قراءة في ما وراء عودة الاعتقال السياسي
ناصر لافي
جو 24 : في الذكرى التاسعة لتفجيرات عمان، وجه المستوى الأمني التنفيذي تهم الإرهاب لثلاثة ناشطين نقابيين مدافعين عن الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال هم مازن ملصة وعسان دوعر ونجله براء، وفقا للقانون الجديد. كما وجه مدعي عام محكمة أمن الدولة الأردنية تهمة "تقويض نظام الحكم" للمحامي يوسف الصمادي، لإشهاره صفحة على موقع "فيس بوك" .
قبلها بنحو شهر وجه مدعي عام محكمة أمن الدولة تهمة مناهضة النظام والتحريض عليه للقيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد سعيد، وإطالة اللسان لكل من الناشطين محمد السنيد وعدنان الهواوشة.
ويبدو أن مسلسل الاعتقالات ما يزال مستمرا، ففجر اليوم اعتقلت الأجهزة الأمنية الناشط النقابي مصعب البوريني .
ويحصي ناشطو الحراك الأردني 14 معتقلا بتهم سياسية تتعلق بإبداء الرأي، وهو ما يؤكد وجود سياسة جديدة أو استعادة آليات ما قبل "الربيع العربي" في التعامل مع المعارضين.
يحدث هذا بالتزامن مع عودة "السياسات الخشنة" في التعامل حتى مع المطالب غير السياسية، كالاعتراض على رفع الرسوم الجامعية، كما جرى لدى تفريق اعتصام الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا" أمام الجامعة الأردنية الثلاثاء.
تاريخيا، تزامنت مثل هذه الأحداث مع قرارات هامة على المستوى الوطني، بحيث بات مفهوما بأن الاعتقالات تمهد أو تتزامن مع خطوات يريد صانع القرار الحكومي بأن تمر دون ضجيج.
وعليه فالاعتقال السياسي كأسلوب رئيسي في إدارة الشأن العام يهدف إلى ترهيب الرأي العام، ومحاولة تأطير حرية التعبير ضمن سقوف يحددها المستوى الأمني وفقا لرؤيته لمتطلبات المرحلة.
وهكذا، فالمقصود تحذير القوى السياسية من مغبة التمادي في نقد قرارات رسمية اتخذت أو في صدد الاتخاذ قريبا، وزيادة حالة اليقظة أو قل الخوف لدى الرأي العام ككل.
وهنا يجدر التنويه إلى أن الاعتقالات تهدف من بين ما تهدف اليه تحويل الأنظار عن القضايا الأساسية، وجر القوى المستهدفة إلى تركيز جهودها على أولوية الإفراج عن معتقليها.
ولأن الشأن الداخلي يتقاطع مع الشأن الخارجي في عالم اليوم، وبشكل خاص في الحالة الأردنية، فللاعتقالات فوائد أخرى لصانع القرار الأمني إذ تستخدم كنوع من الرسائل ذات المغزى، وفي هذا الصدد يتذكر معتقلون سياسيون بعيد أحداث 11 سبتمبر 2001، كيف كانوا يجبرون على ارتداء زي خاص وتعليق كلمة إرهابي على صدورهم، ويجري تصويرهم بتلك الهيئة.
وفي بعض المحطات السالفة استخدم الاعتقال كوسيلة للابتزاز وكجزء من لعبة العصا والجزرة مع القوى الرئيسية المعارضة، هذا فضلا عن ما تنطوي عليه الاعتقالات من أهداف تتعلق بمعاقبة الأشخاص المعنيين.
الحق بأن المستوى الأمني نجح في كثير من المحطات في تحقيق مراده من خلال الاعتقال السياسي، فلطالما كانت أهداف الاعتقال تتحقق وفي النهاية يتم الإفراج عن الأشخاص المعتقلين لتبدأ احتفالات ذويهم ومن خلفهم من جهات سياسية ونقابية بالإنجاز.
القصة إذن بمثابة إبر مهدئة أو قل مخدرة تستلزمها المرحلة، وهنا يجب التنبه إلى أن العقل الأمني المصمم لتلك الحملات يقصد التوتير عن سبق الإصرار والترصد.
ومن الملاحظ ذلك الترابط الجديد بين الاعتقالات وتهم الإرهاب، بما يبعث برسالة واضحة مفادها إياكم من نقد مشاركة الأردن في التحالف الدولي ضد الإرهاب، فمن يحاول بل من يفكر فقانون منع الإرهاب جاهز والتهم معلبة.
