هبة نيسان ... وواقع الاقتصاد الاردني
في صباح الثامن عشر من نيسان هبت رياح الحرية والديمقراطية من الجنوب, لتمتد الى مختلف المدن الاردنية, فجر الشعب الاردني ثورته ضد الظلم والفساد والاستبداد, وعلى الرغم من اجراءات القمع والارهاب واعتقال الاف الاردنيين, الا ان الحكومة لم تصمد اكثر من اسبوع واحد في وجه الغليان الشعبي, استقالت الحكومة وطوت معها صفحة سوداء في تاريخ البلاد, وفتحت هبة نيسان صفحة جديدة, عنوانها رفض السياسات الاقتصادية التي اغرقت البلاد بالمديونية, وادت الى تراجع احتياطات العملات الأجنبية وانهيار سعر صرف الدينار امام العملات الأجنبية. وتحميل الشعب الاردني اعباء الازمة الاقتصادية التي انفجرت في نيسان .89
اليوم وبعد مرور اكثر من عقدين على هبة نيسان لم يتمكن الشعب الاردني بعد من بناء دولته المدنية الديمقراطية, وتحقيق التداول السلمي للسلطة, لم تتوفر الفرصة بعد لمعالجة الاوضاع الاقتصادية التي كانت سببا رئيسيا لانفجار الازمة في نيسان, وما زالت الجماهير الشعبية تعاني من الفقر والبطالة, وما زال الاقتصاد الاردني يعاني من تشوهات هيكلية في بنيته, ومديونية متنامية, وعجز متفاقم في الموازنة.
يتردد سؤال على السنة الكثيرين, ما هي أوجه الشبه بين الوضع الاقتصادي التي تعيشه البلاد في هذه الأيام, والظروف العصيبة التي مر بها الاقتصاد الأردني في عامي 88-,89 وللإجابة على هذه التساؤلات يمكن القول ان أوجه الشبه كثيرة, والاقتصاد الوطني مهدد بالانزلاق نحو أخطار لا تحمد عقباها, وبالعودة للأرقام عندما أخضع الاقتصاد الوطني لبرنامج التصحيح الاقتصادي 1991-,1998 يتضح ما يلي: شكلت الإيرادات المحلية لموازنة عام 1991 حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي, وعلى الرغم من زيادة الإيرادات المحلية خلال العقدين الماضيين بالأرقام المطلقة من 829 مليون دينار إلى 4389 مليون دينار في عام 2011 أي حوالي 500% إلا أن نسبة الإيرادات المحلية للناتج المحلي الإجمالي تراجعت الى حوالي 23%, وهي نقطة سلبية تعكس تراجع إمكانيات الاعتماد على الذات وزيادة الاعتماد على التمويل الخارجي من قروض ومساعدات. كما شكلت الإيرادات المحلية في عام 91 حوالي 92% من النفقات الجارية, بينما لم تشكل الإيرادات المحلية سوى 75% من النفقات الجارية في عام 2011 قدر عجز الموازنة في عام 91 بحوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي, واستهدف برنامج التصحيح تخفيضها إلى 5% في عام ,1998 لم يحقق برنامج التصحيح أهدافه فقد بلغ عجز الموازنة عام 1998 حوالي 12%, بينما بلغت نسبة العجز في موازنة 2011 حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي. قدر العجز التجاري بحوالي 35% عام ,1991 وارتفعت نسبته في عام 2011 إلى 38% من الناتج المحلي الإجمالي. اما المديونية التي قدرت نسبتها بحوالي 200% وهي مرتفعة جدا مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي الذي كان يقدر بحوالي 3 مليارات دينار, بينما بلغت نسبة المديونية وفقا لأخر التقارير بحوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي, وقد تجاوزت المديونية الحدود الآمنة التي حددها قانون الدين العام بان لا تتجاوز نسبة 60%من الناتج المحلي الإجمالي.
أما التبدلات الهيكلية التي طرأت على الاقتصاد الأردني خلال العقدين الاخيرين, اتسمت بزيادة اعتماد الخزينة على الإيرادات الضريبية, فقد شكلت الإيرادات الضريبية حوالي 50% من مجمل الإيرادات المحلية لعام ,1991 ارتفعت هذه النسبة لتصبح 71% في عام ,2011 على الرغم من تخفيض نسبة مساهمة كبار الرأسماليين في الإيرادات الضريبية, فقد انخفضت نسبة مساهمة القطاع المصرفي من 50% إلى 30% وكذلك كبار التجار وقطاعات التأمين وغيرها ولكن بنسب مختلفة, وبالمقابل ارتفعت نسبة مساهمة الطبقة الوسطى وأصحاب الدخل المتدني بشكل ملموس وذلك من خلال فرض ضريبة المبيعات بنسبة 16% على معظم السلع الأساسية, وهذا يفسر زيادة تكلفة الاحتياجات الأساسية للمواطنين وانهيار القيمة الشرائية للرواتب والأجور, نتيجة زيادة العبء الضريبي على الغالبية العظمى من المواطنين .
انعكست هذه النتائج على كافة المواطنين من ذوي الدخل المحدود, ويمكن ملاحظتها على المشتغلين باجر في القطاعين العام والخاص بشكل ملموس, حيث تشير ارقام دائرة الاحصاءات العامة ان (745) الفا من العاملين باجر يتقاضون اقل من (300)دينار شهريا وبشكلون حوالي 60% من العاملين باجر, و (363) الفا من العاملين باجر يتقاضون ما بين 300- 500 دينار , وبذلك يصبح حوالي 90% من مجموع العاملين باجر يعيشون على حد الفقر. (العرب اليوم)