انكماش اقتصاد منطقة اليورو
يواصل اقتصاد منطقة اليورو تراجعه، مدفوعا بتراجع قطاعي الصناعة والخدمات للشهر الحادي عشر على التوالي، فقد أعلن مكتب الإحصاء الأوروبي يورستات عن انكماش اقتصاد منطقة اليورو 0.4 % خلال الربع الثاني من العام الحالي متأثرا بتراجع الانفاق العام بسبب سياسة التقشف التي اتبعتها حكومات الدول الأوروبية، وتقليص الإنفاق الحكومي للحد من تفاقم عجز موازناتها، في ظل أزمة الدين العام المتنامي، فقد انكمش متوسط الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات منطقة اليورو بشكل ملحوظ. واحتلت البرتغال المرتبة الثانية بعد اليونان حيث شهدت انكماشا حادا وصل 1.2 %، أما اليونان فقد انكمش اقتصادها 6.2 % في الربع الثاني مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وتتعرض اليونان لازمة اقتصادية حادة منذ خمس سنوات، ومهددة بالإفلاس في حال وقف الدعم الأوروبي المتواصل، حيث من المتوقع أن يصل الانكماش التراكمى في هذه الدولة المثقلة بالديون إلى حوالي 20% نهاية العام الحالي. وقد انتقلت عدوى الانكماش الاقتصادي إلى معظم الدول الأوروبية، وأصبح يهدد قدرتها على التكيف مع الأزمات في ظل تراجع الاقتصادات الكبيرة التي تشكل قاطرة اقتصادات مجموعة اليورو مثل ألمانيا وفرنسا.
فمن المعروف انه من غيرالممكن معالجة اقتصاد دولة ما في ظل العولمة الرأسمالية بمعزل عن دول الإقليم بشكل خاص والعالم بشكل عام، فالمشاكل الاقتصادية التي تواجه ألمانيا على سبيل المثال ليست لاسباب ذاتية فحسب، بل ومن تأثير حالات الركود الاقتصادي التي تواجه الاقليم او العالم بشكل عام، فاقتصادات العالم منفتحة وتخضع لشروط منظمة التجارة العالمية، وخاصة ما يتعلق بتحرير التجارة الداخلية والخارجية، وتحرير اسواق المال. فكيف الحال عندما تكون هذه الدولة مرتبطة بوحدة نقدية مع دول ضعيفة تعاني اقتصاداتها من ازمات حادة. وتعاني من عبء تأمين اموال ضخمة لتمويل بعض دول منطقة اليورو، ما يعرضها لمخاطر مالية. وبناء عليه فقد تراجع نمو الاقتصاد الألماني إلى 0.3%، ولم يحقق الاقتصاد الفرنسي اي نمو خلال الربع الثاني من العام الحالي.
لكن السؤال المطروح ما هو مستقبل منطقة اليورو، وما هي رهانات المانيا التي تقود الوحدة النقدية الاوروبية، وتتحمل العبء الاكبر، فهي ما زالت تسير بالنهج نفسه الذي فشل في اخراج المنطقة من ازماتها، واعتمدت اسلوبا احاديا اسهم بتعميق الازمة، بدلا من معالجتها، فسياسة التقشف التي فرضتها المانيا على حلفائها لتخفيض عجز موازناتها هي سياسة انكماشية ادت الى تقليص الاستهلاك، وتراجع النمو الاقتصادي وانكماش متوسط الناتج المحلي الاجمالي لمنطقة اليور.
يعتقد بعضهم أن المخرج الوحيد لمنطقة اليورو اعادة هيكلة المنطقة بما يسمح باعادة عملاتها الوطنية وتقويم قيمتها بما يتناسب مع قوة اقتصادها، لكي تعيد التنافسية لاقتصادات هذه البلدان، وأن اجراء كهذا قد يسهم بانتشال مجموعة اليورو من ازماتها وتجنيبها الوقوع في كارثة حقيقية. حيث يؤكد المفكر الاقتصادي البارز نورييل روبيني " ان تفكك منطقة اليورو أمر لا مفر منه، وأن "الطلاق المنظم" الآن أفضل من الانفصال الفوضوي في المستقبل... وأن التفكك المبكر قد يسمح ببقاء السوق الموحدة والاتحاد الأوروبي. وأي محاولة عقيمة لتجنب التفكك لمدة عام أو عامين - بعد إهدار تريليونات اليورو على برامج تمويل رسمية إضافية من جانب دول القلب ـ فإنها تعني نهاية فوضوية لا محالة، بما في ذلك انهيار السوق الموحدة”
هذه الأفكار قد تخدم بعض الدول الكبيرة لتتجنب مزيدا من الاعباء المالية، لكن ترددها والتمسك بوحدة منطقة اليورو يعود ليس لأسباب اقتصادية فحسب، بل خشية هزيمة سياسية، قد تفقد النظام الرأسمالي قدرته على تجاوز ازماته، وتوفر مناخا سياسيا لبروز نواة لنظم سياسية جديدة تضع حدا لجوهر علاقات الانتاج الراسمالي القائمة على استغلال الانسان للانسان، وجشع الاحتكارات الراسمالية. فالمعيار الحقيقي الذي تستند اليه هذه الدول مقدار الارباح التي تحققة الاحتكارات الراسمالية وليس المصالح الوطنية للدولة. ففي الوقت الذي تعاني منطقة اليورو خاصة والبلدان الراسمالية عامة من تفاقم الدين العام منذ ثلاث سنوات، واثر ذلك على ارتفاع معدلات البطالة وزيادة عدد فقراء العالم بشكل ملحوظ، فقد ازدادت ثروة الاثرياء خلال عام 2009 بحوالي 6.2 تريليون دولار وفي عام 2010 حوالي 3.7 تريليون دولار رغم الركود الاقتصادي. العرب اليوم