jo24_banner
jo24_banner

مكانك سر

أ. د. مصطفى محيلان
جو 24 :

لقد أمسى عنف الجامعات ظاهرة بكل معنى الكلمة، ولم يعد استثناء، والبراهين على ذلك كثيرة واضحة كظلام الليل الذي لا يمكن تجاهله، قتلى، جرحى، أسلحة نارية وسلاح ابيض، ملثمين وغازات مسيلة للدموع، حرائق داخل وخارج الكليات.
لقد وشح العنف جامعاتنا بلون الألم والحزن والتخلف، والإحجام عن الرغبة بالدراسة بها ان وجد البديل لدى البعض، وما تراجُع أعداد الدارسين بها من بعض الدول الصديقة والشقيقة إلا تأكيد على عدم اطمئنانهم للتواجد فيها، فأبناؤهم أكبادهم تمشي على الأرض.
في التصريحات المتكررة للقائمين على مؤسسات التعليم العالي «الجامعي»، يشير المسؤولون إلى انه لن يتم التهاون مع أي طالب ثبت تورطه بما حصل ويحصل من أعمال عنف، وآخرها ما تم بخصوص أحداث عنف جامعة البلقاء التطبيقية.
التركيز «كالعادة» من معظم أصحاب القرار على إجراءات منها:
إيقاع العقوبة على الفاعلين، وليس استئصال جذر البلاء، وكلنا يعلم بأن العقوبة مع أنها ضرورية في مثل هذه الحالات، إلا أنها أصبحت لدى رئاسات العديد من الجامعات وأصحاب القرار هي الحل، بعد أن عدِموا الحيلة والوسيلة!؟
إغلاق الجامعة لبضعة أيام، وكم أصبحت بضعة الأيام تلك أسابيع، «الهدف منها تسوية الأمور وتهدئة النفوس، وتحسبا لعدم وقوع أية ردود فعل لاحقة لما يحصل»، والذي غالباً ما تعزوه إدارات جامعات إلى تراكمات منذ سنوات، متناسين أنهم «هم» إدارات الجامعات الذين كان عليهم أن لا يسمحوا بوجود تراكمات، وكان الأجدر بهم حلها جميعاً وتفكيكها قبل تراكمها، فمهنتهم قائمة على مبدأ التحليل والاستقصاء والاستنتاج ووضع البدائل والحلول وليس الاستسلام لتراكم المحن، ولننتظر ما يجود به القدر! أو «بحِلها الحلاّل»! ماذا عن حلولكم انتم!؟ أليس كل رئيس جامعة محاط بفريقه الخاص من عمداء، ومستشارين، ومساعدين، ووحدات من العلاقات العامة، فأين هو المُنتَج من كل أولئك؟ هل عجزتم جميعاً عن حفظ استقرار مؤسساتكم؟ فما هو مبرر بقائكم في مواقعكم إذاً؟ وهل يؤمل منكم أكثر مما قدمتم؟ أترك الجواب لكم فأنا حتماً أعرفه، بالذات من البيانات الإحصائية التي تنشر كل أسبوع عن تعداد المفصولين والمحولين للمجالس التأديبية في الجامعات، والتي صار منتسبوها يشعرون بأنهم في محاكم ونقاط أمنية وليسوا في جامعات!
إقرار استراتيجيات وعقد مؤتمرات تخص العنف، حيث تبدو ضعيفة التنسيق وغالباً ما تنعقد في أيام العطل الدراسية فلا يحضرها إلا القلة أو القائمون عليها، أليست النتائج على أرض الواقع دالة على عدم جدوى تلك اللقاءات والمؤتمرات!
التواصل بين إدارات الجامعات ورموز ووجهاء العشائر في المجتمعات المحلية ونواب المنطقة لتهدئة الأوضاع، وإجراء صُلحات عشائرية. طبعاً كل هذا مطلوب، ولكن قبل وقوع العنف وليس بعده! ولا يجوز أن نلوم المجتمعات المحلية في جميع حالات الإخفاق لدينا، ونعلق عليهم أخطائنا.
في جميع الأحوال، أود أن أذكركم بأمر ليس من المفيد أن تتناسوه وهو، قبل أن تُنشأ الجامعات، هل كان أبناؤها يلجأون إلى العنف في المدارس أو المساجد مثلاً؟ كلا أبداً، وعليه فإن ما يحصل بداخل جامعاتنا هو من نتاجها ومن داخلها أولاً، ولسوء إدارتها، وإهمالها، وبالمناسبة نحن لسنا بحاجة إلى أخصائيين بعلم الجريمة للتعامل مع طلبتنا بقدر ما نحن بحاجة إلى مهتمين ومتابعين ومنصفين وواعين لحجم المأساة!
الاعتراف الذي يجب أن نطلقه بكل جرأة اليوم، هو أنه لم يحصل تغيير إيجابي يذكر في الأداء، وأن الحال لا يزال مائلاً، وأن التحدي لا يزال قائماً، وأن إدارات الجامعات العنيفة لم تقدم ما يستحق شكرها عليه، فتقصيركم يمس عقل الأمة وبيوت حكمتها.

muheilan@hotmail.com

تابعو الأردن 24 على google news