jo24_banner
jo24_banner

ألا تملوا الحديث عن اليورانيوم؟

د. ايوب ابو دية
جو 24 : يعرف الجميع بأنه كان من المفترض أن يبدأ الأردن في إنتاج الكعكة الصفراء هذا العام 2012، وقد تم توقيع اتفاقية استكشاف اليورانيوم التي تحولت فيما بعد إلى اتفاقية تعدين لخامات اليورانيوم في الأردن ومنذ عام 2009 بإشراف أريفا الفرنسية، وقد قامت الشركة بعمليات الاستكشاف خلال السنوات الثلاث الماضية وأنفقت ما يزيد عن 20 مليون دولار حيث خلصت الشركة وبموجب تقريرها في منتصف عام 2011 بأن خامات اليورانيوم في الأردن من الأنواع متدنية التركيز وليس هناك من جدوى لاستغلالها بشكل تجاري.
لم يعجب الأمر هيئة الطاقة الذرية الأردنية، فقامت بالتعاقد مع شركة بريطانية مختصة في عمليات التدقيق وحساب الكميات للخامات الطبيعية SRK، حيث كانت نتائج تدقيقها متقاربة مع ما خلصت إليه شركة أريفا نفسها، عندها قامت أريفا بوقف العمل في الاستكشاف تمهيداً لإلغاء الاتفاقية التي كانت تشترط وجود احتياطي يورانيوم لا يقل عن 20 ألف طن بحد قطع أدنى مقداره 250 جزء من مليون كي يتسنى لشركة أريفا بالاستمرار في عملها وتعدين اليورانيوم.
ذكر رئيس الهيئة أن الكميات المتوافرة من اليورانيوم هي 7000 طن بتركيز 165 جزء بالمليون أو 70,000 طن بتركيز 105 جزء بالمليون وأنها كميات قابلة للتعدين تجارياً. علماً بأن الغد نشرت بقلم رهام زيدان تصريحات رئيس هيئة الطاقة الذرية بأن فرق شركة التعدين توصلت إلى إثبات كمية 40 ألف طن عند حد قطع 94 جزء بالمليون واعتبرتها نسباً مجدية اقتصادياً، علماً بأنه كان صرح بتاريخ 19/7/2009 أن معدل التراكيز في وسط الأردن 500 جزء بالمليون بكميات تتجاوز 70 ألف طن. وتكررت تصريحات مماثلة بتاريخ 5/7/2011 وبتاريخ 8/8/2011.
إن التلويث الناجم عن تعدين اليورانيوم كارثة بيئية وبخاصة السطحي منه؛ فكلما تدنى التركيز زادت نواتج التربة المشعة حجماً حيث ينجم عن تعدين طن واحد من اليورانيوم لإنتاج الكعكة الصفراء عند تركيز 105 جزء بالمليون نحو عشرة آلاف طن تربة مشعة، وفيما يبلغ ثمن الطن الواحد من الكعكة الصفراء في السوق العالمي 89,000 دولار فإن العشرة آلاف طن من النفايات بحاجة إلى مئة آلف دولار لمعالجته وفق أحدث الدراسات. وإذا أضفنا تكلفة المصنع التي يقترب من مليار دولار فإنها تجارة خاسرة وكارثة بيئية لعقود قادمة.
وإذا قارنا تلك الأرقام المزعومة بمنجم ناميبيا الذي أوقفت أريفا إنتاجه لغاية عام 2016 فإن الكميات الموجودة وفق تصريحات رئيس الهيئة وعند تركيز 165 جزء بالمليون هي 7000 طن، فإن ما يوجد لدينا بتراكيز مماثلة لمنجم تريكوبي في ناميبيا (340 جزء بالمليون) لن يتعدى 100 طن. لذلك فإن المشروع الاقتصادي الناجح لليورانيوم في الأردن هو إبقائه في أرضه وطمر الخنادق وحفر التفتيش والآبار السبرية التي فتحت (بعد تنظيفها من الأغبرة وعزلها مائياً كيلا تلوث المياه الجوفية) لأنها ما تزال مكشوفة كما علمنا ومن دون حماية.
يبدو أن كل الصحفيين قد أسأوا فهم رئيس الهيئة وليس فقط نشوى الخالدي لأنهم صرحوا على لسانه بكميات متنوعة ومتباينة وبتراكيز متفاوتة. كذلك الحال بالنسبة لسعر الكيلواط ساعة من الكهرباء النووية التي قال عنها رئيس الهيئة أنها سوف تكلفنا عشرة سنت (أي 7 قروش) بينما صرحت الصحف بتاريخ 31/10/2013 (الدستور وبترا) بخمسة قروش على لسان رئيس الهيئة وبتاريخ 10/11/2013 عشرة قروش كما نشرت في "الغد".
وفي حين نجد أن نسبة تركيز اليورانيوم الأردني الذي يتم تداول كميات للتعدين على أسس تجارية هو أقل من مئة جزء بالمليون فإن التراكيز في بعض دول العالم بالآلاف وفي كندا تحديداً تبلغ معدل 150 ألفاً، إلا أن الهيئة ادعت بأنه قد تم فسخ الاتفاقية مع شركة أريفا بسبب عدم قدرة أريفا على تحديد احتياطي اليورانيوم بشكل دقيق بسبب اعتمادها على قياسات الراديومتري بدل التحاليل الكيميائية فضلا عن تجاوزها الفترة الزمنية المقررة لتسليم التقارير اللازمة عن احتياطي اليورانيوم في الأردن، علماً بأن الشركة قد قامت بحفر أكثر من 5000 بئر استكشافي وتحليل الآف العينات لتحديد احتياطي اليورانيوم وانتهت الى اتخاذ قرار بوقف العمل.
