الثورة الكوبية.. والإصلاحات الاقتصادية
فهمي الكتوت
جو 24 : أقدمت كوبا على خطوة اقتصادية غير معهودة، بإصدارها قانونا جديدا لتشجيع الاستثمار يضمن تأمين تسهيلات واسعة لاستقطاب المستثمرين الأجانب، وذلك في محاولة لمواجهة الآثار الناجمة عن الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على الدولة الكوبية منذ نصف قرن، وقد أجرى الرئيس الكوبى راؤول كاسترو سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية منذ توليه السلطة في فبراير 2008، من بينها تسهيل القوانين المتعلقة بالقروض وامتلاك البيوت والسيارات، وتخفيف القيود على السفر، وقد أعلن العام الماضي إن كوبا ستشهد انتقالا تدريجيًا للسلطة، مشيرًا إلى أنّ الوقت قد حان لتسليم الجيل الجديد المسؤولية. وقد اعترف الرئيس الكوبي بوقوع أخطاء، قائلا "إنّ برنامج الثورة لابد أن يجدد كل خمسة أعوام، حتى يستجيب للمطالب الحقيقية للشعب، ومن أجل تصحيح الأخطاء سريعا". من الصعب وصف هذا النموذج الاقتصادي، بالنموذج الاشتراكي، فهو أحد أنماط الاقتصاد الرأسمالي الخاضع لسيطرة الدولة "رأسمالية الدولة"، باعتقادي أنّ هذا النمط الاقتصادي إذا ما ووجه بحرص وعناية من قبل الدولة، يمكن أن يكون مفيداً للبلدان النامية التي تسعى لتحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية. خاصة إذا نجح في عدم الوقوع في فخ البيروقراطية القاتلة.
تضمن القانون إجراءات جديدة بهدف جذب الرساميل الأجنبية للاستثمار في كوبا، وذلك بطرح سياسة ضريبية تسهم بتحفيز الاستثمارات، بتحقيق إعفاءات ضريبية على الأرباح لمدة ثمانية أعوام من بدء المشروع، مع إمكانية التمديد، وتخضع هذه الشركات لضريبة نسبتها 15% من صافي الأرباح بعد انتهاء سريان الإعفاءات . وصف الرئيس الكوبي القانون الجديد بـ "الحاسم" واعتبر هذه التوجهات ضرورية لتعزيز الاقتصاد وتطويره، حيث تطمح كوبا لتطوير "منطقة" إنمائية خاصة غرب العاصمة هافانا، تعتبر من أكبر المشاريع الاستثمارية الكوبية، لتحقيق قفزة في النمو الاقتصادي ما بين 6 - 8% سنويا، وقدمت الحكومة الكوبية تعهدًا بعدم مصادرة الاستثمارات إلا لأسباب المنفعة العامة أو مصلحة اجتماعية، وستتم المصادرة وفقا للمعاهدات الدولية، مع تعويض مناسب يتم تحديده بموجب اتفاق مشترك.
لم تكن كوبا الدولة الاشتراكية الوحيدة التي تتجه نحو الانفتاح على الاقتصاد الحر، التي قد توصف من قبل البعض بأنها خطوة إلى الوراء، وذلك بالتراجع عن التأميم والمصادرة والاستعاضة عنها بالسياسة الضريبية، وتشجيع رأس المال على القيام باستثمارات اقتصادية، فقد شهدت الصين انفتاحا اقتصاديا مباشرًا على الاستثمارات الأجنبية خلال العقد الأخير، بلغ خلال عام 2013 وحده حوالي 117 مليار دولار. وأصبح القانون الأبرز للسياسة الاقتصادية في الصين "اقتصاد السوق الاشتراكي"، وهي معادلة دقيقة تهدف إلى تحقيق توازن بين اقتصاد السوق، والضوابط الاقتصادية التي تتولى القيام بها الحكومة، لضبط الأسعار، وتأمين الحماية الصحية الاجتماعية للطبقة العاملة والفقراء عامة، مع احتفاظ الدولة بملكية القطاعات الرئيسية المرتبطة بالخدمات الصحية والتعليمية والنقل وثروات الدولة الأساسية والخدمات العامة وغيرها. وتشكل السياسة الصينية أكبر انفتاح تحققه دولة اشتراكية على الرأسمالية.
كما لم تكن الصين الدولة الاشتراكية الأولى التي سلكت هذا الطريق، فقد طرحت هذه الصيغة لأول مرة في عام 1922 حين أعلن الاتحاد السوفييتي عن السياسة الاقتصادية الجديدة التي عرفت بسياسة "النيب"، على خلفية رؤية فكرية لها علاقة بعدم نضوج الظروف الموضوعية في روسيا لإنجاز مهام الثورة الاشتراكية، فقد أشار قائد الثورة لينين، من الصعب إنجاز الثورة الاشتراكية في بلد تتكون غالبية سكانه من المنتجين الزراعيين، واقتصاده من الانتاج البضاعي الصغير، إلا بجملة من التدابير الانتقالية الخاصة، بإعادة النظر بالتوجهات المبكرة التي تبناها الاتحاد السوفيتي في بداية الثورة، وخاصة ما يتعلق بالتأمين والمصادرة وإلغاء الإنتاج البضاعي الصغير، لذلك توجه الاتحاد السوفيتي عام 1922 نحو حفز وتشجيع رأس المال المحلي والأجنبي للإسهام في بناء اقتصاد الدولة الفتية كمرحلة انتقالية لمحاولة إنجاز ما لم تنجزه البرجوازية الروسية قبل الثورة. حين أعلن لينين أنّ مثل هذا الترتيب لم يكن من الأنماط الاشتراكية التي كانت تدور في أذهان من قادوا الثورة أو شاركوا في الدفاع عنها. "التراجع أمر صعب، وخاصة بالنسبة للثوريين الذين اعتادوا التقدم". لقد أدرك، من ناحية ثانية، أنّ علاقات السوق والاقتصاد السلعي كانا ضروريين لبناء البنية التحتية لاقتصاد الدولة. علما أنه دار جدل واسع مع بداية الثورة في روسيا حول الطريق الذي ستختاره، برز أكثر من اتجاه، الأول دعا إلى الحفاظ على حكومة كيرنسكي البرجوازية التي وصلت إلى الحكم بعد ثورة شباط، لاستكمال مهام الثورة البرجوازية، ووقف هذا الاتجاه في مواجهة الثورة الاشتراكية التي نجحت في أكتوبر عام 1917. أما الاتجاه الثاني فهو الذي اعترض على سياسة النيب لاحقا. إضافة إلى الاتجاه الذي تبنى الانفتاح الاقتصادي خلال الثورة وحتى عام 1927، قبل التراجع عن هذه السياسات والعودة إلى سياسة التأميم والمصادرة. ومع ذلك ورغم التجارب المتكررة من أجل الوصول لمجتمع عادل، نكرر ماقاله الشاعر الألماني غوته أن "النظرية جافة، رمادية.. ولكن شجرة الحياة في اخضرار دائم".الرؤية
تضمن القانون إجراءات جديدة بهدف جذب الرساميل الأجنبية للاستثمار في كوبا، وذلك بطرح سياسة ضريبية تسهم بتحفيز الاستثمارات، بتحقيق إعفاءات ضريبية على الأرباح لمدة ثمانية أعوام من بدء المشروع، مع إمكانية التمديد، وتخضع هذه الشركات لضريبة نسبتها 15% من صافي الأرباح بعد انتهاء سريان الإعفاءات . وصف الرئيس الكوبي القانون الجديد بـ "الحاسم" واعتبر هذه التوجهات ضرورية لتعزيز الاقتصاد وتطويره، حيث تطمح كوبا لتطوير "منطقة" إنمائية خاصة غرب العاصمة هافانا، تعتبر من أكبر المشاريع الاستثمارية الكوبية، لتحقيق قفزة في النمو الاقتصادي ما بين 6 - 8% سنويا، وقدمت الحكومة الكوبية تعهدًا بعدم مصادرة الاستثمارات إلا لأسباب المنفعة العامة أو مصلحة اجتماعية، وستتم المصادرة وفقا للمعاهدات الدولية، مع تعويض مناسب يتم تحديده بموجب اتفاق مشترك.
لم تكن كوبا الدولة الاشتراكية الوحيدة التي تتجه نحو الانفتاح على الاقتصاد الحر، التي قد توصف من قبل البعض بأنها خطوة إلى الوراء، وذلك بالتراجع عن التأميم والمصادرة والاستعاضة عنها بالسياسة الضريبية، وتشجيع رأس المال على القيام باستثمارات اقتصادية، فقد شهدت الصين انفتاحا اقتصاديا مباشرًا على الاستثمارات الأجنبية خلال العقد الأخير، بلغ خلال عام 2013 وحده حوالي 117 مليار دولار. وأصبح القانون الأبرز للسياسة الاقتصادية في الصين "اقتصاد السوق الاشتراكي"، وهي معادلة دقيقة تهدف إلى تحقيق توازن بين اقتصاد السوق، والضوابط الاقتصادية التي تتولى القيام بها الحكومة، لضبط الأسعار، وتأمين الحماية الصحية الاجتماعية للطبقة العاملة والفقراء عامة، مع احتفاظ الدولة بملكية القطاعات الرئيسية المرتبطة بالخدمات الصحية والتعليمية والنقل وثروات الدولة الأساسية والخدمات العامة وغيرها. وتشكل السياسة الصينية أكبر انفتاح تحققه دولة اشتراكية على الرأسمالية.
كما لم تكن الصين الدولة الاشتراكية الأولى التي سلكت هذا الطريق، فقد طرحت هذه الصيغة لأول مرة في عام 1922 حين أعلن الاتحاد السوفييتي عن السياسة الاقتصادية الجديدة التي عرفت بسياسة "النيب"، على خلفية رؤية فكرية لها علاقة بعدم نضوج الظروف الموضوعية في روسيا لإنجاز مهام الثورة الاشتراكية، فقد أشار قائد الثورة لينين، من الصعب إنجاز الثورة الاشتراكية في بلد تتكون غالبية سكانه من المنتجين الزراعيين، واقتصاده من الانتاج البضاعي الصغير، إلا بجملة من التدابير الانتقالية الخاصة، بإعادة النظر بالتوجهات المبكرة التي تبناها الاتحاد السوفيتي في بداية الثورة، وخاصة ما يتعلق بالتأمين والمصادرة وإلغاء الإنتاج البضاعي الصغير، لذلك توجه الاتحاد السوفيتي عام 1922 نحو حفز وتشجيع رأس المال المحلي والأجنبي للإسهام في بناء اقتصاد الدولة الفتية كمرحلة انتقالية لمحاولة إنجاز ما لم تنجزه البرجوازية الروسية قبل الثورة. حين أعلن لينين أنّ مثل هذا الترتيب لم يكن من الأنماط الاشتراكية التي كانت تدور في أذهان من قادوا الثورة أو شاركوا في الدفاع عنها. "التراجع أمر صعب، وخاصة بالنسبة للثوريين الذين اعتادوا التقدم". لقد أدرك، من ناحية ثانية، أنّ علاقات السوق والاقتصاد السلعي كانا ضروريين لبناء البنية التحتية لاقتصاد الدولة. علما أنه دار جدل واسع مع بداية الثورة في روسيا حول الطريق الذي ستختاره، برز أكثر من اتجاه، الأول دعا إلى الحفاظ على حكومة كيرنسكي البرجوازية التي وصلت إلى الحكم بعد ثورة شباط، لاستكمال مهام الثورة البرجوازية، ووقف هذا الاتجاه في مواجهة الثورة الاشتراكية التي نجحت في أكتوبر عام 1917. أما الاتجاه الثاني فهو الذي اعترض على سياسة النيب لاحقا. إضافة إلى الاتجاه الذي تبنى الانفتاح الاقتصادي خلال الثورة وحتى عام 1927، قبل التراجع عن هذه السياسات والعودة إلى سياسة التأميم والمصادرة. ومع ذلك ورغم التجارب المتكررة من أجل الوصول لمجتمع عادل، نكرر ماقاله الشاعر الألماني غوته أن "النظرية جافة، رمادية.. ولكن شجرة الحياة في اخضرار دائم".الرؤية