حوارية الطرشان!
د. ايوب ابو دية
جو 24 : الحوار الذي أجراه حيدر القماز مع رئيس هيئة الطاقة الذرية والمنشور في الرأي عدد الثلاثاء الموافق 20 تشرين الأول 2015 وردا على مقالة عصام قضماني في اليوم الذي تلاه نجد أنفسنا وقدعدنا بعد زمن من الهدوء والسكينة إلى صخب جديد حول مخزونات اليورانيوم في المملكة والتي تنوعت مسمياتها واختلفت كمياتها من شهر إلى آخر حيث لقبت بالمخزون الكبير بتاريخ 25/11/2007 فيما صرحت الهيئة بتراكيز 500 جزء بالمليون وبكميات تتجاوز 70 ألف طن بتاريخ 19/7/2009 وأمام مجلس النواب السادس عشر قيل 12500 طن علماً بأنه نشرت تصريحات رئيس هيئة الطاقة الذرية بأن فرق شركة التعدين توصلت إلى إثبات كمية 40 ألف طن عند حد قطع 94 جزء بالمليون واعتبرتها نسباً مجدية اقتصادياً، وتكررت تصريحات مماثلة بتاريخ 5/7/2011 وبتاريخ 8/8/2011.
وإذا قارنا تلك الأرقام المزعومة بمنجم ناميبيا الذي أوقفت أريفا إنتاجه لغاية عام 2016 فإن الكميات الموجودة لدينا بتراكيز مماثلة لمنجم تريكوبي في ناميبيا (340 جزء بالمليون) لن يتعدى 100 طن. لذلك فإن المشروع الاقتصادي الناجح لليورانيوم في الأردن هو إبقائه في أرضه وطمر الخنادق وحفر التفتيش والآبار السبرية التي فتحت (بعد تنظيفها من الأغبرة وعزلها مائياً كيلا تلوث المياه الجوفية) لأنها ما تزال مكشوفة كما علمنا ومن دون حماية. واليوم يطل علينا رئيس الهيئة بالقول إن مخزون اليورانيوم استراتيجي؛ ولماذا هو استراتيجي؟ يقول: "لأنها سوف تعزز أمن التزود بالوقود النووي وتعطي الأردن الاستقلالية في مجال توليد الطاقة".
فبعد غياب عدنا إلى "تفسير الماء بالماء" وكأن شيئاً لم يكن، فنحن لغاية الآن لم نفهم معنى هذا الاستراتيجي! هل هو استراتيجي لأنه بكميات كبيرة أم لأنه بتراكيز عالية أم لأنه يحقق أمن الطاقة؟ إذ نعتقد أن هذه التصريحات جميعها غير دقيقة حيث أن التراكيز متدنية والكميات المتوافرة غير تجارية وسوق اليورانيوم في العالم قد هوى بعد كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011 حيث بلغ 38 دولاراً للرطل الواحد بعد أن وصل إلى 138 دولاراً عام 2007؛ بمعنى أن ثمن 20,000 طن في السوق لا يتجاوز مليار دينار وأن تكلفة تعدينه تتجاوز ذلك. ثم كيف سوف تعزز هذه المخزونات من التزود بالوقود النووي فيما يتم التخصيب خارج الأردن، وبالتالي كيف يمكن أن يحقق أي نوع من الأمن بالتزود بالوقود؟ وبخاصة في ظل احتمالية توتر العلاقات مع روسيا التي نعتمد عليها في تخصيب اليورانيوم وتحديدا بعد تدخلها في سوريا.