فهل يعقل بأن شركة أريفا الفرنسية ذات الخبرة الطويلة في استكشاف وتعدين اليورانيوم وبناء المفاعلات الذرية، وبعد 3 سنوات من العمل وإنفاق ما يزيد عن 20 مليون دولار من جيبها الخاص أن تقوم بالانسحاب من الاتفاقية بهذه السهولة، وبخاصة إذا كان هناك بصيص أمل بإيجاد كميات تجارية من اليورانيوم؟
لماذا لم تقم الحكومة الأردنية بتنفيذ الشروط الجزائية على شركة أريفا بسبب تجاوزها بنود الاتفاقية إذا كان إدعاء هيئة الطاقة الذرية صحيحاً؟
تأسست شركة يورانيوم مناجم روسنغ Rossing في ناميبيا، عام 1970 من تكتل رباعي من شركة Rio Tinto ولها فيه نصيب الأسد، والباقي لإيران وجنوب إفريقيا، وفقط حصة 3 % فقط للحكومة الناميبية. وقد شرعت هذه المجموعة في إنتاج أكسيد اليورانيوم منذ عام 1976، ويعتبر منجم روسنغ من أضخم المناجم المفتوحة سطحياً في العالم، حيث ينتج نحو 4000 طن من اليورانيوم سنوياً، ولكن إنتاجها كان قد انخفض مؤخراً بعد أن قارب إنتاج المنجم الكلي من مئة ألف طن لغاية نهاية عام 2010. ويمكننا الآن ملاحظة الفارق بين المنجم الناميبي هذا ومناجم اليورانيوم عندنا التي ربما تعطينا أقل من إنتاج سنة واحدة عند حد قطع مماثل لذلك في منجم روسنغ في ناميبيا.
أما في عام 2011 فأنتج المنجم الناميبي ما مقداره 1822 طناً فقط، وذلك لانخفاض سعر اليورانيوم عالمياً وانخفاض الطلب عليه بعد كارثة فوكوشيما بتاريخ 11/3/2011، أما احتياطي المنجم المتبقي المحتمل فهو 51800 طن عند تركيز 310 جزء بالمليون؛ وهي تعتبر تركيزات فقيرة نسبياً، لأن ناميبيا هي رابع أكبر منتج لليورانيوم بعد كندا وأستراليا وكازاخستان.
وفي نهاية عام 2008 حددت الشركة أن ما يتواجد في منجم روسنغ من معدن اليورانيوم هو 65000 طن عند حد قطع 340 جزء بالمليون، لاحظوا حجم الكمية المتبقية وتركيزها مقارنة بكميات اليورانيوم الأردني (7000 طن) وتركيزه (165 جزءاً بالمليون) فأوقفت العمل في المنجم لغاية عام 2016.
ولكن القصة تزداد غموضاً وتعقيداً في مناجم تريكوبجي Trekkopie الناميبية حيث قررت شركة أريفا تعليق العمل فيها لغاية عام 2016 مترقبة أسعار اليورانيوم أن ترتفع، علماً بأن حجم استثمار أريفا هناك في المنجم يبلغ مليار دولار أمريكي.
فضلاً عن ذلك فقد صرح المدير الإداري لشركة أريفا السيد لوك أورسل Luc Oursel أن تقديرات الشركة في البداية كانت 45200 طن، ثم ما لبث أن صرحت الشركة عن كمية 26000 طن فقط في تقديرات لاحقة، وهذا هو تماماً ما حدث عندنا، فقد شرعوا يتحدثون عن عشرات الآلاف من الأطنان ثم عادوا ليخبرونا عن 14500 طن قابلة للزيادة مع "حبة بركة" إذا اتفقنا " أن الشمس سوف تشرق غداً"! وبالرغم من ذلك فقد قررت الشركة في ناميبيا التوقف عن العمل إلى حين ارتفاع أسعار اليورانيوم عالمياً!
وقد انسحبت الصين، من المشروع، من خلال تمثيل شركة نووية معروفة في انحاء العالم: China Guangdong Nuclear، بالرغم من توقيع مذكرة تفاهم لاستثمار 49 % من المنجم، وذلك بعد أن اتضح أن المشروع لم يحقق أي نجاح اقتصادي يذكر.
كذلك أوقفت أريفا العمل في مصنع Eagle Rock لتخصيب اليورانيوم في أيداهو Idaho بالولايات المتحدة الأمريكية في سياق إعادة الهيكلة، علماً بأن تكلفة المصنع تناهز 3 مليار دولار أمريكي.
ومهما يكن من أمر فإننا نتساءَل: ماذا أفاد الشعب الناميبي من تعدين اليورانيوم والألماس والذهب منذ عام 1976؟
الفقر والجوع وعدم المساواة الاجتماعية وعدم الإنصاف، بالرغم من ارتفاع نسبة الدخل الفرد سنوياً، ولكنها لا تتعدى المعدلات في الأردن حالياً إلا قليلاً، وتتفاوت معدلات الدخل من منطقة إلى أخرى على نحو عظيم هي الأكثر تفاوتاً في العالم وتأتي دليلاً على عدم الإنصاف في توزيع الثروة وبدلات العمل؛ فضلاً عن أن نسبة البطالة في ناميبيا بلغت 51.2% عام 2008، ولذلك تربعت دولة "مناجم اليورانيوم" عند رقم 192 في العالم حسب موقع وكالة الاستخبارات الأمريكية، أي أنها باتت من أكثر الدول تأزماً في العالم. لقد غدت ناميبيا تتموضع بجوار زيمبابوي الإفريقية، وهي آخر الدول على الجدول عند رقم 199، حيث نسبة البطالة 95%.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير