2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

صورة المرأة في المرايا المهشمة

د.موسى برهومة
جو 24 : حين أعيته الحيلة في الرد المقنع والحوار العقلاني مع زميلته تحت قبة البرلمان، راح نائب أردني يرغي ويزبد ويصيح ويشتم من اقترح فكرة «الكوتا» النسائية التي خصصت خمسة عشر مقعداً للمرأة من بين مقاعد البرلمان المئة والخمسين.

ولم يتوقف النائب الذي سجل أعلى نسبة من المشاجرات في تاريخ البرلمان الأردني، عند هذا الحد في محاولته منع زميلته النائب من الحديث، فراح يشهر سيف السلطة الدينية، وينهل من ذاكرته المتخمة بتحقير النساء، مورداً، وعلى نحو مجتزأ وركيك، الحديث النبوي الذي رواه عبدالله بن مسعود: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها»، وهو حديث رواه أبو داود والترمذي، وصحّحه الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب».

وغيرَ بعيد عما جاء به النائب الأردني الذي كالت له زميلته الصاع صاعين، وانسحبت، على أثرها، النساء النائبات من الجلسة، ما يفعله غلاة المتزمتين «الجهاديين» من «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» وسواها من جماعات الإسلام السياسي المتطرف التي لا يبدأ خطابها إلا بالصلاة «على سيدنا محمد المبعوث بالسيف رحمة للعالمين»، في تحوير وتزوير واضحين لمغزى ومقاصد الآية «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».

فكلا الخطابين، خطاب النائب وخطاب التزمت والتكفير، ينهل من مستنقع واحد، ويعيشان ما قبل ألف عام، ويفكران بعقلية الكهوف، ولا يدركان ما طرأ على روح العالم من تحولات التعايش والدعوة إلى العدل والسلام وتقبّل الآخر، وإعلاء شأن المرأة لا باعتبارها تابعاً مكانه البيت، وإنما بصفتها شريكاً في صنع الحياة، وباعتبارها مستقبل العالم.
وما تفوّه به النائب بخصوص زميلته «الشجاعة» المدافعة عن الحريات، تتفوه به غالبية مكونات المجتمع العربي وفي طليعتها المثقفون والأكاديميون والنخبة. ويتذكر كاتب هذه السطور، عندما كان يدرّس في جامعة أردنية، قول زميل له يحمل درجة «بروفيسور» عن زميلة مشتركة في الكليّة غضبت ذات مرة: «صحيح أنها دكتورة. بس بتضل «مره»/ امرأة ناقصة عقل ودين»!

وتكتظ المخيلة الشعبية بأمثلة وأقوال وحكايات لها امتدادات دينية تعكس انحطاط صورة المرأة، وتدني رتبتها في السلّم الاجتماعي، إلى الحد الذي دفع الحكومات إلى تخصيص مقاعد للكوتا النسائية من أجل إشراك المرأة في الحياة السياسية، لعلم أصحاب القرار أن المرأة في المجتمع العربي لن تصل إلى قبة البرلمان بمجهودها الذاتي، لا لعدم حيازتها الأهلية والكفاءة والجدارة، بل بسبب النظرة الاجتماعية المتخلفة للنساء، والقيم الذكورية المسيطرة التي أفصح عنها «لا وعي» النائب الذي كان برنامجه الانتخابي محشوّاً بشعارات الدفاع عن المرأة وإنصافها واعتبارها شريكة في قيادة المجتمع!

وإذ تتعطل لغة الكلام، عندما يقابل الحبيب حبيبته، فتتخاطب العينان، فإنه في حال الحديث عن دور المرأة (وربما الحبيبة)، يتعطل العقل، وتبدأ الغرائز المتوحشة في الظهور إلى العلن، ويندلع خطاب السلطة الضريرة العاجزة التي لا ترى في المرأة إلا كائناً تابعاً تبعية مطلقة، وأن مكانها المنزل تطبخ وتنفخ وتجلي الأواني «وتلقط الملوخية» وتتمكيج (تتزين) لزوجها كما نصح النائب الهمام الذي كانت دعته أعرق جامعة في الأردن إلى إلقاء محاضرة أمام طلبتها الذين تشكل الإناث غالبيتهم!
وما دامت الترسانة الدينية، مصحوبة بالإكراهات الاجتماعية، والوعي العام المخدوش، تهيمن على الفضاء التداولي في المجتمع العربي، فإن أي حديث عن التنوير مصيره الإخفاق والجنوح، ما لم يبدأ من تفكيك الخطاب الديني، وإعادة تأويله وفق الرؤية الحضارية واستحقاقاتها، ومن ثمّ إعادة تأهيل الوجدان العربي والإسلامي، ليتخفف من غلوائه في قضية المرأة، وهذا لا يتأتى، كخطوة أولى، إلا من خلال التشريعات المدنيّة الحازمة والمنصفة، وكذلك التربية وحقن المناهج الدراسية بأفكار ورؤى عقلانية تنشئ جيلاً متعافياً من أمراض آبائه وأجداده الذين أنفقوا جُل أشعارهم وأعمارهم وهم يقفون على الأطلال، ويتشبّبون بالمرأة التي لمع ثغرُها كالسيف الذي ودّ الشاعر تقبيله ذات معركة سال فيها ولا يزال دم كثير!
تابعو الأردن 24 على google news