يبدو أن ما هو جديد في خطاب رئيس الهيئة هو أنه يعترف أن المعارضين المحليين لهم الحق في إبداء الرأي وفق ما يرونه مناسباً (وهو تأكيد على اغفال الطرف الآخر)، ولكن للمرة الأولى بات يفصل ما بين المعارضة المحلية والمعارضة الخارجية واعتبر أن المعارضة المحلية وطنية ولها الحق في الاعتراض، وهو على صواب لأنه قد اتضح أن كل المحاور التي ناقشتها المعارضة المحلية كانت محاور دقيقة وموضوعية وواقعية بدليل أن الهيئة قد استمعت إلى بعضها وتعلمت منها وحاولت أن تصحح الكثير من أخطائها، لذلك فإننا في المعارضة الوطنية الأردنية للمشروع النووي نعتبر أنها رسالة شكر وتقدير لجهودنا ونحن نتقبلها بصدر رحب، ولكن ما زالت هناك خطوات غير علمية تنتهجها الهيئة وأهمها انعدام الشفافية والتسرع ومركزية القرار في المشروع النووي الأردني.
ومن الطريف أن مقالة في صحيفة الرأي في اليوم التالي الأربعاء 21/10/2015 وتحت عنوان "الطاقة النووية: مشروع دولة" تؤكد على أن معارضي المشروع النووي المحليين يمثلون "معارضة رشيدة"، وفي المقال عينه يتحدث الكاتب عن "معارضة نقية" لها أسبابها الاقتصادية والبيئية؛ وهذا جميل أيضاً وله دلالة واضحة على أن كل الاتهامات السابقة للمعارضة كانت باطلة؛ وهذا يستدعي الاعتذار العلني لأن كل المقولات السابقة المسيئة للمعارضة موثقة بما يكفي. ولكننا هنا لسنا في صدد المطالبة بالاعتذار فكل ما نريده هو أن نناقش فكرة الكاتب في أن إسرائيل تعارض المشروع النووي الأردني، لأنها فكرة سخيفة بحد ذاتها فهل يظن الكاتب أو غيره أن إسرائيل لا تستطيع التأثير على الأردن من هذا الباب؟ ثم لو افترضنا أننا نريد أن نعارض إسرائيل الرأي، فلا بأس بل يشرفنا ذلك، ولكن ألا تعتقد أيها الكاتب الاقتصادي النابه أنه إذا كانت إسرائيل حقاً تعارض هذا المشروع فإننا نضع عشرات المليارات من استثماراتنا رهن صاروخ حاقد واحد عندما ينتهي المشروع. أليس ذلك سوى انتحار اقتصادي وبيئي وسياسي أيضاً؟
وأخيراً نلاحظ أن الكاتب الاقتصادي يتحدث أن هناك حاجة لتوفير مصادر ذاتية تقلل من الاعتماد على الاستيراد 100%! إذ يبدو أن هذا الكاتب لا يعلم حقيقة أن الطاقة النووية ليس مخطط لها بإستراتيجية الطاقة أن تتجاوز 6% من خليط الطاقة، فكيف، إذا، يمكنها أن تحررنا من الاعتماد على الاستيراد بنسبة 100%؟
أفصح رئيس الهيئة في الحوارية موضوع الرد أن البرنامج النووي الأردني يقوم على محاور رئيسة ثلاثة وهي استخلاص اليورانيوم والمفاعل النووي البحثي والمحطات النووية ونقول أننا كنا منذ البداية مع المفاعلات النووية البحثية طالما أنها كانت تسير وفق خطى ثابتة وعلمية وتخضع لمراقبة حثيثة وتنسجم مع توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث فالمخالفات كانت عديدة وتجاهلت موافقة السكان المحليين وعدم اكتمال دراسات الجدوى الاقتصادية ودراسات تقييم الأثر البيئي التي تم طبخها بسرعة. ولكننا بأي حال من الأحوال لا نعارض الفكرة التي من ورائها التدريب والبحث لتوطين العلوم النووية في الأردن. أما فيما يتعلق بتراكيز اليورانيوم واحتياطي اليورانيوم فعدنا للتخبط وعدم الوضوح فيما يتعلق بعلاقة كميات اليورانيوم بالتراكيز علماً بأن هذا الموضوع قد حسم من وجهة نظرنا عندما تركت الشركة الفرنسية أريفا حقوقها في الأردن نتيجة عدم وجود الكميات المتفق عليها بالتراكيز التي كان ينبغي أن لا تقل عن 250 جزء بالمليون. فما معنى الحديث اليوم عن تراكيز أقل من ذلك وبخاصة في ضوء انخفاض أسعار اليورانيوم عالمياً إلى مستويات وصلت إلى ثلث الأسعار التي كانت عليه في عام 2008 بل حتى أقل من ذلك. وعدنا مرة أخرى للحديث عن بطولات فريق العمل في المشروع الذي استخلص الكعكة الصفراء بالغرامات وهذا فعلاً مسألة مضحكة لأننا نعيد اكتشاف العجلة من جديد وهو هدر للأموال التي تنفق على هكذا تجارب بديهية التي يمكن عملها في أي مختبر متواضع.
ومن اللافت كذلك في الحوارية إن تصريح رئيس الهيئة أنه يعمل الآن على طرح عطاءات لدراسات سوق الكهرباء على مستوى المنطقة ودراسات قدرة الشبكة الكهربائية على ضمان استقرارها وتحملها للحمل الكهربائي الناجم عن المحطات النووية وغيرها من عطاءَات، والغريب أننا نقرر أننا سوف نمضي قدما في المشروع النووي وما زلنا لم نطرح هذه العطاءات بعد، فهل تتم دراسة الجدوى الاقتصادية قبل أن يبدأ المشروع أم بعده؟ يبدو أننا في الأردن نمضي قدماً بهذه المشاريع ومن ثم نفكر ونبحث عن سوق لهذه الكهرباء التي سوف تفيض عن حاجاتنا!
كذلك قرر رئيس الهيئة أن دراسات الموقع قد حققت تقدماُ كبيراً فيما يتعلق باختيار موقع قصير عمره وأنهم سيقومون بتركيب أبراج لرصد سرعات الرياح ودرجات الحرارة والرطوبة والنشاطات الزلزالية. فكم من السنوات سنحتاج إلى هذا الرصد؟ وهل نضحي بمواقع اثرية بلغت 97 موقعا تقع في دائرة نصف قطرها 25 كيلومترا عن المفاعل وعلى راسها قصير عمره الذي لا يبعد سوى 1800 متر عن الموقع المقترح؟
إن الكثير من المواقع النووية التي تم اختيارها في العالم قد احتاجت إلى عشرات السنين لدراسة أهلية هذه المواقع لإقامة مواقع مفاعلات نووية عليها كمفاعل مونجو الياباني الذي استغرقت الدراسة 15 سنة (1970 – 1985) فمن العجيب أن هذه الأمور تتم عندنا في سياق الإصرار على إقامة المشروع أولاً بالرغم من أن هذه الدراسات لم تنته بعد. كما نعمل على خط مواز لزيادة كمية المياه المعالجة من خربة السمرا لتزويد المفاعل بها؛ وقد صرح رئيس الهيئة أن مجلس الوزراء قد وافق على تزويده بـ 30 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وبما أن هذا المشروع يحتاج إلى ضعف هذه الكمية على الأقل (باستثناء حالة الحوادث حيث يحتاج إلى كميات مياه لا محدودة) فإن هناك مبالغ إضافية سوف تترتب على ذلك لحفر الآبار وتخزين المياه وجرها وما إلى ذلك. وهذه الأموال إذا ما وزعناها على معالجة المياه ونقلها وحفر الآبار ورفع كفاءة الشبكة الكهربائية والطرق وغيرها تصل في مجموعها إلى أكثر من مليار دينار أردني. وفي هذا السياق أيضاً فإن التمويل لهذا المشروع مازال جارياً على قدم وساق مع الصينيين والروس ونحن لم نتخذ قراراً بعد بأن هذا الموقع مناسب أم لا، أو أن هذه الشبكة قادرة على تحمل هذا الحمل أو أن هناك أسواقاً لبيع هذه الكهرباء؟ فهل يعقل أن نسير بهذه السرعة فيما بدأت الدول المجاورة كتركيا ومصر وإيران منذ منتصف السبعينيات في تنظيم أمورها لانطلاق المشاريع النووية فلماذا نحن على هذه العجلة من أمرنا على هذه الوتيرة؟
ختاماً نقول إن أي حوارية لا يمكن وسمها كذلك إلا إذا كان هناك طرفان يتحاوران على أسس واضحة وسوية مهما اختلفت المرجعيات، لأن الهدف النهائي من الحوار المصلحة الوطنية التي لا يمكن ان تتحقق في ظل الرؤية الشمولية أحادية المنظور.
