jo24_banner
jo24_banner

برامج "الاصلاح" في البلدان النامية

فهمي الكتوت
جو 24 :

في تصريح لافت، أعلنت كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي، براءتها من سياسات الصندوق، التي تسببت بأضرار فادحة لشعوب البلدان النامية، بفرض ما يُسمى "برنامج الإصلاح الهيكلي"، معتبرة أنَّ تلك السياسة كانت قبل توليها رئاسة الصندوق عام 2011، وهي لم تطبق مثلها. وقد جاءت هذه التصريحات بعد تعرض صندوق النقد الدولي لانتقادات حادة في السنوات الأخيرة، بسبب إملاءات الصندوق التي أدت إلى إفقار البلدان النامية بفرض سياسة تقليص الإنفاق العام، ورفع الدعم عن السلع الأساسية وزيادة الضرائب. ومن جانبها، أعلنت منظمة أوكسفام البريطانية أن برامج صندوق النقد الحالية مشابهة لنظيرتها السابقة؛ فالصندوق متمسك بسياسات التقشف التي تضر الفئات الأكثر فقرا في العالم. ونحن في الوطن العربي نقول إنَّ سر معاناتنا هو رضوخ النظام العربي لسياسات واملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين.
... تصريحات لاجارد لها دلالتها؛ فإعلان براءتها من سياسات الصندوق التي فرضتها على البلدان النامية، يُعبِّر عن فشل الصندوق في مواصلة نهجه المدمر، والذي أحدث دويا هائلا في القارات الثلاث "آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية"؛ فالمشهد ماثل أمامنا فقد دفعت سياسة الصندوق شعوب أمريكا اللاتينية إلى التصدي لنهج التبعية والانفكاك عن المراكز الرأسمالية بعد معاناة طويلة من الفقر والجوع والبطالة والتهميش، نتيجة السياسات الاقتصادية التي فرضها الصندوق على هذه البلدان، فقد اختارت شعوب فنزويلا والبرازيل والأرجنتين وبوليفيا والبيرو والأوروغواي والإكوادور سياسة التحرر والانعتاق عن التبعية عبر صناديق الاقتراع التي أوصلت قيادات وطنية، اختطت نهجا اقتصاديا ثابتا مبنيا على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، والدفاع عن خبز العمال والفلاحين والفقراء عامة، والتخلص من إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين.
كما شهد الوطن العربي ثورات شعبية عارمة ضد نهج الليبرالية الجديدة الذي فرضته سياسات الصندوق، وأسهم في تعميق الفجوة بين الفئات والطبقات الاجتماعية، وخلف جيشا من العاطلين عن العمل؛ فعلى الرغم من الثروات الهائلة التي يتمتع بها الوطن العربي، إلا أن نسبة البطالة تعتبر من أعلى النسب عالميا. ومن المفارقات الغريبة أن صندوق النقد الدولي يوصي بتحقيق إصلاحات جريئة في السياسيات الاقتصادية، بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو لتوفير فرص عمل في كل من: مصر، والأردن، وليبيا، والمغرب، واليمن، وتونس. وفي دراسة أصدرها الأسبوع الماضي، بعنوان "نحو آفاق جديدة: التحول الاقتصادي العربي في غمار التحول السياسي"، خلصت الدراسة إلى أن آفاق الاقتصاد قصيرة الأجل لا تزال محفوفة بالتحديات.
ومن المعروف أن السياسة الجريئة التي يطالب بها الصندوق تنطوي على مخاطر كبيرة، فهي تنطلق اساسا من سياسة التوسع الرأسمالي بمزيد من الخصخصة، وتحرير أسعار الخبز والخدمات الصحية والتعليم والمياه والكهرباء...وغيرها من السلع الأساسية، وزيادة الضرائب على المواطنين. وبغض النظر عمَّا تعلنه لاجارد حول عدم فرض سياسات برامج الاصلاح الهيكلي على البلدان النامية التي تضطر للحصول على قروض مالية من الصندوق؛ فهي ماضية في فرض شروطها ويُعتبر الشعب الأردني كبقية الشعوب العربية من ضحايا هذه السياسات، ويتعرَّض في هذه الأيام لضغوط شديدة من الصندوق.
ومن المعروف أنَّ نهج الصندوق قائم على تخريب اقتصادات البلدان النامية، وفرض سياسات التبعية عليها؛ فعلى سبيل المثال: مصر التي تعتبر أهم دولة عربية، وتتمتع بإمكانيات مهمة في المجال الزراعي تستورد أكثر من 60% من غذائها من الخارج بفضل سياسة التبعية التي ابتدأت في عصر الانفتاح الاقتصادي، منذ عهد الردة في سبعينيات القرن الماضي، وإدخالها في نفق كامب ديفد وتبعاته، فقد أكد المؤتمر السادس للصناعات الغذائية في مصر المنعقد بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية أن أزمة الغذاء أصبحت أخطر من أزمة المياه في مصر، وأن هذه الأزمة تهدد الأمن القومي المصري في ضوء عدم الاستقرار في الأحوال المعيشية، كما ساهمت في زيادة نسب التضخم.
ولم تخرج مصر بعد من دوامة "اقتصاد السوق المنفلت"، وما زالت تعاني من تراجع اقتصادها، فلم تحتل قضية النهوض الاقتصادي حيزا مهمًّا في برنامج الحكومة، على الرغم من مرور اكثر من عامين على سقوط نظام مبارك؛ فالهاجس الأمني يحتل جل اهتمامها، ومع ذلك فلا بديل عن التصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه مصر، من قضايا الفقر والبطالة، وأخشى ألا تتمتع القيادة المصرية المنتظرة برؤية اقتصادية واضحة، تخرج مصر من أزمتها. وحسب مطالعتي فإن المرشح الناصري حمدين صباحي مؤهَّل في تقديم برنامج اقتصادي-اجتماعي يعتمد على الذات، ويساهم في تعظيم القطاعات الإنتاجية، ويضع مصر على اعتاب مرحلة جديدة؛ وذلك استنادا إلى التوجهات الاقتصادية التي أعلن عنها التيار الناصري في مؤتمره الاقتصادي الذي عقد خلال العام الماضي.

تابعو الأردن 24 على google news