2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الأمير حمزة!

د.موسى برهومة
جو 24 : كان الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي يكتب قصائده، ويضمّنها رموزا وإيحاءات، وإشارات إيمائية، لكنها لم تكُ صريحة. وقد عزز هذا الأمر بقوله ذات مرة:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخَلق جرّاها ويختصمُ
أي أنني أكتب أشعاري، وأنام قرير العين، فيما ينشغل الناس والنقاد في تفسيرها وتفكيك رموزها.
وكان هذا الحال مطابقا لحال الأمير حمزة بن الحسين، حينما كتب «تغريدة» على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، قال فيها، مستعيدا حال الشاعر أبي فراس الحمداني وهو في السجن، مكبّل الحرية:
سيذكرني قومي إذا جدّ جِدّهم
وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر
ثم أعقب، معلّقا: رحم الله الحسين بن طلال.
وحار المعلقون والمراقبون والقراء في تفسير مغزى اقتباس الأمير، لا سيما وأنه جاء في قمة احتدام «هبة تشرين» التي تفجرت في مختلف أنحاء الأردن. مع أن ثمة من قال إن «التغريدة» جاءت، وحسب، بمناسبة ذكرى ميلاد الملك الراحل الحسين.
لكنّ مفاعيل «التغريدة» أو ما تبعها من من إحداثيات دفعت معلقين إلى الجزم بأن وراء الأكمة ما وراءها، فراح من يتحدث عن تسريبات إعلامية وسياسية، لتغيير في نظام الحكم في موازاة الهتاف الصاحب الذي رافق بدايات «هبة تشرين»: «الشعب يريد إسقاط النظام»، ما أعاد كلاما سابقا على الهبة بأشهر، كشف عن نوايا جهات دولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وقوى إقليمة، لإحداث «تغيير في النظام»، وليس «تغيير النظام».
وقد عبّرت عن هذا السيناريو تصريحات وإيماءات في الصحافة الغربية، والأمريكية، كان آخرها ما أوردته الصحيفة الأكثر أهمية في أمريكا والعالم الـ«نيويورك تايمز» التي خرجت قبل أيام قليلة بعنوان «المتظاهرون الأردنيون يحلمون بالتغيير نحو أخ الملك».
مراسل الـصحيفة الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة، ويدعى «ديفد كيركباتريك»، كتب تقريره من عمّان، لافتا إلى أن «الفكرة الخيالية بانتقال السلطة إلى الأمير حمزة (32 عاماً) تستحوذ على مخيّلة التحرّك المعارض الناشئ، الذي يمثّل حالياً أكبر تهديد للأردن منذ عهود».
ويزعم كيركباتريك، بأن ناشطي الحراك «سيحملون صور حمزة وأمراء آخرين خلال التظاهرات المقبلة، كإشارة إلى المطالبة بتغيير داخل العائلة المالكة».
ورغم أنني لم أسمع، ولم أقرأ في أثناء «هبة تشرين» بأن أحدا أو حراكا أو تيارا، نادى بالأمير حمزة، إلا أن الوقائع السابقة يتعين ألا يتم التعامل معها باستهانة، أو أن تعمل «آلة النفي الرسمية» على تسخيفها ودحضها، بل يجب التعامل بعمق مع العقل الذي أنتجها، والدلالات التي تستبطنها، مع ربطها بالتصريح الذي أدلى به، في اليوم الثاني للهبّة، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر: «الشعب الأردني متعطش كغيره من دول الربيع العربي للتغيير».
وحتى «لا يجهلن أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلينا»، يتعين أن نقرأ سيناريوهات التفكير الأمريكي، ونأخذها على محمل الجد، قبل التفكير في مقاومتها رسميا وشعبيا، لأن فعل المقاومة لا يأتي في غمرة انقسام سياسي عمودي كالذي تشهده بلادنا، ولا يأتي وسط حمأة الاستقطاب الضاري الذي تمارسه أوساط نافذة، وبلا قلب، داخل النظام.
«المقاومة» تستدعي تنويع سلة الخيارات، عبر البحث عن بديل لفك الارتباط «الحميمي» مع اشتراطات الإدارة الأمريكية التي تعتقد أن بمقدورها أن تغيّر الأنظمة، كما يغيّر المرء سرواله الداخلي!(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news