وإذا قارنا تلك الأرقام المزعومة بمنجم ناميبيا الذي أوقفت أريفا إنتاجه لغاية عام 2016 فإن الكميات الموجودة لدينا بتراكيز مماثلة لمنجم تريكوبي في ناميبيا (340 جزء بالمليون) لن يتعدى 100 طن. لذلك فإن المشروع الاقتصادي الناجح لليورانيوم في الأردن هو إبقائه في أرضه وطمر الخنادق وحفر التفتيش والآبار السبرية التي فتحت (بعد تنظيفها من الأغبرة وعزلها مائياً كيلا تلوث المياه الجوفية) لأنها ما تزال مكشوفة كما علمنا ومن دون حماية. واليوم يطل علينا رئيس الهيئة بالقول إن مخزون اليورانيوم استراتيجي؛ ولماذا هو استراتيجي؟ يقول: "لأنها سوف تعزز أمن التزود بالوقود النووي وتعطي الأردن الاستقلالية في مجال توليد الطاقة".
فبعد غياب عدنا إلى "تفسير الماء بالماء" وكأن شيئاً لم يكن، فنحن لغاية الآن لم نفهم معنى هذا الاستراتيجي! هل هو استراتيجي لأنه بكميات كبيرة أم لأنه بتراكيز عالية أم لأنه يحقق أمن الطاقة؟ إذ نعتقد أن هذه التصريحات جميعها غير دقيقة حيث أن التراكيز متدنية والكميات المتوافرة غير تجارية وسوق اليورانيوم في العالم قد هوى بعد كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011 حيث بلغ 38 دولاراً للرطل الواحد بعد أن وصل إلى 138 دولاراً عام 2007؛ بمعنى أن ثمن 20,000 طن في السوق لا يتجاوز مليار دينار وأن تكلفة تعدينه تتجاوز ذلك. ثم كيف سوف تعزز هذه المخزونات من التزود بالوقود النووي فيما يتم التخصيب خارج الأردن، وبالتالي كيف يمكن أن يحقق أي نوع من الأمن بالتزود بالوقود؟ وبخاصة في ظل احتمالية توتر العلاقات مع روسيا التي نعتمد عليها في تخصيب اليورانيوم وتحديدا بعد تدخلها في سوريا.
يبدو أن ما هو جديد في خطاب رئيس الهيئة هو أنه يعترف أن المعارضين المحليين لهم الحق في إبداء الرأي وفق ما يرونه مناسباً (وهو تأكيد على اغفال الطرف الآخر)، ولكن للمرة الأولى بات يفصل ما بين المعارضة المحلية والمعارضة الخارجية واعتبر أن المعارضة المحلية وطنية ولها الحق في الاعتراض، وهو على صواب لأنه قد اتضح أن كل المحاور التي ناقشتها المعارضة المحلية كانت محاور دقيقة وموضوعية وواقعية بدليل أن الهيئة قد استمعت إلى بعضها وتعلمت منها وحاولت أن تصحح الكثير من أخطائها، لذلك فإننا في المعارضة الوطنية الأردنية للمشروع النووي نعتبر أنها رسالة شكر وتقدير لجهودنا ونحن نتقبلها بصدر رحب، ولكن ما زالت هناك خطوات غير علمية تنتهجها الهيئة وأهمها انعدام الشفافية والتسرع ومركزية القرار في المشروع النووي الأردني.
ومن الطريف أن مقالة في صحيفة الرأي في اليوم التالي الأربعاء 21/10/2015 وتحت عنوان "الطاقة النووية: مشروع دولة" تؤكد على أن معارضي المشروع النووي المحليين يمثلون "معارضة رشيدة"، وفي المقال عينه يتحدث الكاتب عن "معارضة نقية" لها أسبابها الاقتصادية والبيئية؛ وهذا جميل أيضاً وله دلالة واضحة على أن كل الاتهامات السابقة للمعارضة كانت باطلة؛ وهذا يستدعي الاعتذار العلني لأن كل المقولات السابقة المسيئة للمعارضة موثقة بما يكفي. ولكننا هنا لسنا في صدد المطالبة بالاعتذار فكل ما نريده هو أن نناقش فكرة الكاتب في أن إسرائيل تعارض المشروع النووي الأردني، لأنها فكرة سخيفة بحد ذاتها فهل يظن الكاتب أو غيره أن إسرائيل لا تستطيع التأثير على الأردن من هذا الباب؟ ثم لو افترضنا أننا نريد أن نعارض إسرائيل الرأي، فلا بأس بل يشرفنا ذلك، ولكن ألا تعتقد أيها الكاتب الاقتصادي النابه أنه إذا كانت إسرائيل حقاً تعارض هذا المشروع فإننا نضع عشرات المليارات من استثماراتنا رهن صاروخ حاقد واحد عندما ينتهي المشروع. أليس ذلك سوى انتحار اقتصادي وبيئي وسياسي أيضاً؟
وأخيراً نلاحظ أن الكاتب الاقتصادي يتحدث أن هناك حاجة لتوفير مصادر ذاتية تقلل من الاعتماد على الاستيراد 100%! إذ يبدو أن هذا الكاتب لا يعلم حقيقة أن الطاقة النووية ليس مخطط لها بإستراتيجية الطاقة أن تتجاوز 6% من خليط الطاقة، فكيف، إذا، يمكنها أن تحررنا من الاعتماد على الاستيراد بنسبة 100%؟
أفصح رئيس الهيئة في الحوارية موضوع الرد أن البرنامج النووي الأردني يقوم على محاور رئيسة ثلاثة وهي استخلاص اليورانيوم والمفاعل النووي البحثي والمحطات النووية ونقول أننا كنا منذ البداية مع المفاعلات النووية البحثية طالما أنها كانت تسير وفق خطى ثابتة وعلمية وتخضع لمراقبة حثيثة وتنسجم مع توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث فالمخالفات كانت عديدة وتجاهلت موافقة السكان المحليين وعدم اكتمال دراسات الجدوى الاقتصادية ودراسات تقييم الأثر البيئي التي تم طبخها بسرعة. ولكننا بأي حال من الأحوال لا نعارض الفكرة التي من ورائها التدريب والبحث لتوطين العلوم النووية في الأردن. أما فيما يتعلق بتراكيز اليورانيوم واحتياطي اليورانيوم فعدنا للتخبط وعدم الوضوح فيما يتعلق بعلاقة كميات اليورانيوم بالتراكيز علماً بأن هذا الموضوع قد حسم من وجهة نظرنا عندما تركت الشركة الفرنسية أريفا حقوقها في الأردن نتيجة عدم وجود الكميات المتفق عليها بالتراكيز التي كان ينبغي أن لا تقل عن 250 جزء بالمليون. فما معنى الحديث اليوم عن تراكيز أقل من ذلك وبخاصة في ضوء انخفاض أسعار اليورانيوم عالمياً إلى مستويات وصلت إلى ثلث الأسعار التي كانت عليه في عام 2008 بل حتى أقل من ذلك. وعدنا مرة أخرى للحديث عن بطولات فريق العمل في المشروع الذي استخلص الكعكة الصفراء بالغرامات وهذا فعلاً مسألة مضحكة لأننا نعيد اكتشاف العجلة من جديد وهو هدر للأموال التي تنفق على هكذا تجارب بديهية التي يمكن عملها في أي مختبر متواضع.
