الهيئة المستقلة للانتخاب والقدرة على تقييم الذات
إن المتابع لعمل الهيئة المستقلة للانتخاب منذ بداية عملها يجد بأن عملها بأمس الحاجة الى المراجعة والتقويم ، ومؤشرات الحكم الصحيح على مخرجات عمل الهيئة وقدرتها على تنفيذ النص الدستوري ومضامينه من حيث الإدارة والإشراف على العملية الانتخابية ، هذه المهام الرئيسة التي أناطها الدستور الاردني بالهيئة والتي يجب أن تطوع وتكرس أعمالها وأن يلبي جوهر هذه المخرجات المضمون المعياري لمفهوم الإدارة والإشراف على العملية الانتخابية.
يعتبر قانون الهيئة المستقلة رقم 11 لعام 2012 هو الناظم والمرشد لعمل الهيئة وتضمن في طياته العديد من النصوص القانونية التي يجب على مجلس مفوضي الهيئة القيام بها وتنفيذها باعتبارها جزء واختصاص يجب القيام به للنهوض بمهمة الإدارة والإشراف ، فضلاً عن أن الأعمال الإجرائية ودقتها وسلامتها وشفافيتها تعتبر من أهم المؤشرات الموضوعية للحكم على العملية الانتخابية بتمتعها بالشفافية والنزاهة والتي تشكل مبتغى العملية الانتخابية فكلما ذكر المشرع مراحل العملية الانتخابية وتنظيمها بعمل إجرائي أردف قائلاً لتحقيق الشفافية والنزاهة والحياد .
قامت الهيئة المستقلة للانتخاب ممثلة بمجلس المفوضين خلال الفترة الزمنية المنصرمة بالعديد من الإجراءات والاعمال التنفيذية وكأن التعليمات التنفيذية أحد أهم الأدوات الرئيسية والتي تكاد تكون الوحيدة التي سلكها المجلس باعتبار أن الخطط الاستراتيجية والزمنية والأوراق المرجعية وغيرها من الأدوات العلمية ما يزال العقل العربي غير قادر على التعامل معها بل يعتقد بأنها من قبيل الترف الفكري ، وأن المطلع على التعليمات التنفيذية التي اصدرتها الهيئة منذ تأسيسها والتي تصل لغاية 14 اشارت الى كافة مراحل العملية الانتخابية ، إلا أن هذه التعليمات شابها العديد من الاشكاليات والهنات الشكلية والموضوعية والتي شكلت بمجملها عقبات ومعيقات أمام بعض الممارسات خلال مرحلة الحملات والدعايات الانتخابية ويوم الاقتراع ، إن التعليمات المتعلقة بالدعاية الانتخابية بحق تحتاج الى مراجعة عامه وشامله والآن الفترة مواتيه لرصد كافة الممارسات والتي لم يكن لها غطاء تشريعي، بالإضافة الى متابعة كافة السلوكيات والسلبيات التي رافقت هذه المرحلة ومحاولة إيجاد مخارج قانونية لها من خلال تطوير البنية التشريعية للتعليمات وتجريم كافة هذه المظاهر باعتبار أن بروز هذه السلوكيات لتصبح على شكل ظواهر تبرز الحاجة الملحة لسن تشريع أو تعديل تشريع وعليه تحتاج الى تدخل المشرع بفعل مادي " تشريعي " لتحقيق الردع العام .
