2024-04-23 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

لاغارد..ومؤتمر "بناء المستقبل"

فهمي الكتوت
جو 24 : دعت كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي الدول العربية التي تباشر "تحولا نحو الديمقراطية" إلى تقليص أنظمة الدعم بشكل تدريجي.. جاء ذلك في مؤتمر "بناء المستقبل" المنعقد في عمّان الأسبوع الماضي. وحضرته كل من الأردن ومصر والمغرب وتونس وليبيا، مطالبة الدول العربية الساعية إلى الديمقراطية أن تمضي قدما في الإصلاحات الهيكلية وتقليص أنظمة الدعم، وأضافت لاغارد أنه ينبغي تحويل الدعم الحكومي إلى الفئات الأكثر احتياجا، بدلا من توجيهه إلى جميع شرائح المجتمع.

أتوقف بداية أمام وصف رئيسة الصندوق للدول العربية التي تمر بـ "مرحلة التحول الديمقراطي" في الوطن العربي، لا أدري من هي هذه الدول؟ صحيح إن الشعوب العربية تواصل نضالها من أجل الحرية والديمقراطية.. إلا أن قوى الشد العكسي حالت دون تحقيق منجزات ملموسة في معظم هذه البلدان، فإذا استثنينا تونس التي تحاول قوى التغيير الديمقراطي حل خلافاتها وتناقضاتها بطرق سلمية، والتمسك بمرحلة التحول الديمقراطي، فإنّ باقي الدول العربية ما زالت تعاني إما من أزمات سياسية وأمنية خطيرة.. أو من انسداد الأفق نحو التحول الديمقراطي، وإما دول أقدمت السلطات المركزية المستبدة على خطوات تكتيكية مضللة لتظهر الحرص على الديمقراطية بهامش محدود لا يشكل أساسا موضوعيا لتطور حياة ديمقراطية حقيقية أي "انحناء للعاصفة". أما النموذج الأخطر فهو من راهن على المحتل الأجنبي في التصدي للنظم الاستبدادية! كانت النتيجة سقوط الدولة والوطن بدلاً من سقوط الاستبداد.. سقط القذافي ولم يسقط الاستبداد، سقطت الدولة في براثن الاحتلال وبقي الاستبداد بصورة أبشع، فالديمقراطية لا تأتي على ظهر دبابة. والغريب أن بعض الكتاب الذين يعبرون عن اتجاهات فكرية محددة يطالبون الولايات المتحدة الأميركية جهارا بتكرار التجربة الليبية، باحتلال سوريا بذريعة وقف نزيف الدم! متجاهلين أن أمريكا وحلفاءها وراء الأزمة الخطيرة التي يعيشها الوطن العربي بأكمله.

لم تقدم لاغارد جديدا بدعوتها تقليص الدعم على "الخبز والصحة والتعليم والطاقة والمياه" فهي تدافع عن نهج الصندوق وسياساته النيوليبرالية، رغم محاولتها التبرؤ من هذه السياسات في مقابلة سابقة ! نجحت لاغارد بإقناع وزراء الدول المشاركة في المؤتمر بالتمسك بالسياسات التي أسهمت بانهيار عدد من الأنظمة العربية، وبعبارة أخرى بتوريط هذه البلدان بسياسات معادية لشعوبها. اتفق وزراء المالية في المؤتمر على ضرورة "إصلاح الدعم الذي يلتهم جانبا كبيراً من الميزانيات"، لكنهم أعربوا عن خشيتهم من التكاليف الاجتماعية، فهم يدركون أن عروشا سقطت من سياسات الإفقار التي تبنتها حكوماتهم، بفرض الضرائب المرتفعة على الفئات الشعبية ومحدودي الدخل وخاصة ضريبة المبيعات التي حققت المساواة بين مختلف الطبقات الاجتماعية في العبء الضريبي، وأصبحت المصدر الرئيسي لخزينة الدولة في البلدان النامية غير النفطية، مع التخلي عن دعم السلع الأساسية، الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في توسيع الفجوة بين الطبقات، وإشعال الثورات الشعبية التي أدت إلى إسقاط أنظمة عاتية. ومن المفارقات الغريبة أن وزراء ثلاث دول من الدول الخمس التي استجابت لنصائح كريستين لاغارد جاءوا على أنقاض أنظمة فاسدة التزمت بإملاءات صندوق النقد الدولي. غير آبهين بمصيرهم في حال استمرار النهج الذي أطاح بالحكام الذين ربطوا مصير بلادهم بمصالح الدوائر الاستعمارية والمراكز الرأسمالية.

مع الإدراك لحقيقة موضوعية أن تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة في هذه البلدان ليس مجرد خضوع لسياسات الصندوق والمراكز الرأسمالية فحسب، بل استجابة لمصالح طبقة جديدة تشكلت ونمت في هذه البلدان على خلفية هذا النهج، طبقة وكلاء الشركات الأجنبية "الكمبرادور" والوسطاء والمقاولين من الباطن للشركات المتعددة الجنسيات، وبروز طبقة سياسية تجيد الدفاع عن نهج الليبرالية الجديدة، معلنة حرباً غير مقدسة على كل من يطالب بدور اقتصادي أو اجتماعي للدولة، والدفاع عن سياسة التخصيص، وتحرير الأسعار، وإزالة أشكال الدعم، مكونة ثروة ضخمة على حساب المال العام، مستغلة غياب الديمقراطية والشفافية. فالمهوسون بالليبرالية الاقتصادية من ألد أعداء الليبرالية السياسية.

وعلى الرغم من فداحة الأزمة المالية التي ضربت المراكز الرأسمالية في العالم، والتي أشعلتها الليبرالية الجديدة، إلا أن صندوق النقد الدولي ما زال متمسكا بالنهج ذاته رغم الصيغ المضللة التي يستخدمها أحيانًا مثل مقولة إيصال الدعم لمستحقيه، فهي كلمة السر لإلغاء الدعم. جربت هذه السياسة مرارا وسرعان ما اختفى الدعم وبقيت الأسعار مرتفعة، أما الدعم النقدي الذي يوزع على المحتاجين في بعض البلدان فلا يفي بالغرض من حيث المبدأ، وهي صيغة منفرة، تدفع المواطنين نحو التخلي عن الدعم نتيجة مسلسل الاذلال الذي يتعرض له المواطن الأردني على سبيل المثال، فمن شاهد طوابير المواطنين أمام صندوق صرف الدعم النقدي، أو طوابير المحرومين من الدعم أمام موظفي ضريبة الدخل للاعتراض على حرمانهم، يدرك حجم الاذلال والمهانة الذي يتعرض له المواطن من سياسة ما يسمى بإيصال الدعم لمستحقيه.
"الرؤوية العمانية"
تابعو الأردن 24 على google news