ومن اللافت كذلك في الحوارية إن تصريح رئيس الهيئة أنه يعمل الآن على طرح عطاءات لدراسات سوق الكهرباء على مستوى المنطقة ودراسات قدرة الشبكة الكهربائية على ضمان استقرارها وتحملها للحمل الكهربائي الناجم عن المحطات النووية وغيرها من عطاءَات، والغريب أننا نقرر أننا سوف نمضي قدما في المشروع النووي وما زلنا لم نطرح هذه العطاءات بعد، فهل تتم دراسة الجدوى الاقتصادية قبل أن يبدأ المشروع أم بعده؟ يبدو أننا في الأردن نمضي قدماً بهذه المشاريع ومن ثم نفكر ونبحث عن سوق لهذه الكهرباء التي سوف تفيض عن حاجاتنا!
كذلك قرر رئيس الهيئة أن دراسات الموقع قد حققت تقدماُ كبيراً فيما يتعلق باختيار موقع قصير عمره وأنهم سيقومون بتركيب أبراج لرصد سرعات الرياح ودرجات الحرارة والرطوبة والنشاطات الزلزالية. فكم من السنوات سنحتاج إلى هذا الرصد؟ وهل نضحي بمواقع اثرية بلغت 97 موقعا تقع في دائرة نصف قطرها 25 كيلومترا عن المفاعل وعلى راسها قصير عمره الذي لا يبعد سوى 1800 متر عن الموقع المقترح؟
إن الكثير من المواقع النووية التي تم اختيارها في العالم قد احتاجت إلى عشرات السنين لدراسة أهلية هذه المواقع لإقامة مواقع مفاعلات نووية عليها كمفاعل مونجو الياباني الذي استغرقت الدراسة 15 سنة (1970 – 1985) فمن العجيب أن هذه الأمور تتم عندنا في سياق الإصرار على إقامة المشروع أولاً بالرغم من أن هذه الدراسات لم تنته بعد. كما نعمل على خط مواز لزيادة كمية المياه المعالجة من خربة السمرا لتزويد المفاعل بها؛ وقد صرح رئيس الهيئة أن مجلس الوزراء قد وافق على تزويده بـ 30 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وبما أن هذا المشروع يحتاج إلى ضعف هذه الكمية على الأقل (باستثناء حالة الحوادث حيث يحتاج إلى كميات مياه لا محدودة) فإن هناك مبالغ إضافية سوف تترتب على ذلك لحفر الآبار وتخزين المياه وجرها وما إلى ذلك. وهذه الأموال إذا ما وزعناها على معالجة المياه ونقلها وحفر الآبار ورفع كفاءة الشبكة الكهربائية والطرق وغيرها تصل في مجموعها إلى أكثر من مليار دينار أردني. وفي هذا السياق أيضاً فإن التمويل لهذا المشروع مازال جارياً على قدم وساق مع الصينيين والروس ونحن لم نتخذ قراراً بعد بأن هذا الموقع مناسب أم لا، أو أن هذه الشبكة قادرة على تحمل هذا الحمل أو أن هناك أسواقاً لبيع هذه الكهرباء؟ فهل يعقل أن نسير بهذه السرعة فيما بدأت الدول المجاورة كتركيا ومصر وإيران منذ منتصف السبعينيات في تنظيم أمورها لانطلاق المشاريع النووية فلماذا نحن على هذه العجلة من أمرنا على هذه الوتيرة؟
ختاماً نقول إن أي حوارية لا يمكن وسمها كذلك إلا إذا كان هناك طرفان يتحاوران على أسس واضحة وسوية مهما اختلفت المرجعيات، لأن الهدف النهائي من الحوار المصلحة الوطنية التي لا يمكن ان تتحقق في ظل الرؤية الشمولية أحادية المنظور.