jo24_banner
jo24_banner

ضرورة المصالحة أم مصالحة الضرورة؟

فهمي الكتوت
جو 24 : أيًا كانت الأسباب، فإنهاء الانقسام مطلب وطني ناضل الشعب الفلسطيني من أجله طويلا، لرص الصفوف في مواجهة الاحتلال، وتحقيق أهدافه الوطنية. كان متوقعاً إعلان غزة الذي صدر في الثلث الأخير من الشهر الماضي والمتضمن وضع آليات تطبيق خطة المصالحة المجمدة بين "فتح وحماس"، قراءة موضوعية للواقع السياسي لطرفي الأزمة تزكي إصدار مثل هذا الإعلان.
اتفاق المصالحة ناجزٌ منذ عدة سنوات، والمعروف باتفاق القاهرة، والذي انبثق عنه لاحقًا "الورقة المصرية"، وشملت تفاصيل إجراءات المصالحة كافة، وجرى تعزيزها بإعلان الدوحة. ما الجديد الذي دفع فتح وحماس لتفعيل الاتفاق في هذه المرحلة، وبعد مرور خمسة أعوام على الورقة المصرية، لا شك أنّ خلافات عميقة بين "فتح وحماس" حالت دون تنفيذ الاتفاق. فقد حمل المصريون ملف المصالحة عدة سنوات لإنهاء الانقسام دون جدوى، وكان للمملكة العربية السعودية محاولة عرفت باتفاق مكة، إضافة إلى المحاولات القطرية، ناهيك عن الضغوط الشعبية التي مارسها الشعب الفلسطيني لإنهاء الانقسام.
سألقي الضوء على أبرز ما تحتويه الورقة المصرية للمصالحة الوطنية الفلسطينية الصادرة في أيلول عام 2009 والتي تعتبر أساس الاتفاق الذي يجري العمل على تفعيله.
1- إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني الفلسطيني في النصف الأول من عام 2010 (أي قبل أربع سنوات من الآن) على أن تجري الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني على أساس التمثيل النسبي الكامل، وانتخابات المجلس التشريعي بموجب النظام المختلط 25% دوائر و 75% قوائم نسبية.
2- وضع معايير ثابتة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لتشكيل لجنة أمنية عليا، ويتم الاتفاق على ضباط مهنيين بالتوافق يخضعون لإشراف مصري وعربي، وتتولى هذه اللجنة مهمة إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية بمساعدة مصر وإشرافها. ويتم الإفراج عن المعتقلين.
-3تشكيل حكومة تصريف أعمال للشؤون الحكومية في الضفة والقطاع.
4- تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية وفقا لاتفاق القاهرة الموقع في مارس 2005 وكما ورد في وثيقة الوفاق الوطني في يونيو 2006، بانضمام كافة القوى والفصائل الفلسطينية وفق أسس ديمقراطية.
5- تحقيق المصالحة الاجتماعية وحل جميع الانتهاكات التي نجمت عن الفلتان والانقسام بالطرق الشرعية والقانونية وتعويض المتضررين من الانقسام.
أما الأسباب الحقيقية وراء الرغبة في تنفيذ الاتفاق حاليا، فتعود للمستجدات السياسية التي طرأت على الطرفين، ويمكن تلخيصها بالتالي: برز لحماس توجه سلطوي بعد استيلائها على قطاع غزة بالقوة، تعمق طموحها بعد صمودها، بدعم سوري إيراني في وجه الحصار العالمي أولا، والعدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 1988 ثانيًا. وفي ضوء التطورات السياسية التي شهدتها المنطقة، "سقوط نظام مبارك وانتخاب مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، وتداعيات الأزمة السورية" وما تبع ذلك من تغيرات ملحوظة على موقف حماس السياسي، بالتخلي عن حلفائها الأساسيين، واستبدالهم بالتحالف القطري المصري انسجامًا مع موقف التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مما أضعف مكانة حماس كحركة تحرر وطني فلسطيني، بتقديم الموقف الأيديولوجي على الموقف الوطني. وبما إن حكم الإخوان لم يعمر طويلاً في مصر، وبروز اصطفاف مصري سعودي إماراتي ضد الإخوان المسلمين، وإقدام السعودية والإمارات والبحرين على سحب سفرائها من قطر، أصبحت حماس في وضع لا يحسد عليه، مما أفقدها حلفاؤها الأساسيين في المنطقة وعمّق أزمتها، رافق ذلك تشديد الحصار على المعابر الفلسطينية لقطاع غزة وإغلاق الأنفاق. الأمر الذي أدى إلى تراجع أحلام حماس "بالإمارة" الفلسطينية، ولم يعد أمامها خيارات سوى المصالحة، خاصة وأنها لم تعد قادرة على توفير نفقات أجهزة السلطة الحمساوية.
في المقابل فشلت مراهنات السلطة الفلسطينية في تحقيق التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني، وتبددت أوهامها حول ما يسمى بمشروع الدولتين، فالمشروع الصهيوني قائم على الاحتفاظ بالأرض، وتهويد المقدسات والاحتفاظ بجدار الفصل العنصري والمستوطنات والاستيلاء على مزيد من الأراضي العربية، وإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة، كمقدمة لتطبيق سياسة التطهير العرقي بطرد أكثر من مليون ونصف المليون عربي فلسطيني من سكان الأراضي العربية المحتلة 1948. الأمر الذي دفع السلطة الفلسطينية إلى عدم تجديد موعد انتهاء المفاوضات العبثية تحت ضغط الجماهير الفلسطينية التي لن تسمح لأيّ من القيادات الفلسطينية بتقديم تنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية. لهذه الأسباب "توحدت" مواقف فتح وحماس بعد انسداد الأفق أمامهما في تحقيق برامج وأجندات خاصة. ومع ذلك هناك مخاوف من نزعات حزبية ضيقة تعطل برنامج الوحدة، أو إقامة وحدة هشة غير قادرة على الصمود في وجه التحديات، وخاصة عندما يجري البحث في ترتيبات المؤسسة الأمنية، أو أثناء الدخول في تفاصيل توحيد منظمة التحرير الفلسطينية.

(الرؤية العمانية)
تابعو الأردن 24 على google news