لكن، إذا كان الأردن بصدد خطوة جديدة في ملاحقة ما يوصف بالإرهاب، فهل الطريق لإقناع الرأي العام يمر إجباريا من خلال وسم أفراد أو مكونات سياسية بالإرهاب، أو كما يقول بعضهم "هل محاربة داعش تستلزم تدعيش أفراد أردنيين؟".
السؤال برسم إجابة الجهات الرسمية، التي طالما استخدمت ذات الأسلوب منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001 ، مرورا بتفجيرات الفنادق 2005 ، والكثير من المحطات اللاحقة، عندما كانت القرارات تتناقض إلى حد كبير مع الإرادة الشعبية.
نعم، لقد اعترضت بعض القوى على مشاركة الأردن في الحرب على الإرهاب، لكنها كلها وفي مقدمتها الحركة الإسلامية لا ترحب بالإرهاب ولا ترى مستقبلا زاهرا للمنطقة بتمدد "داعش" وأخواتها.
وعلى الأرجح فإن الموقف الشعبي الأردني بل والعربي لا يرحب بـ"داعش" وأخواتها كذلك، وهذا ما دللت عليه نتائج استطلاع مركز الدراسات الإستراتيجية ، واستطلاع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات –أعلن اليوم- وأشارت نتائجه إلى أن 85 بالمئة يؤيدون ضربات التحالف الجوية ضد تنظيم " الدولة الاسلامية في العراق والشام"(داعش).
وعليه فهناك طريق اقصر من ترهيب الرأي العام، وهو التفاهم مع القوى السياسية على خطة العمل المقبلة، حتى لو رفض بعضها تغيير الخطاب لاعتبارات كثيرة فلن يرفض فكرة التوافق على الوقوف في وجه مخاطر المرحلة.
أما إذا ما رفضت الحكومة استيعاب معارضيها، وذهب المستوى الأمني إلى المضي قدما في تجاهل الآخرين وتكرار الوصفات القديمة، عندها على القوى المعارضة أن تفكر في وقف ما يجري ليس بملاحقة خطوات السلطة العقابية فحسب، بل الاشتباك مع الخطاب الرسمي وجعل مهمة تمرير القرارات أكثر صعوبة حتى يعود القوم إلى رشدهم، ويفهموا بأن هنالك لغة أكثر تحضرا من تجريم الخصوم السياسيين وتهميشهم واعتقال الناشطين.
قبلها بنحو شهر وجه مدعي عام محكمة أمن الدولة تهمة مناهضة النظام والتحريض عليه للقيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد سعيد، وإطالة اللسان لكل من الناشطين محمد السنيد وعدنان الهواوشة.
ويبدو أن مسلسل الاعتقالات ما يزال مستمرا، ففجر اليوم اعتقلت الأجهزة الأمنية الناشط النقابي مصعب البوريني .
ويحصي ناشطو الحراك الأردني 14 معتقلا بتهم سياسية تتعلق بإبداء الرأي، وهو ما يؤكد وجود سياسة جديدة أو استعادة آليات ما قبل "الربيع العربي" في التعامل مع المعارضين.
يحدث هذا بالتزامن مع عودة "السياسات الخشنة" في التعامل حتى مع المطالب غير السياسية، كالاعتراض على رفع الرسوم الجامعية، كما جرى لدى تفريق اعتصام الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا" أمام الجامعة الأردنية الثلاثاء.
تاريخيا، تزامنت مثل هذه الأحداث مع قرارات هامة على المستوى الوطني، بحيث بات مفهوما بأن الاعتقالات تمهد أو تتزامن مع خطوات يريد صانع القرار الحكومي بأن تمر دون ضجيج.
وعليه فالاعتقال السياسي كأسلوب رئيسي في إدارة الشأن العام يهدف إلى ترهيب الرأي العام، ومحاولة تأطير حرية التعبير ضمن سقوف يحددها المستوى الأمني وفقا لرؤيته لمتطلبات المرحلة.
وهكذا، فالمقصود تحذير القوى السياسية من مغبة التمادي في نقد قرارات رسمية اتخذت أو في صدد الاتخاذ قريبا، وزيادة حالة اليقظة أو قل الخوف لدى الرأي العام ككل.
