في محراب الغضب الشعبي
لم تكن التوقعات بعيدة عن الواقع، فقد اشتعل الشارع الأردني، على وقع القرارات الحكومية الغاشمة، بعد أن طفح الكيل، ونفد صبر الناس.
ولم تكن الهبة الشعبية العفوية التي عمت سائر المملكة وليدة قرار رفع الأسعار، وحسب، بل هي نتاج طبيعي لسياسات التهميش والإقصاء وامتهان كرامة الأردنيين، وسيطرة الفاسدين والمستبدين وقوى الشد العكسي على مقدرات القرار في الدولة.
ولقد انتظرنا هذه اللحظة المفصلية التي سترسم وجها جديدا للأردن، وستجعل صوت الشعب أقوى من أي صوت، عندما يستعيد سلطته وسطوته، لكننا لم نشأ أن يأتي ذلك من خلال وسائل، ربما تكون عنيفة، وغير مقبولة، كإحراق المباني والسيارات التابعة للدولة، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.
لكنّ السؤال الذي يهدر دائما بالغضب: من الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد من الاستعصاء، ومن الذي استهان بكرامة الأردنيين، وقاوم الإرادة الشعبية، وزيّفها مرات ومرات. ومن الذي استسهل الحلول السريعة التي تتوجه دائما إلى جيب المواطن الطفران الذي أفاق اليوم وإذا بأسطوانة الغاز بعشرة دنانير ونصف الدينار، وغداً سوف تنهمر الارتفاعات والزيادات المرتبطة بالمشتقات النفطية، وستشمل مواد أساسية وتموينية، لا غنى لأحد عنها؟
التداعيات السابقة لقرار رفع الأسعار، والتحذيرات التي وصلت صانع القرار من جهات متعددة (إلا الجهة الأمريكية على ما يبدو) كانت تصب في مجملها باتجاه عدم الإقدام على هذا القرار «الانتحاري» الذي سيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لكن السلطة المسترخية على حرير الوهم، أصرت، كعادتها على عنادها وبرنامجها الإقصائي، فرأينا ما رأيناه، وسنرى ما هو أشد وأوسع، ما ينذر بانتفاضة شعبية ربما تهدد النظام، وتقوّض كينونته، وتُدخل البلاد في نفق من الفوضى والاضطراب.
وفي غمرة هذا اللجة، ومن أجل إنقاذ الوطن من سيناريوهات قاسية وباهظة الثمن، يكون الرد على سؤال: ما العمل؟ واضحا، ولا يحتاج إلى عبقرية، إذا كان رأس النظام ينوي الشروع في إشاعة مناخات من الانفراج السياسي، وتنفيس الاحتقان الشعبي، وتوحيد جهود الأردنيين من أجل تجاوز هذا المنعطف التاريخي الصعب.
ولعل أول ما يتعين فعله في هذا الاتجاه هو الإلغاء الفوري والسريع لقرارات رفع الأسعار، وتشكيل حكومة وفاق وطني، تعمل على وضع قانون انتخاب توافقي يفرز مجلس نواب قادر على تحمل تطلعات القواعد الشعبية، وإعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها، واستعادة هيبتها المفقودة.
لقد قلناها لمستشاري الملك، غير مرة، إن الأزمة في الأردن ليست معقدة إلى درجة استدعاء ما جرى في دول الربيع العربي من أجل حلها. المشكلة التي نعاني منها تستوجب تفعيل الإرادة الحقيقية للإصلاح، والابتعاد عن سياسات الإقصاء والتهميش ضد أي مكون من مكونات العملية السياسية، والاحتماء بالشعب الذي هو مصدر السلطات، وصمام أمان النظام والدولة.
لقد بُحّت أصواتنا، ونحن نصرخ، ونتمنى من النظام أن يزيل الطين والعجين من أذنيه، ويصغي إلى أصوات العقل، قبل أن يصبح مضطرا للإصغاء إلى الهدير الشعبي الصاخب، وقبل أن يكون وقتُ الندم قد فات وولّى!! (السبيل )