ماذا يجري في الوطن العربي ؟
في ظل مناخ سياسي يغلب عليه التصادم والانقسام، وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الناجمة عن سياسة التفرد وغياب الديمقراطية، واستشراء الفساد، وطغيان حالة التخلف والتبعية، وغياب المنهجية العلمية في التحليل والتفكير والممارسة، واختفاء التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهيمنة الاقتصاد الريعي، وتمركز الثروة واتساع مساحات الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وتهميش دور المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل هذه المناخات نستقبل العام الجديد عام 2013 ، بعد مرور عامين على الثورات الشعبية، وأكثر من ستة عقود على بدء رحيل الاستعمار الكولونيالي عن الوطن العربي. والمشهد العربي في هذه الأيام أكثر سوداوية من السابق... نستقبل عاما جديدا لا يحمل الجديد، مع ادراكنا أن الحركة مطلقة " فالتاريخ يُعيد نفسه على شكل مهزلة " مهزلة العرس الديمقراطي، والاصلاحات السياسية المزعومة ... وتحويل كل شيء الى " سلعة " تباع في الأسواق حتى أصوات الناخبين والمرشحين أفرادا وقوائم .
لعلنا نتذكر تجربة الشعوب العربية خلال النصف الثاني من القرن الماضي حين كان الاعتقاد السائد أن الطريق معبدة لبناء الدولة العربية المتحررة، الدولة العصرية الديمقراطية، والتصدي للتخلف الاقتصادي والاجتماعي، الا أن ما تعرضت له هذه البلدان من ضغوطات أجنبية بقصد افشالها أو احتوائها، وغياب الديمقراطية ومؤسساتها، وتورط الأنظمة بممارسة سياسات بوليسية معادية للحريات العامة، ونقل الصراع الى الداخل، وفرض نهج اقصائي أدى الى انفجار الصراع بين التيارات القومية واليسارية أسفرت عن هيمنة نماذج معادية للقضايا الوطنية، عقدت صفقات مشبوهة مع الكيان الصهيوني، وتحولت الى أنظمة فاشلة مفلسة سياسيا وأخلاقيا.
ما نخشاه تكرار المهزلة، والوطن العربي يمر بمرحلة جديدة، سمتها الأساسية الانتقال الى الديمقراطية، وللديمقراطية أصول ومبادىء وأسس ينبغي احترامها بعيدا عن التفرد والهيمنة، والاستفادة من التجربة الغنية والمريرة التي عاشها الوطن العربي، بتجنيب الأمة صراعات تناحرية تؤدي الى وأد الثورة، فاحتدام الصراع بين ثنائية جديدة في الوطن العربي "التيار الاسلامي" و " التيار القومي اليساري" يدفع المنطقة بأكملها نحو الجحيم، والنموذج السوري ماثل أمامنا، فقد سقطت سورية ضحية الاستقطابات الاقليمية والدولية ودوافع بعضهم في الانتقام من الدولة السورية رغم مشروعية مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والتعددية السياسية، فالاقليم يشهد ثلاثة مشروعات تتصارع على المنطقة:
المشروع الأول: الصهيوني المتحالف مع الاحتكارات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الذي ابتلع فلسطين وأجزاء من البلدان العربية، ولم تقف أطماعه عند حدود معينة، ويسعى للوصول الى منابع النفط، والهيمنة الكاملة على المنطقة العربية.
المشروع الثاني التركي: برز هذا المشروع بعد نجاح الحركة الاسلامية بتثبيت أقدامها في تركيا، وفيه حنين للماضي باحياء "الدولة العثمانية" التي هيمنت على الوطن العربي 400 عام.
وبعد فشل محاولاتها المتكررة في الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي، وجدت بالأسواق العربية ملاذا لصادراتها مستفيدة من العلاقات التي أنشأتها مع الأقطار العربية، وتضامنها مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضد الحصار الصهيوني، وتحالفها مع الحركات الاسلامية في الوطن العربي وخاصة في سورية، وهي تضع قدمها الأولى في حلف الاطلسي والأخرى في الوطن العربي.
أما المشروع الثالث فهو الايراني ولد هذا المشروع بعد الثورة الايرانية ووصول التيار الاسلامي للحكم، وبعد الحرب الضروس مع العراق، استفاد من الاحتلال الامريكي للعراق بهزيمة خصمه ووصول حلفائه للحكم. وقد كان لموقف ايران المعادي للاحتلال الصهيوني ودعم المقاومة المسلحة بقيادة حزب الله في لبنان، وحركتي حماس والجهاد في فلسطين دور بارز بازدياد نفوذ ودور ايران في المنطقة وتوسيع قاعدة حلفائها، وقد تراجع هذا النفوذ في الآونة الاخيرة على خلفية استقطابات الأزمة السورية.
تتمحور المشروعات الثلاثة في ظل تغييب المشروع النهضوي التحرري العربي، وان كنا ننظر للمشروع الصهيوني الأكثر خطورة باعتباره نقيضا للمشروع العربي، فانني لا أعتبر المشروعين التركي والايراني كذلك الا بالقدر الذي تتناقض مصالحهما مع مصالح الأمة العربية، ولا ينظر لهما باعتبارهما اعداء للأمة العربية، بل يفترض أن يكونا شركاء وحلفاء بالقدر الذي تتوافق مواقفهما مع مصالح الأمة العربية، مع اظهار مواقف حازمة حيال أي أطماع توسعية على حساب الوطن العربي، فالثورة العربية يفترض أن تشكل مدخلا لاحياء المشروع العربي الحضاري، الذي يحتاج مناخا ديمقراطيا ورؤية تقدمية لمستقبل الوطن العربي.
f.katout@alarabalyawm.net