وهنا يجدر التنويه إلى أن الاعتقالات تهدف من بين ما تهدف اليه تحويل الأنظار عن القضايا الأساسية، وجر القوى المستهدفة إلى تركيز جهودها على أولوية الإفراج عن معتقليها.
ولأن الشأن الداخلي يتقاطع مع الشأن الخارجي في عالم اليوم، وبشكل خاص في الحالة الأردنية، فللاعتقالات فوائد أخرى لصانع القرار الأمني إذ تستخدم كنوع من الرسائل ذات المغزى، وفي هذا الصدد يتذكر معتقلون سياسيون بعيد أحداث 11 سبتمبر 2001، كيف كانوا يجبرون على ارتداء زي خاص وتعليق كلمة إرهابي على صدورهم، ويجري تصويرهم بتلك الهيئة.
وفي بعض المحطات السالفة استخدم الاعتقال كوسيلة للابتزاز وكجزء من لعبة العصا والجزرة مع القوى الرئيسية المعارضة، هذا فضلا عن ما تنطوي عليه الاعتقالات من أهداف تتعلق بمعاقبة الأشخاص المعنيين.
الحق بأن المستوى الأمني نجح في كثير من المحطات في تحقيق مراده من خلال الاعتقال السياسي، فلطالما كانت أهداف الاعتقال تتحقق وفي النهاية يتم الإفراج عن الأشخاص المعتقلين لتبدأ احتفالات ذويهم ومن خلفهم من جهات سياسية ونقابية بالإنجاز.
القصة إذن بمثابة إبر مهدئة أو قل مخدرة تستلزمها المرحلة، وهنا يجب التنبه إلى أن العقل الأمني المصمم لتلك الحملات يقصد التوتير عن سبق الإصرار والترصد.
ومن الملاحظ ذلك الترابط الجديد بين الاعتقالات وتهم الإرهاب، بما يبعث برسالة واضحة مفادها إياكم من نقد مشاركة الأردن في التحالف الدولي ضد الإرهاب، فمن يحاول بل من يفكر فقانون منع الإرهاب جاهز والتهم معلبة.
لكن، إذا كان الأردن بصدد خطوة جديدة في ملاحقة ما يوصف بالإرهاب، فهل الطريق لإقناع الرأي العام يمر إجباريا من خلال وسم أفراد أو مكونات سياسية بالإرهاب، أو كما يقول بعضهم "هل محاربة داعش تستلزم تدعيش أفراد أردنيين؟".
السؤال برسم إجابة الجهات الرسمية، التي طالما استخدمت ذات الأسلوب منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001 ، مرورا بتفجيرات الفنادق 2005 ، والكثير من المحطات اللاحقة، عندما كانت القرارات تتناقض إلى حد كبير مع الإرادة الشعبية.
نعم، لقد اعترضت بعض القوى على مشاركة الأردن في الحرب على الإرهاب، لكنها كلها وفي مقدمتها الحركة الإسلامية لا ترحب بالإرهاب ولا ترى مستقبلا زاهرا للمنطقة بتمدد "داعش" وأخواتها.
وعلى الأرجح فإن الموقف الشعبي الأردني بل والعربي لا يرحب بـ"داعش" وأخواتها كذلك، وهذا ما دللت عليه نتائج استطلاع مركز الدراسات الإستراتيجية ، واستطلاع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات –أعلن اليوم- وأشارت نتائجه إلى أن 85 بالمئة يؤيدون ضربات التحالف الجوية ضد تنظيم " الدولة الاسلامية في العراق والشام"(داعش).
وعليه فهناك طريق اقصر من ترهيب الرأي العام، وهو التفاهم مع القوى السياسية على خطة العمل المقبلة، حتى لو رفض بعضها تغيير الخطاب لاعتبارات كثيرة فلن يرفض فكرة التوافق على الوقوف في وجه مخاطر المرحلة.
أما إذا ما رفضت الحكومة استيعاب معارضيها، وذهب المستوى الأمني إلى المضي قدما في تجاهل الآخرين وتكرار الوصفات القديمة، عندها على القوى المعارضة أن تفكر في وقف ما يجري ليس بملاحقة خطوات السلطة العقابية فحسب، بل الاشتباك مع الخطاب الرسمي وجعل مهمة تمرير القرارات أكثر صعوبة حتى يعود القوم إلى رشدهم، ويفهموا بأن هنالك لغة أكثر تحضرا من تجريم الخصوم السياسيين وتهميشهم واعتقال الناشطين.