jo24_banner
jo24_banner

الحالة الأردنية: نموذج غريب

د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :

الحالة الوطنية الأردنية الراهنة نموذجٌ :

· غريب في نوعه، وقد لا يتكرر في أي مكان آخر من العالم المُعاصر.

· اختلط فيه العام بالخاص... و العقل بـ الفوضى.

· يرتبط فيه ماهو اقتصادي، بماهو سياسي و اجتماعي، وهذا ليس غريباً بالمطلق، لكن مداه غير مقبول بالعرف العلمي الحديث.

· السياسات الاقتصادية السابقة كانت تخريبية بامتياز، والسياسات الراهنة معززة ومرسخة للتخريب الذي حدث في الماضي.

· في الوقت الذي تتلفت فيه أنظار العالم إلى الحاجة الماسة للإصلاح والتقدم الديموقراطي، يخرج رئيس الوزراء بمقولة أننا لسنا في حاجة إلى إصلاح بل إلى تنمية اقتصادية.

· في الوقت الذي يقول أننا في حاجة إلى تنمية اقتصادية، يرفع أسعار مدخلات الإنتاج في فترة انحسار اقتصادي رهيب، أفقد الأردنيين ما يقارب ثلث قواهم الشرائية، وأكثر من نصف ثرواتهم في الاستثمار.

· في وقت نحن بأشد الحاجة فيه إلى الانعتاق من رقبة مؤسسات التمويل الدولية، تتعاقد الحكومة في دورة جديدة من التمويل من صندوق النقد الدولي على مزيدٍ من الديون والتبعية.

· في مرحلةٍ يحتاج الفرد والجماعة، المقيم والوافد، والسائح والمستثمر، إلى يقين، ولو على الأمد القصير، يتفاجأ الكل بقرارات اقتصادية تعسفية.

· تقرر السلطة التنفيذية رفع أسعار الوقود، ويبطلها الملك. وهذه الحالة بذتها في حاجة إلى وقفة تأمل.

· في وقتٍ تجب فيه محاكمة الفاسدين، بكافة أطيافهم، يُعطّلُ القضاء، وتُعطى صلاحيته إلى سلطة التشريع، وهذه أغرب حالة يمكن أن تمر بها دولة، وهي مُعبرة عن استهتارٍ غير مسبوق بالدستور، وعقول خاصة الناس وعامتهم.

· في وقت يجب أن يقف فيه الممثلون المزعومون للشعب مع مصالح الشعب، يقف هؤلاء مع من نهب ثروة الشعب وتبديد موارده.

· في وقت أجمع العالم كله على أن تكون مجالس التشريع مُمثِلة لأكبر قدرٍ ممكنٍ من القواعد الشعبية، تؤكد الحكومة الراهنة تمسكها بقانون انتخاب لايمثل إلا نخبة المستفيدين، وأصحاب المال السياسي، وإرادة السلطة السياسية، ولا قيمة للناس.

· في وقتٍ تُطلقُ الحكومة تصريحاتها عن نزاهة الانتخابات القادمة، فهي تُبيت نية مُعلنة نحو نزاهة مزعومة، فقد طلب كلُ مسؤولٍ في مؤسسته من العاملين لديه ضرورة التسجيل للانتخابات القادمة، وسجلوا العسكريين، ومنتسبي المؤسسات الأمنية.


الحالة الاقتصادية الراهنة

دعني أشخص الحالة الاقتصادية الراهنة من خلال الشرح البسيط، والأرقام الرسمية، وغير الرسمية، وأعتذر ابتداءاً لأنني أتيت على بعض الحقائق الواردة هنا في مقالات سابقة.

أولاً:

· الحالة الاقتصادية في أية دولة في العالم، إما أن تكون مستقرة، وتنمو فيها الإنتاجية، ويقطف ثمارها كافة اللاعبين في الحقل الاقتصادي.. أو أن تكون ساخنة، ينمو فيها الاقتصاد مع شيء من التضخم، لكن النتيجة الصافية هي ازدهار اقتصادي، ونمو في الرفاه العام.. أو أن تكون باردة، ينحسر فيها النشاط الاقتصادي، وتتراجع الانتاجية، وتتجمد فيها الأصول ويتوقف النمو.

لكن الحالة الأردنية جمعت من سوء الصفات ما يجعلها مختلفة عما احتواه الفكر الاقتصادي الحديث: تجمد اقتصادي، تراجع نمو، فقدان أصول، ارتفاع أسعار، زيادة فقر، زيادة بطالة، وتذمر الأغنياء قبل الفقراء، وهروب المستثمرين.

ثانياً: هذه الحالة ( الاقتصادية ) شديدة التماس بالواقع المرير: مأزومة، وموروثة من حالة تراكمية مشوهة، كان أسيادها المخربون الجدد.

هناك محافظون جدد و صهاينة جدد و مخربون جدد، وهم نفس الفئة.

· استطاعت الثورات التي حدثت في تونس ومصر وليبيا أن تجتث هذه الفئات، لكن الحراك الشعبي في الأردن لم يتمكن إلى الآن من زحزحة أي منها.

· الأسوأ من ذلك أنهم ازدادوا قوة في الظلام الذي يتجمعون فيه كي ينقضوا على أي منجز من منجزات الحراك الشعبي.

ثالثاً: هذه الحالة (الاقتصادية) غريبة من نوعها، لأن الحكومة عندما قررت المضي في برامج التخاصية، كان الهدف المعلن وقف نزيف المالية العامة، وتنشيط الاقتصاد من خلال شركاء استراتيجيين، ثم التخلص من المديونية العامة. لكن النتيجة لم تكن إخفاقاً بالمطلق فحسب، بل إغراق الدولة بمديونية غير مسبوقة.

· مايزيد على 20 مليار دولار مديونية.

· ما يزيد على 3 مليارات دولار عجز في الموازنة العامة.

· مايزيد على 8 مليارات دولار عجز في ميزان المدفوعات (على أساس 100 دولار لبرميل النفط).

· يزيد الـ عجز في الميزان التجاري بنسبة تفوق 9% سنوياً، ويتضاعف كل 7 سنوات وبضعة أشهر.

· بطالة عمالية تقترب من 30% من قوة العمل.

· عن الفقر حدث ولا حرج. ومايقرب من 100 ألف إنسان يعيش الواحد منهم على أقل من دولار يومياً (واحدٌ وسبعون قرشاً بأسعار الصرف الرسمية).

· زيادة مستوردات الـ غذاء بنسبة تزيد على 13.5% سنوياً، مما يعني بأن حاجتنا إلى الغذاء المستورد تتضاعف كل 5 سنوات.

رابعاً: ليست هناك مشاركة شعبية، حقيقية أو وهمية في صنع القرار الاقتصادي. فلو كنا أعضاء مساهمين في شركة، عامة أو خاصة، لما استطاع مجلس الإدارة أن يورط الشركة بمديونية قد تؤدي إلى إفلاس أو خراب الشركة، ولما استطاع مجلس إدارة الشركة بيع أصولها، ونهب حصص المساهمين.

لكن في الأردن كل شيء ممكن. لأنه لايحاسب بعضنا بعضنأ، ولم نحاول كسر يد الفاسد، أنى كان.

ماهو الحل الممكن ؟

تقول التقارير والتحليلات التي صدرت عن دور البحث العلمي، وأجهزة الاستخبارات الدولية، بأن الأزمة الاقتصادية العالمية ستزداد عمقاً خلال الفترة المقبلة، وحتى بداية 2015 وربما 2018. مما يعني بأن الاقتصادات التابعة قد تتأخر بالنهوض بناء على مبدأ (FIFO)، وقد يبدأ النهوض في بداية 2020.

هذا في الإطار الزمني.

أما في الإطار العملياتي - الإجرائي، فأنا أزعم بأننا لو أتينا بقراب الأرض ذهباً لما استطعنا أن نحل المشكل الاقتصادية الوطنية ، إذا بقيت الأمور كما كانت عليه في الماضي، وما هي عليه الآن، إلا في الأمد القصيرفقط، أي حل مؤقت من خلال مسكنات عرضية.

عندما تتعرض الأمم إلى أزمات تنظر إلى الكيفية التي تُدير بها شؤونها. والطريقة الممكنة في الأمد المنظور هي مقاربة الأمم الناجحة، وليس الفاشلة.

إلى هذه اللحظة نحن نقارب تجارب الفاشلين.

ماهي تجربة الفاشلين التي نتمسك بها، والتي يبدو أننا على استعدادٍ لإزهاق أرواح بعضنا يعضاً من اجل الحفاظ عليها؟

نظام الدولة الفاشلة على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي يتضمن التفرد بالحكم من قبل فئة ضيقة لاتمثل إلا مصالح طبقة المستفيدين أو الفاسدين. وقد أطلق علماء السياسة المعاصرون على هذا النموذج اسم نموذج رأس الإيرة، وذلك كناية عن تحكم الفئة الأقل وجوداً بالفئة الأكثر حضوراً من الناحية العددية.



وفي هذه التجربة السياسية من نظرية اللعب (Game Theory) الاقتصادية يكون الحاصل النهائي أقل من الصفر (sub- zero sum game)، لأنه لايستفيد من قواعد اللعبة المزورة إلا القلة المُوزُرة.

في مقابل نموذج الفاشلين، ماهي تجربة الناجحين التي نرفضها، ويبدو أننا على استعدادٍ لإزهاق أرواح بعضنا بعضاً من اجل أن لانفكر فيها، أو نعطيها فرصة.



تضمن هذه التجربة أكبر عددٍ من المشاركين، وتكون فيها المنافسة على أشدها بين أفضل اللاعبين، وتنمو فيها الانتاجية والإبداع وفي هذه التجربة السياسية في نظرية اللعب يكون الحاصل النهائي أيجابي (positive sum game)، لأن الكل يستفيد منها، دون إجحاف وظلم وتعسف.


drbanihani@gmail.com

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير