريح الجديد أو القديم لا فرق يعد دليلا آخر على استعلاء إيران ورغبتها في الهيمنة، ومحاولتها اختراق الأردن، وهو الأمر الذي تصاعد مؤخرا مع شعور طهران بالانتصار نظرا لتزايد احتمالات توقيع ما يوصف بالصفقة التاريخية بينها وبين واشنطن، وفي ظل تقدم نفوذها باضطراد في كثير من البلدان العربية.
قد يناقش البعض بأن الخطوات الأردنية الأخيرة ربما أغرت الحكم الإيراني بإمكانية استمالة الأردن أو تحييده على الأقل، من خلال منحه امتيازات سياسية واقتصادية، وأن المحاولات الإيرانية في هذا الصدد عديدة وقديمة وقد تستمر مستقبلا، لكن المتفحص لسياق تفوهات سليماني والتي أشار فيها إلى ما اعتبره ثورات عربية تتبلور مع مرور الزمان على شاكلة الثورة الإسلامية الإيرانية يلمس بأن الحديث عن نقل نموذج الفوضى كما هو الحال في البلاد العربية الأربعة التي باتت تهيمن عليها إيران.
ومن قال بأن إيران لم تخترق البلاد العربية الأربعة المشار أليها من بوابة حاجاتها للحماية أو للمال، وبذلك فمن يذهبون إلى التقليل من خطورة النوايا الإيرانية يقامرون واقعيا باستقرار الأردن.
إذا كانت الرسالة من سليماني الرجل العسكري الأمني الذي يقود معارك بلاده التوسعية بنفسه أحيانا تنطوي على تهديد لمنظومة الحكم في الأردن ووحدة هذا البلد، فلا أقل من إعادة دراسة مشروع إعادة التموضع الأردني بكثير من الحذر، ففتح الأبواب لإيران بنسختها الجديدة كحاكم إقليمي سيكون أشبه باحتضان الأفاعي.