كيف تكون النهاية سعيدة لحادثة اختطاف العيطان؟
أخيرا حسم الأردن الرسمي موقفه من حادثة اختطاف السفير الأردني في طرابلس فواز العيطان بالموافقة على صفقة تبادل تم بموجبها ترحيل محمد سعيد الدرسي الذي كان يقضي عقوبة السجن المؤبد بتهمة "الإرهاب" الى ليبيا.
وبالرغم من محاولة وزير الخارجية ناصر جودة الاحتفاء بإطلاق سراح السفير خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الثلاثاء،وكأنه نصر مؤزر، الا أن المؤشرات الأولية تؤكد بأن القرار الأردني بالاستجابة لمطلب الخاطفين كان غالي الثمن ومؤلما، فالأردن كان يرفض اطلاق الدرسي منذ نحو شهر حتى لا يشجع عمليات الاختطاف، ويشكل بذلك سابقة لتلبية شروط "الإرهابيين" الذين قد يستمرئون اللعبة فيعودون لها كلما وقع أحدهم في الأيدي الأردنية.
الوزير ذهب في حديثه إلى التأكيد بأن الحكومة كانت تسعى لتسليم الدرسي قبل حادثة الاختطاف على قاعدة اتفاق الرياض 1983 لتبادل المجرمين والسجناء، مشيرا إلى أن ما جرى مجرد نقل للسجين من السجون الأردنية إلى الليبية، وهي رواية تفتقد إلى التماسك بالنظر إلى صور احتفاء ذوي السجين به طليقا في ليبيا، وقد علق على ذلك لاحقا وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، الناطق الرسمي باسم الحكومة بالوكالة خالد الكلالدة بالقول "هذا شأن ليبي داخلي".
لكن وبصرف النظر عن الملابسات فلم يكن –على ما يبدو-أمام المفاوضين الأردنيين غير هذا السبيل كي يؤمنوا حياة السفير العيطان.وحسنا فعلوا بتقديم أولوية حياة السفير على كل ما سواه، وهي رسالة تعبر عن حرص الدولة على ابنائها والتزامها تجاههم.
ولكن النهاية السعيدة بالفعل تتمثل في اعادة النظر بالدور الامني الاردني في الخارج ، فالإرهاب مجنون وبعض سياسات الأجهزة الأمنية الإقليمية التي توظفه لتنفيذ اجندات ما ساهمت بالإضافة الى اخفاق الارادة الشعبية وانسداد افق الامل في أكثر من بلد عربي في تعظيم غول التطرف ،وليس أكثر من الجهاز الأمني الأردني قدرة على تقدير مآلات تضخم ما يوصف بالإرهاب في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا ومصر، خصوصا بأن التجربة الأردنية غنية وقد تكون الأبرز في هذا الشأن.
ليس من الحكمة أن يدخل الأردن في ثارات مع هؤلاء، فلديهم ما يشغلهم عنا في بلدانهم ولدينا ما يشغلنا عنهم في بلدنا، وليس من المصلحة بحال العمل كوكيل لدول لا تستطيع القيام بهذا الدور بذاتها بصرف النظر عن المقابل. فإذا ما تطور الامر –لا قدر الله -سيصبح كل مواطن أردني معرضا للخطف وسيدفع الأردن من استقراره ثمنا باهضا ،كما ستتأثر جاليته في اكثر من بلد وكذلك نفوذه السياسي والامني.
وفي السياق، ينبغي مراجعة الادوار الأمنية الأردنية المعلنة او المخفية في اكثر من بلد(هناك اتهامات لأدوار أردنية في البحرين والكويت و..الخ)، نعم هنالك من يقيم الدور الأردني الخارجي وعلى مستوى العالم بالناجح، وبعيدا عن المماراة في التقييم فالحكمة حتى لو صح هذا التقييم تقنين الأمر ووقف تمدده لكي لا يصبح الأردن خصما ملاحقا في كل أصقاع الدنيا.
حتى أمريكا والكيان الإسرائيلي على ما تمتلكانه من قدرات ونفوذ لا تحتملان نمو الكراهية إلى الحد الذي يجعل من وجودهما ومشاريعها وأمن راعياهما معرضا للخطر، ولا أظن عاقلا لا يدرك بأن الكراهية والثارات تفقدنا قوتنا الناعمة وتحاصر فرصنا وتهددنا.
النهاية السعيدة ان تقرع حادثة العيطان لدينا جرس الانذار فنراجع سياساتنا الأمنية الخارجية برمتها، عندها فقط ستكون الحادثة المؤلمة جزءا من نهاية القصة وليس بداية معركة كبرى تستنزف ما بقي من هيبة وموارد الدولة.