أما بالنسبة ليوم الاقتراع فإن الراصد والمراقب لكافة مراحل هذا اليوم يجد بكل حياد وموضوعية: إن البداية لهذا اليوم نوعاً ما كانت موفقة إلا أن النهاية لم تكن موفقة بل وأن أحد أسباب تأزيم الشارع كان بسبب ضعف الأداء الظاهر للعيان من قبل الهيئة ، وإن ما تناقلته وسائل الإعلام وجموع المواطنين من سلوك كادر الهيئة خلال فترة إعلان النتائج والتضارب والإرباك الذي أصاب الهيئة كان مؤشراً على أن العمل كان ردات فعل ولم يكن بمنهج يتم الاحتكام إليه عن ورود أي ملاحظة، حيث غدى الأسلوب العام للهيئة مصاب بحالة من الفوضى والتخبط والوهن العام لعدم حسم الخلاف والجدل الدائر في الشارع الاردني – والمبرر- باعتبار أن إعلان النتائج تتويج ومخرج للعملية الانتخابية والتي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر، هذا يتطلب أن تسحم الهيئة كافة الأمور بشكل واضح ودقيق وتتخذ إجراءات عملية تتسم بالشفافية والنزاهة والحياد بشأن كافة الاحداث وتجيب على استفسارات الجميع في هذا السياق .
بل أكثر من ذلك لماذا كل هذا التخبط في إدارة مرحلة إعلان النتائج، هذا للأسف حال جميع الاعمال الوطنية الاخراج النهائي للجهد يذهب هباء الريح أو يغدو كمومياء ما أن تلبث أن تنزع رباطه إلا أن يتطاير في الهواء. الغريب أن الموضوع هو فقط عمليات حسابية واضحه، ولا تحتاج الى كل هذا الجدل وتأزيم الشارع والانتظار لهذه الفترات الزمنية الطويلة أعتى الدول الديموقراطية في العالم والتي تفوق الأصوات في الأردن بعشرات الألاف ما أن تنتهي العملية الانتخابية إلا ويظهر المعنيون ويعلنون النتائج على الملأ مصحوبة ومشفوعة بكافة البيانات والمحاضر التي تؤيد المخرجات والتي يستطيع الكل الاطلاع عليها ومراجعتها والتحقق من صحتها بل ودراستها وعمل مقايسات ودراسات كمية ونوعية على المشاركة العامة بشكل عام.
لماذا لم يتم إتباع هذه الاجراءات وحساب النتائج بناء على المحاضر كل هذا التأخير في إتباع إسلوب واضح لإعلان النتائج أدى الى موجة اعتراضات ومظاهرات في كافة المحافظات، الغريب أن الهيئة تستعين بأشخاص وخبراء لحساب النتائج ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كان الاجدر أن يتم تنظيم هذه العملية وتمكين الجميع من الاطلاع على النتائج النهائية في كل المحافظات وعلى كافة المستويات من دوائر محلية وقوائم عامة ومقاعد مخصصة للنساء ، بحيث تمكن الجميع من بإمكانه المراجعة واتمام العملية الحسابية ، والسؤال الاكثر جدلاً والذي يتردد ما شأن الهيئة وممثليها بتقديم التهاني والمباركات وزيارة مقار المرشحين وفي اليوم التالي يتفاجأ المرشح بأنه لم يحالفه الحظ.
من جهة أخرى للأسف كان التعامل الحكومي طاغي على الاداء العام للهيئة ولعملها بمعنى أن الهيئة لم تكن موفقة في إنضاج موقف وطني يبلور مؤسسيتها وتجربتها الوطنية باعتبارها مؤسسة وطنية لا مؤسسه حكومية، كما رسمها القانون بل زامن ورافق العملية حث الحكومة على المشاركة وتصريحات رسميه وغيرها هذا مع العلم بأن المادة الرابعة من قانون الهيئة سالف الذكر يخولها صلاحية اتخاذ القرارات لتمكينها من أداء مهامها بنزاهة وشفافية وحياد.
والمنتظر الأن أن تستكمل الهيئة كافة أعمالها وفقاً لأحكام المادة 12 من قانون الهيئة واستكمال الجدل القائم حول النتائج النهائية وإعلانها، فضلاً عن إصدار التقرير الختامي لكافة المراحل بمشتملاته والتي تمكن الجميع من الاطلاع وبسط الرقابة على العملية الانتخابية وأداء الهيئة بشكل عام .