مهلا
السفير هو ممثل حكومة بلاده في دولة أخرى، ويجري اختياره بناء على ميزات ومقومات عديدة أهمها، أن يكون على درجه عالية من الثقافة، والكياسة، والسياسة وإتقان لغة البلد التي سيوفد إليها، وكذلك معرفة عادات أهلها وتقاليدهم ما أمكن، ويهدف وجوده في الدولة المضيفة إلى تطوير العلاقة بين دولته والدولة الصديقة الموفد إليها، وتسمح له تلك الحكومة بالسيادة على قطعة أرض محددة عليها بناء السفارة. وعليه فيتمتع السفير وجميع الموظفين الذين تحت سلطته في سفارته والمركبات والبريد ومبنى السفارة بحد ذاتها بحصانة دبلوماسية.
للسفراء مراتب أكثرها شيوعاً وأعلاها مرتبةً هي:
سفير فوق العادة، مطلق الصلاحية.
سفير مفوض، ويكلّف بمهام خارجية محددة دون إقامة طويلة في الخارج ويعمل كمستشار لحكومته.
السفير المتجول، وهو سفير أعلى رتبة يتم اختياره لتمثيل بلاده، وعلى عكس السفير المقيم (الذي عادة ما تقتصر مهمته على بلد واحد أو سفارة) فإن السفير المتجول يعمل عادةً في البلدان المجاورة والمناطق وأحياناً المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وحتى في حالة السفير المتجول قد يقتصر دوره على تقديم المعلومات والمشورة في قضايا معينة.
من هنا نجد أن للسفراء مكانة لا يستهان بها، وأهمية وأدوار لا يملؤها غيرهم، ومن الخطير جداً، وقلة الحيلة، والتسرع في اتخاذ القرار، وانعدام التخطيط، وتغليب الانفعال، أن يتم طرد السفراء والدبلوماسيين من أي دولة، ألا إذا استنفذت جميع الحلول الأخرى البديلة والأقل ضرراً على الدولة الراغبة أو المضطرة لطرد السفير، إذ أن في طرد السفراء والدبلوماسيين قطع للعلاقة أو على الأقل قطع أهم أداة تواصل مباشر بين دولتين، وترك المجال مفتوحاً لمن يرغب بتعكير وتشويه العلاقات أكثر، وتكوين بحيرة آسنة ذات ماء عكر بل واستدعاء صيادو الجيف لها!
نعم، قد يحصل هذا بسبب تقصير من السفير ذاته أو بسبب غيره!
وهذا ما ليس في صالح الدولتين! ولا في صالح الشعوب! الذين هم الأصل طبعاً، إذ من سيتابع العلاقات بين تلك الدول وشؤون رعاياها ومصالحهم؟!
فلو حصل استفزاز مثلاً، أو تعد أو تقصير أو تجاوز أو تطاول من رعايا دولة بحق رعايا أو ممتلكات دولة أخرى، فالتعاطي مع ذلك هو من مهام السفير وكذلك وزارة الخارجية، حتى وإن كان السفير جزء من المشكلة، فلا يزال هو حلقة الوصل مع دولته بصفته الاعتبارية، ومكلف قانونياً ودولياً بنقل مظلمة الدولة المضيفة حتى ولو كانت بحقه، فالأساس في التعامل بين الدول هو حل الصراعات بالحوار والدبلوماسية، وعند اللزوم اللجوء إلى القضاء أو العدالة بشكلها المطلق السامي، وليس بالقطيعة أولا.
وعليه فعلى البعض أن لا يتسرع بالمطالبة بقطع العلاقات، أو بطرد السفير بصفته الوظيفية الاعتبارية، بل لصفته الشخصية إن كان تقصيره بدافع ذاتي لا يمثل موقف دولته، وهناك فرق كبير بين الحالتين. ومن الضروري أن نستنفذ كافة الوسائل الرادعة الأخرى التي ربما تكون أكثر تأثيراً، إذ عكس ذلك سنكون قد استجبنا وانقدنا لفعل فاعل لا يمثل دولته بفعلته، ومع ذلك فالخاسران في تلك الحالة هما الدولتان.
من ناحية أخرى لو طردنا السفراء عند كل فعل متهور من شخص أو فئة تمثل نفسها وليس دولتها التي جاؤوا منها، فماذا سنبقي لأنفسنا من خيارات في حالات أخرى أكثر تهورا من البعض، سوى "إعلان الحرب"!!، أوَ هذا ما نريد؟
على أي حال من المستفيد من وصولنا لتلك النهاية المأساوية لا سمح الله.
الأصل في حالة تقصير سفير بصفته الشخصية، أن يُطالَب باستبداله لا بطرده، فبهذا نكون قد أبقينا على علاقاتنا مع أصدقائنا "دولته الموفدة".
الأهم من ذلك كله أن ينتبه المواطنون لمصالح وعلاقات واتفاقيات وعهود دولهم المبرمة مع الدول الأخرى، فلا يكونوا طرفاً وسبب في إفشالها، ولا نريد أن نكون ممن وصفهم سبحانه وتعالى بقوله " أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم "، فمصلحة الأوطان تقدم على مصالح الأفراد، مع ضرورة حفظ حقوق الجميع.