مخاطر الدور الأردني في الملف السوري
ناصر لافي
جو 24 : نفى النظام السوري الأربعاء أن تكون الآليات التي استهدفها سلاح الجو الأردني تابعة لجيشه، فيما قالت صحيفة "وورلد تريبيون" الامريكية الصادرة أول أمس إن الغارة على الحدود مع سوريا استهدفت قافلة من المسلحين المعارضين للنظام، وأكدت وسائل اعلام عبرية من بينها موقع "ديبكا" أن الهجوم استهدف قافلة لـ"داعش" كانت قادمة من محافظة الأنبار غربي العراق، بقصد مهاجمة منشأة تدريب أمريكية أردنية سرية تقع غرب الرويشد.
في الأثناء حذرت شعبة الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" (أمان) من إمكانية تسلل عناصر جهادية إلى الأردن في أعقاب التحولات الدراماتيكية، التي تشهدها الدول المحيطة به. ونقلت صحيفة "يديعوت" الثلاثاء الماضي عن العقيد رويطال، قائدة قطاعي "مصر والأردن" في لواء الأبحاث التابع للشعبة قولها إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تستعد من ناحية استخبارية وعملياتية لإمكانية أن تتسلل جهات جهادية إلى داخل الأردن، مشيرة إلى أن استقرار الجهاديين في الأردن يمثل تحولاً كبيراً سيؤثر بشكل عميق على بيئة "إسرائيل" الاستراتيجية.
الغموض لا يزال سيد الموقف، لا سيما بأن المصادر الرسمية الأردنية لم تكشف عن المكان الذي تم فيه تدمير العربات المموهة، ولا الجهة التي جاءت منها، ولا ماذا كانت تحمل، ولا إلى أي جهة تنتمي وماذا كانت تهدف، كل ما نعرفه عن الحادثة لخصه وزير الداخلية، حسين المجالي، مساء الجمعة، بالإشارة إلى أن الغارة كانت "رسالة واضحة لكل من يحاول أن يخترق حدودنا بألا يجرب القوات المسلحة الباسلة".
قد تكشف الأيام المقبلة المزيد من المعلومات بشأن الحادثة، وما إذا كانت تطورا ذا مغزى في مسار تعاطي الأردن ومن خلفه أمريكا والسعودية مع الملف السوري، الذي شهد مؤخراً سلسلة من التطورات إلى جهة تعزيز موقف النظام والذي بلغ به الغرور إلى حد الاحتفال بما يصفه بالنصر.
قبل أيام من الغارة، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تذمر معارضين سوريين في الجنوب على وجه التحديد من دور غرفة العمليات المشتركة التي يعمل فيها عملاء للمخابرات من السعودية والولايات المتحدة والأردن، والتي اتهموها بتقديم ما يكفيهم حتى يظلوا على قيد الحياة وليس لتحقيق النصر، فيما يعتقدون أنه جزء من استراتيجية خبيثة لإطالة أمد الحرب.
وتدلل الصحيفة لإثبات هذه الاستراتيجية، بالاشارة إلى أن الداعمين للثوار السوريين في الجنوب يدفعونهم في بعض الأحيان لتجنب ضرب الأهداف الاستراتيجية كجزء من استراتيجية الإبقاء على الحرب ونارها المشتعلة. وتنقل في هذا السياق عن أسعد الزعبي، الجنرال الطيار الذي انشق عن النظام قوله "الدعم الذي نتلقاه هو لإبقائنا على قيد الحياة ويغطي أدنى الاحتياجات التي نريدها". مضيفا: "يقولون إنه دعم ولكنني لا أطلق عليه دعما.. جزء من لعبة شراء الوقت لإعطاء وهم بأن هناك دعما، وفي الحقيقة لا يوجد شيء كهذا".
وتنقل عن قائد كتيبة اليرموك قوله: "تقوم السلطات الأردنية بالتحكم بالحدود مع سوريا ولا تدخل الأسلحة للمقاتلين السوريين بطريقة غير منظمة..عندما يريد المقاتلون العودة لسوريا والقتال هناك تقوم المخابرات الأردنية بتحديد الوقت المناسب لهم لعبور الحدود مع سوريا. ".
وسبق أن قالت قناة التلفزة "الإسرائيلية" الثانية إن الأردن نجح في عدم تمكن الحركات الجهادية من إيجاد قواعد في جنوب سوريا يمكن أن تستخدم مستقبلاً في الانطلاق لتنفيذ عمليات ضد قوات جيش الاحتلال المتمركزة في هضبة الجولان.
وكان الكاتب الإسرائيلي ألوف بن قد قال -في تقرير نشره في الصحيفة العام الماضي أن "إسرائيل" والأردن والولايات المتحدة، بحثا سبل إقامة حزام أمني على طول الحدود بين الجولان السوري والجولان المحتل، بحيث يتولى الأردن توظيف علاقاته مع مجموعات من الثوار لإبعاد الحركات الجهادية عن الحدود مع "إسرائيل".
وهكذا يبدو من الواضح بأن استراتيجية غرفة العمليات المشتركة التي تستقر في عمان تعتمد ابعاد الثوار (خصوصا الجهاديين) من المناطق الحدودية ومنع اسقاط النظام كي لا تستحوذ ما تسمى بالحركات الجهادية على السلطة هناك وهو المهدد الذي يحتل صدارة أولويات أمريكا والسعودية والأردن، ويمثل القاسم المشترك الأعظم بينهم.
اللعبة التي تجري لإدارة الصراع تتزامن مع محاولات محمومة لدى معسكر داعمي النظام السوري بهدف حسم المعركة أو تعظيم نقاطهم، ويتبدى ذلك بشكل واضح في الدعم الروسي الايراني والتدخل المباشر لحزب الله اللبناني وبعض الميليشيات العراقية ميدانيا. وبالرغم من أن الواقع لا يزال متأرجحا، الا أنه مال بطريقة دراماتيكية (سياسيا وعسكريا) خلال السنة الماضية على الأقل بما عزز ثقة المستمسكين بالسلطة في سوريا بأنفسهم الى درجة خرجوا فيها يعلنون حسمهم المعركة.
الدور الأردني يبدو أنه يلاقي كذلك قبولا لدى داعمي النظام السوري، وهو ما يفسر بعض الخطوات الدبلوماسية كزيارة وزير الخارجية الإيراني ونمو العلاقات الأردنية العراقية بشكل لافت خلال السنة المنصرمة، واخيرا تصريحات النظام السوري تجاه الاردن وتخفيف الحملة الاعلامية ضده.
بالتأكيد فإن احتفالات النظام وحلفائه بما يصفونه بالنصر العسكري مبالغ فيه، ويأتي كنوع من الحرب النفسية إلا انه يعبر عن انتقال هذا المعسكر من حالة الدفاع إلى الهجوم بفعل جملة من المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية، من بينها تشابك الاصطفافات والمصالح و"قصة ادارة الصراع الى حين تجهيز البيئة المستقبلية"، ومن الأمثلة على الخطوات الهجومية المفترضة ارسال "عينة" من "داعش" التي يرجح محللون ارتباطها بإيران والنظام السوري إلى الأردن.
بالعودة إلى الغارة الحدودية، فالسؤال الرئيس هو ان كان ثمة تحول في موقف التحالف الذي يدير غرفة العمليات المشتركة، وإلى أي جهة، وهل حان الوقت للتنسيق مع النظام السوري لوقف تدفق اللاجئين، وملاحقة "داعش" و"النصرة" والتوافق على ما يمكن وصفه بصيغة الإقرار بصيغة الواقع الأقل سوءا (خيار النظام)، أم أننا أمام قرار بإسناد الثوار السوريين بطريقة أو بأخرى لمنع انهيارهم خصوصا جنوب دمشق.
الأهم، أن ما يجري في سوريا يؤكد أن أطرافا عديدة متشابكة تريد ابقاء الماء على النار، لكنها لا تكف عن التدخل لمنع وصوله إلى درجة الغليان، وهو الأمر الذي يفسره مراقبون باستخدام ما يجري هناك لوقف اندفاعة الارادة الشعبية "الربيع العربي" واحباط المتشوقين لدحر الاستبداد، وتشويه واستنزاف الحركات الجهادية، وتجريد هذا البلد من قوته، كما تم تجريد غيره من القوى الأقليمية من قوتها الاستراتيجية، واستخدام الورقة السورية في مساومات دولية (الاستقطاب الامريكي الروسي) ومساومات إقليمية (الملف النووي الايراني)، وهنا والحال كذلك، فأي مصلحة للأردن في الانخراط باللعبة؟
عندما يخسر الأردن النظام السوري ومناوئيه في آن وتتحول لعبة الحسم لدى الطرفين ومؤيديهم إلى كيفية ادخال اللهيب للبيت الأردني لدفعه للاصطفاف الى جانب هذه الجهة أو تلك، فالواقع الذي لم ندفع ثمنه أمنيا بعد يحتاج إلى كثير من التأمل، خصوصا بأن الدور الاردني في كل من العراق وافغانستان وربما أماكن أخرى ارتد سلبا في أكثر من مناسبة، وسوريا هي الأكثر قربا وخطرا.
المثير للقلق أكثر هو أن التقارير الصحفية تتحدث عن دور أمني أردني في معظم الساحات المتوترة، في ظل لعبة ادامة الحرائق التي باتت عنوان المرحلة في أكثر من بلد عربي، وهنا يجدر التحذير "للمرة المئة" بأن كلفة المغامرة تزداد بمرور الوقت.
في الأثناء حذرت شعبة الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" (أمان) من إمكانية تسلل عناصر جهادية إلى الأردن في أعقاب التحولات الدراماتيكية، التي تشهدها الدول المحيطة به. ونقلت صحيفة "يديعوت" الثلاثاء الماضي عن العقيد رويطال، قائدة قطاعي "مصر والأردن" في لواء الأبحاث التابع للشعبة قولها إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تستعد من ناحية استخبارية وعملياتية لإمكانية أن تتسلل جهات جهادية إلى داخل الأردن، مشيرة إلى أن استقرار الجهاديين في الأردن يمثل تحولاً كبيراً سيؤثر بشكل عميق على بيئة "إسرائيل" الاستراتيجية.
الغموض لا يزال سيد الموقف، لا سيما بأن المصادر الرسمية الأردنية لم تكشف عن المكان الذي تم فيه تدمير العربات المموهة، ولا الجهة التي جاءت منها، ولا ماذا كانت تحمل، ولا إلى أي جهة تنتمي وماذا كانت تهدف، كل ما نعرفه عن الحادثة لخصه وزير الداخلية، حسين المجالي، مساء الجمعة، بالإشارة إلى أن الغارة كانت "رسالة واضحة لكل من يحاول أن يخترق حدودنا بألا يجرب القوات المسلحة الباسلة".
قد تكشف الأيام المقبلة المزيد من المعلومات بشأن الحادثة، وما إذا كانت تطورا ذا مغزى في مسار تعاطي الأردن ومن خلفه أمريكا والسعودية مع الملف السوري، الذي شهد مؤخراً سلسلة من التطورات إلى جهة تعزيز موقف النظام والذي بلغ به الغرور إلى حد الاحتفال بما يصفه بالنصر.
قبل أيام من الغارة، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تذمر معارضين سوريين في الجنوب على وجه التحديد من دور غرفة العمليات المشتركة التي يعمل فيها عملاء للمخابرات من السعودية والولايات المتحدة والأردن، والتي اتهموها بتقديم ما يكفيهم حتى يظلوا على قيد الحياة وليس لتحقيق النصر، فيما يعتقدون أنه جزء من استراتيجية خبيثة لإطالة أمد الحرب.
وتدلل الصحيفة لإثبات هذه الاستراتيجية، بالاشارة إلى أن الداعمين للثوار السوريين في الجنوب يدفعونهم في بعض الأحيان لتجنب ضرب الأهداف الاستراتيجية كجزء من استراتيجية الإبقاء على الحرب ونارها المشتعلة. وتنقل في هذا السياق عن أسعد الزعبي، الجنرال الطيار الذي انشق عن النظام قوله "الدعم الذي نتلقاه هو لإبقائنا على قيد الحياة ويغطي أدنى الاحتياجات التي نريدها". مضيفا: "يقولون إنه دعم ولكنني لا أطلق عليه دعما.. جزء من لعبة شراء الوقت لإعطاء وهم بأن هناك دعما، وفي الحقيقة لا يوجد شيء كهذا".
وتنقل عن قائد كتيبة اليرموك قوله: "تقوم السلطات الأردنية بالتحكم بالحدود مع سوريا ولا تدخل الأسلحة للمقاتلين السوريين بطريقة غير منظمة..عندما يريد المقاتلون العودة لسوريا والقتال هناك تقوم المخابرات الأردنية بتحديد الوقت المناسب لهم لعبور الحدود مع سوريا. ".
وسبق أن قالت قناة التلفزة "الإسرائيلية" الثانية إن الأردن نجح في عدم تمكن الحركات الجهادية من إيجاد قواعد في جنوب سوريا يمكن أن تستخدم مستقبلاً في الانطلاق لتنفيذ عمليات ضد قوات جيش الاحتلال المتمركزة في هضبة الجولان.
وكان الكاتب الإسرائيلي ألوف بن قد قال -في تقرير نشره في الصحيفة العام الماضي أن "إسرائيل" والأردن والولايات المتحدة، بحثا سبل إقامة حزام أمني على طول الحدود بين الجولان السوري والجولان المحتل، بحيث يتولى الأردن توظيف علاقاته مع مجموعات من الثوار لإبعاد الحركات الجهادية عن الحدود مع "إسرائيل".
وهكذا يبدو من الواضح بأن استراتيجية غرفة العمليات المشتركة التي تستقر في عمان تعتمد ابعاد الثوار (خصوصا الجهاديين) من المناطق الحدودية ومنع اسقاط النظام كي لا تستحوذ ما تسمى بالحركات الجهادية على السلطة هناك وهو المهدد الذي يحتل صدارة أولويات أمريكا والسعودية والأردن، ويمثل القاسم المشترك الأعظم بينهم.
اللعبة التي تجري لإدارة الصراع تتزامن مع محاولات محمومة لدى معسكر داعمي النظام السوري بهدف حسم المعركة أو تعظيم نقاطهم، ويتبدى ذلك بشكل واضح في الدعم الروسي الايراني والتدخل المباشر لحزب الله اللبناني وبعض الميليشيات العراقية ميدانيا. وبالرغم من أن الواقع لا يزال متأرجحا، الا أنه مال بطريقة دراماتيكية (سياسيا وعسكريا) خلال السنة الماضية على الأقل بما عزز ثقة المستمسكين بالسلطة في سوريا بأنفسهم الى درجة خرجوا فيها يعلنون حسمهم المعركة.
الدور الأردني يبدو أنه يلاقي كذلك قبولا لدى داعمي النظام السوري، وهو ما يفسر بعض الخطوات الدبلوماسية كزيارة وزير الخارجية الإيراني ونمو العلاقات الأردنية العراقية بشكل لافت خلال السنة المنصرمة، واخيرا تصريحات النظام السوري تجاه الاردن وتخفيف الحملة الاعلامية ضده.
بالتأكيد فإن احتفالات النظام وحلفائه بما يصفونه بالنصر العسكري مبالغ فيه، ويأتي كنوع من الحرب النفسية إلا انه يعبر عن انتقال هذا المعسكر من حالة الدفاع إلى الهجوم بفعل جملة من المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية، من بينها تشابك الاصطفافات والمصالح و"قصة ادارة الصراع الى حين تجهيز البيئة المستقبلية"، ومن الأمثلة على الخطوات الهجومية المفترضة ارسال "عينة" من "داعش" التي يرجح محللون ارتباطها بإيران والنظام السوري إلى الأردن.
بالعودة إلى الغارة الحدودية، فالسؤال الرئيس هو ان كان ثمة تحول في موقف التحالف الذي يدير غرفة العمليات المشتركة، وإلى أي جهة، وهل حان الوقت للتنسيق مع النظام السوري لوقف تدفق اللاجئين، وملاحقة "داعش" و"النصرة" والتوافق على ما يمكن وصفه بصيغة الإقرار بصيغة الواقع الأقل سوءا (خيار النظام)، أم أننا أمام قرار بإسناد الثوار السوريين بطريقة أو بأخرى لمنع انهيارهم خصوصا جنوب دمشق.
الأهم، أن ما يجري في سوريا يؤكد أن أطرافا عديدة متشابكة تريد ابقاء الماء على النار، لكنها لا تكف عن التدخل لمنع وصوله إلى درجة الغليان، وهو الأمر الذي يفسره مراقبون باستخدام ما يجري هناك لوقف اندفاعة الارادة الشعبية "الربيع العربي" واحباط المتشوقين لدحر الاستبداد، وتشويه واستنزاف الحركات الجهادية، وتجريد هذا البلد من قوته، كما تم تجريد غيره من القوى الأقليمية من قوتها الاستراتيجية، واستخدام الورقة السورية في مساومات دولية (الاستقطاب الامريكي الروسي) ومساومات إقليمية (الملف النووي الايراني)، وهنا والحال كذلك، فأي مصلحة للأردن في الانخراط باللعبة؟
عندما يخسر الأردن النظام السوري ومناوئيه في آن وتتحول لعبة الحسم لدى الطرفين ومؤيديهم إلى كيفية ادخال اللهيب للبيت الأردني لدفعه للاصطفاف الى جانب هذه الجهة أو تلك، فالواقع الذي لم ندفع ثمنه أمنيا بعد يحتاج إلى كثير من التأمل، خصوصا بأن الدور الاردني في كل من العراق وافغانستان وربما أماكن أخرى ارتد سلبا في أكثر من مناسبة، وسوريا هي الأكثر قربا وخطرا.
المثير للقلق أكثر هو أن التقارير الصحفية تتحدث عن دور أمني أردني في معظم الساحات المتوترة، في ظل لعبة ادامة الحرائق التي باتت عنوان المرحلة في أكثر من بلد عربي، وهنا يجدر التحذير "للمرة المئة" بأن كلفة المغامرة تزداد بمرور الوقت.