الامطار تكشف " المخفي "
بدون مقدمات ، فعندما تغرق شوارع عمان واربد والزرقاء..الخ، ويتحول بعضها الى بحيرات صغيرة، وعندما تفيض الانفاق ، كما حصل في نفق الواحة ، ويتعطل السير ، بسبب عدم تصريف المناهل والعبارات للمياه المتدفقة، فان هذا يعني ان بنية هذه الشوارع غير سليمة ، وتفتقر الى ادنى شروط العمل الهندسي ، وان المقاولين الذين رسا عليهم عطاء هذه الشوارع والانفاق والجسور والعبارات، لم يؤدوا الامانة، فلم ينفذوا هذه العطاءات كما تنص بنودها ، فلم يتقيدوا بمواصفات المواد المستعملة ، في الاعمال الانشائية ، واستبدلوها بمواد أرخص ، وقد غاب العمل الهندسي الحقيقي في التنفيذ والاشراف ، عن كل ذلك فجاءت الأمطار لتكشف الفساد والمفسدين وبابشع صورة.
وحتى لا نتهم باننا نلقي الكلام جزافا، وعلى عواهنه، فلنقارن شوارعنا، بشوارع المدن الاخرى ، ف”المسعدين” وكما كان يردد زميلنا المرحوم جورج حداد، الذين زاروا المدن الاوروبية، لم يروا قطرة ماء واحدة تجمعت في شوارع هذه المدن ، علما ان الامطار تسقط على مدار العام، والحياة لا تتعطل حتى في ظل اعتى الظروف الجوية ، وتصل الحرارة الى ما دون الخمسين مئوية ، كما هو الحال في روسيا، ما يؤشر على حجم الخراب، وعلى ترعرع الفساد الذي ضرب كل شيء، ولم يسلم منه شيء، والضحية دائما هي المواطن الغلبان، الذي يضطر الى تعلم السباحة من جديد، ليقطع الشارع، بعد أن تغرق سيارته ، ويدب الصوت على المارة،لانقاذه وانقاذ اسرته واطفاله من غرق محقق.
ونسأل ونتساءل بعد هذا الخراب ، والذي أصبح بحق كارثة تضرب عصب الحياة ، وتوقع بالاقتصاد وبالمواطنين خسائر فادحة ، نتمنى ان يتطوع أحد المختصين بتقديرها ، ليقف المواطنون والمسؤولون على حجم الخسارة التي سببها الفساد والمفسدون...نسأل.. لماذا لا تقوم الامانة في عمان وكذلك في الزرقاء واربد، وغيرها من المدن ، بتكليف نقابة المهندسين، لتشخيص الخلل، واحالة المتورطين، أوبالاحرى الفاسدين الى النائب العام؟؟ لقد بحت أصوات الحراك الشعبي وعلى مدى أكثر من عشرين شهرا، وهم ينددون بالفاسدين ، ويطالبون بمحاكمتهم ، وتخليص البلاد والعباد من شرورهم، وها هي امطار الخير تكشف هؤلاء الفاسدين ، وتكشف خطورة فسادهم ، وجراتهم في مقارفة الغش والخداع، بابشع صورة، فالشوارع تسيح، وتصبح مجرد بسكويت..!! والانفاق والعبارات تغلق ، ويتسبب تدفق الامطار بحوادث سير خطيرة ، وتشكيل سيول تغمر المنازل المقامة في المنخفضات، وعلى اطراف الوديان فتغمرها ، مضيفة ماسي جديدة الى أخرى.. يعاني منها المواطنون في هذا البرد الشديد، واهمها ارتفاع اسعار المحروقات .
باختصار.... في الامثال الشعبية “ يرى الذيب ولكن يبحث عن أثره..!” فهذه الامطار كشفت عن الفاسدين ، واعفت المعنيين من مهمة البحث والتقصي ، وما عليهم الا تشكيل لجان من نقابة المهنسين للتأشير على الخلل ، وتسليم ملفات المتهمين من المقاولين وغيرهم الى النائب العام .
املين ان لا تكون صيحتنا...صيحة في برية بدون صدى..
(الدستور )