وارزازاه !
د. ايوب ابو دية
جو 24 :
وأخيراً، تراجعت هيئة الطاقة الذرية الأردنية عن مشاريع المفاعلات الكبيرة لإنتاج الكهرباء وتعلمت من نصائح المعارضين للمشروع النووي، ولكن بعد انقضاء عشر سنوات من الكفاح الدؤوب لإيصال كلمتهم إلى الجمهور والمسؤولين. وتصرح الهيئة اليوم أنها تسعى إلى إنشاء مفاعل نووي صغير صيني المنشأ الذي لم يجرب بعد في الصين بما يكفي، وحسب قولها إن هذه المفاعلات "تمتاز بخصائص الأمان الذاتية وعدم إمكانية انصهار الوقود النووي عند الحوادث النووية". إذا هناك اعتراف واضح أن إمكانية الحوادث النووية موجودة، فبالله عليكم من الذي سوف يعوض الأردن عند حدوث هذه الكوارث عن مليارات الدولارات المهدورة، حيث أن الاتفاقات الدولية (باريس وفيينا) لا تشمل في تأمين هذه المفاعلات ثمن المنشأة النووية نفسها أو عناصر حمايتها أو الأضرار البيئة أو الاقتصادية الناجمة عنها؟
وتكمن خطورة هذه المفاعلات في إمكانية تعرضها لحوادث خطيرة في حال دخول ماء أو هواء داخل النظام، كما يقول علي أحمد ورامانا في مقالة بالجوردان تايمز نشرت في 10 أيار 2018.
كذلك تصرح لنا الهيئة بأنها ستواصل "إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية للمفاعلات النووية الصغيرة المدمجة". ولكن هل هذا الكلام يمكن أن يصدقه أي أردني؟ لقد طلب 64 نائباً في عام 2012 خلال الدورة النيابية 16 أن تقدموا لهم جدوى اقتصادية؛ استحلفكم بالله يا هيئة أن تقدموا لهم جدوى اقتصادية ولم تقدموها لغاية اليوم، فلماذا يثق بكم الشعب الأردني اليوم بأن تقدموا لهم دراسات جدوى اقتصادية للمفاعلات الصغيرة؟
استمعوا إلى رأي الخبراء غير الأردنيين أيضاً، البروفسور رامانا من جامعة بريتيش كولومبيا يقول إن أقل تكلفة للمفاعلات الصغيرة هي 5000 دولار للكيلواط بينما أكثر المفاعلات الكبيرة تكلفة، مثل Taishan في الصين فقد كلف 3600 دولار للكيلواط. فلا يمكن أن تكون هذه المفاعلات مجزية اقتصادية، وبخاصة في ضوء تكلفة محطات الطاقة الشمسية الأقل من ألف دولار للكيلواط.
أما من حيث خبرة الصين في هذه المفاعلات، فقد بدأت في بناء المفاعل الأول في عام 2012 في مقاطعة شاندونغ ضمن خطة للتوسع في أعدادها إلى 18 مفاعلاً. أما اليوم واستجابة لانخفاض أسعار مصادر الطاقة الأخرى والمخاطر النووية الممكنة فقد ألغت الصين التوسع في بناء المفاعلات الصغيرة المبردة بالغاز HTR، وبخاصة عندما صدرت تقارير عن دورية JNIW تثبت زيادة تكلفة الكهرباء المنتجة عن هذه المفاعلات 40% على الأقل عن المفاعلات النووية التقليدية.
أما بشأن تعدين اليورانيوم، فقد وعدت الهيئة الأردنيين أن تبدأ بتصدير الكعكة الصفراء في عام 2012، واليوم نحن في عام 2018، فتقول لهم أنها توصلت إلى إنتاج 1 كيلو غرام من الكعكة الصفراء، لذا، نرجوكم أن تخبروا الأردنيين ما هو ثمن هذا الكيلو غرام بأسعار اليوم، لماذا لا تخبروهم بأن الكيلو غرام الواحد من الكعكة الصفراء الذي أبدعتم باستخراجه لا يزيد سعره اليوم عن 30 ديناراً! فكل هذه الأموال التي انفقتوها على التعدين وتأسيس الشركات وتعيين رؤساء مجالس إدارة وزمرة أعضاء ربما أغلبهم لا علاقة لهم بالنووي أو بالتعدين، "تقولون أن نفقات المشروع 112 مليون دينار كما أثبتت على موقع دائرة الموازنة العامة"، ولكن لماذا لا تخبروا الناس أن مشروع المفاعل النووي التجريبي في جامعة العلوم والتكنولوجيا وحده قد أنفقتم عليه 172.5 مليون دولار بناءً على كتابكم رقم 1/1/2909 الموجه إلى رئيس الوزراء بتاريخ 20/3/2013. وهذا المبلغ لا يشمل سعر المفاعل دون الحرج الصيني ومصاريف أخرى.
ونود أيضا أن نلفت الانتباه إلى تجاوزات هيئة الطاقة الذرية على سلطات الرقابة الاشعاعية في الأردن بدءاً من هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي، وبخاصة عندما شرعت الهيئة في بناء المفاعل البحثي قبل صدور ترخيص من الجهة المنظمة. وتم ضم هيئة التنظيم فيما بعد إلى هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن لقمع استقلاليتها؛ وفي تصريح رئيس هيئة الطاقة الذرية للصحافة المنشور في الرأي بتاريخ 27 حزيران 2018 يقول إن المفاعل النووي للبحوث والتدريب افتتح في نهاية عام 2016، فيما حصل على رخصة التشغيل في تشرين الثاني من عام 2017! فلو كان هناك أي احترام للهيئة المشرفة عليكم لما افتتحتم المفاعل قبل أن يتم صدور ترخيص بتشغيله.
ختاماً، فإننا نعتقد أن أخطر مشروعين على مستقبل الأردن واستقلالية قراره واستدامة مؤسساته هما صفقة غاز العار مع العدو الصهيوني والمشروع النووي الأردني، لذلك نناشد دولة رئيس الوزراء لاستئصال هذه الأورام من الجسد الأردني، فوارزازاه.