التقليد الاعمى
إن الموازي تشابه علينا
كلنا يعلم بمدى التراجع المالي الذي تعيشه العديد من جامعاتنا، ولكل جامعة أسبابها، علماً بأن لكل سبب مسبب! هكذا تعلمنا!.
أن الضائقة المالية التي تعاني منها جامعاتنا هي قاسم مشترك أعظم بينها، والذي كان ولا يزال السبب الرئيس في هجرة العديد من الكفاءات من أعضاء هيئة التدريس منها، والذي اخذ ثلاثة أنماط رئيسية هي:
الهجرة لجامعات خارج الوطن.
الهجرة الداخلية من جامعات الأطراف إلى جامعات الوسط، الأوفر حظاً.
الهجرة من التعليم العالي الجامعي إلى تخصصات أخرى، ذات دخل أعلىً.
وكلنا يعلم أن احد الأهداف المرجوة في أي من تلك الهجرات لصاحبها، يكمن في تحسين دخله، والذي عادة ما يكون إضعافا كثيرة، ولا غرابة إذاً من أن تشهد جامعاتنا تزايد في الاستقالات عاماً بعد عام، فالرواتب خارج الوطن بازدياد، أما لدينا، فالأسعار هي التي تزداد! " ما حد أحسن من حد"!.
وعليه فقد جاءت خطوة الحكومة الرشيدة، إن شاء الله، في مكانها وزمانها المناسبين، حيث صدر في بداية الشهر الحالي في الجريدة الرسمية، نظام معدل لنظام الرواتب والعلاوات للعاملين في الجامعات لسنة 2012. ولكل جامعة رسمية دون استثناء، على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
إذ نص التعديل على ما يلي:
"يجوز لمجلس أمناء الجامعة تحديد نسبة من رسوم البرنامج الموازي تصرف حوافز لأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية وفق تعليمات يصدرها مجلس الجامعة لهذه الغاية".
وعليه فقد أعطت الدولة الصلاحية الكاملة لمجالس الأمناء لتحديد النسبة التي ستصرف كحوافز، بغية تحسين تلك الظروف المالية الصعبة للعاملين بها، ولم تضع شروطاً أو قيوداً لذلك، وعليه فعلى كل جامعة أن تدرس أحوال أعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية فيها بمنأى عن الجامعات الأخرى، إذ أن ظروف الجامعات المالية ليست متشابهة، ومن هنا فلا داعي وليس من مبرر لتشابه أو تساوى النسب في التوزيع، إلا أن تكون بعض الجامعات غير قادرة، أو ليست على إطلاع كاف بظروف منتسبيها، فقررت من باب العجز والكسل أن تحدو حذو جامعة أخرى، نهضت بمسؤولياتها في تحديد حاجة العاملين بها من خلال دراسة وتمحيص، مقبولين علمياً، لا تعسفياً! مبتعدين بذلك عن التقليد الأعمى، فهذا مخجل حقاً!
لمن لا يعلم، فإن دخل بعض الجامعات من البرنامج الموازي يصل إلى قرابة الثلاثين مليون دينار، أم البعض الأخر المتعثر مالياً وإدارياً، فلا يتجاوز الثلاثمائة إلف دينار، وأخرى قرابة الأربعة ملايين دينار، مع العلم أن أعداد أعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية مختلفة في كل منها، ومن هنا نجد أن عملية تحديد النسب والتوزيع يجب أن تكون مدروسة لا منسوخة، أو مقتبسة وكأنها أرقام سحرية!
وعليها أن تأخذ بعين الاعتبار من أن تحديد نسبة "اثنان وثلاثون مثلاً، كالتي يعتقد أنها هي النسبة المشتركة التي يجمعون عليها" في جامعة كالأردنية أو جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، يعني مبلغا ماليا يفوق بإضعاف مثيله في جامعات طاردة سواء فيما يتعلق بالبرنامج الموازي أو حتى العادي!
وعليه فأنني أرى أنه من العدل، ومن العقلانية، ومن باب الوعي المالي والإداري، ومن باب الحفاظ على بقاء أعضاء الهيئات التدريسية في جامعاتهم، أن تتفاوت نسب المبالغ المصروفة، بحيث يكون مردودها على كل فرد منصف وليس متشابه، خاصة وانه لا يوجد ما يقيد ارتفاع أو انخفاض تلك النسبة، إلا المنطق طبعاً.
خلاصة القول:
أي قرار فيه تقليد، وخاصة في الأمور المالية، سيعزى إلى العجز الإداري، والإتكالية، واللامبالاة، وعدم الاكتراث، لا بأحوال العاملين بالجامعات ولا حتى بها هي ذاتها! وسيفضي إلى الظلم، ويزيد من الشكوى وحتى الهجرات، وهذا لا يليق بجامعاتنا أبدا.
أ. د. مصطفى محيلان
muheilan@hotmail.com