الوطن أولى بهم
تحدد المادة رقم (3) من قانون التعليم العالي والبحث العلمي لسنة 2009 في المملكة الأردنية الهاشمية، العديد من الأهداف التي تُنشأ من اجلها مؤسسات التعليم العالي بكافة أشكالها، ومنها:
- إعداد الكوادر البشرية المؤهلة والمتخصصة في حقول المعرفة المتنوعة التي تلبي حاجات المجتمع.
- - تشجيع البحث العلمي ودعمه ورفع مستواه، وخاصة البحث العلمي التطبيقي الموجه لخدمة المجتمع وتنميته.
- - بناء نواة علمية تقنية وطنية قادرة على تطوير البحث العلمي وإنتاج التكنولوجيا.
وطبعاً لا تدخر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جهداً في سبيل تعميق هذه التوجهات وحسب الإمكانات وعبر إداراتها المتعاقبة، كذلك تبذل جامعاتنا جهدها وعلى درجات متفاوتة في سبيل جعل هذه الطموحات الوطنية واقعاً ملموساً، وفي جميع الأحوال وبرغم كل الصعوبات وفوق كل الآلام، نصل في كل عام إلى الفرحة الكبرى في مسيرة كل مدينة أردنية، بل في حياة كل أسرة أردنية، وهي لحظة التخريج.
جد واجتهاد وتنافس بين الطلبة، معاناة وتكاليف مادية ثقيلة ودعاء لا ينضب من الوالدين والأقربين، خطط وموازنات من الدولة، كلها تتكاتف معاً من اجل الوصول إلى ذلك اليوم وتحقيق تلك الغايات السامية المشار إليها أعلاه.
إن نسبة عالية جداً من طلبتنا الخريجين في تخصص الطب، يحصلون على منح دراسية من دول أخرى وبالتحديد الغربية منها، وذلك لإكمال دراساتهم العليا في تلك الدول، والمنحة لمن لا يعلم تكون عادة مجانية مقارنة بالابتعاث الذي يكون مقابل التزام وضمانات ضخمة تجبر المستفيد منها على العودة إلى الجامعة الموفدة، وحيث أن جامعاتنا لا تستطيع استيعاب أعداد الطلبة الخريجين منها والراغبين في إتمام دراساتهم فيها، تجدهم مضطرين لقبول العروض المغرية بالدراسة المجانية "في الخارج"، ولعدم وجود ضمانات تجبرهم على العودة إلى وطننا ترى العديد منهم يشتري - مع الأسف- تذكرة سفر باتجاه واحد ويكون اتجاهها للخارج، فيذهبون مودّعين مفارقين، رغم حاجتنا الماسة إليهم!.
إن فئة الطلبة الدارسين لتخصص " الطب" - هي الفئة الأكثر تفوقاً وربما الأكثر ذكاء بين طلبتنا- والعدد فيها محدود جداً سيما وأن عدد الجامعات المانحة له قليل، وكفاية الخريجين وتميزهم يجعلهم محط أنظار جامعات العالم ومستشفياته، مما يزيد من الطلب عليهم، رغم حاجتنا الماسة إليهم، خاصة وأنهم يواجهون عوامل طرد دافعة لهم إلى اللجوء للخارج مثل:
تدني رواتب الأطباء في سنة الامتياز، وحتى خلال فترة "الإقامة".
قلة مقاعد التخصص وبالذات لدى تخصصات "الجراحة الخاصة".
عدم توجه كليات الدراسات العليا لاستيعاب أعداد مناسبة من الخريجين.
وهي المشكلات الأكثر خطورة على أطبائنا، وذلك لان معظمهم يريد متابعة الدراسة، ولا يرضي طموحه التوقف عند مرحلة البكالوريوس بل يريد المزيد من العلم والخبرة، وإذا علمنا أن بعض التخصصات في بعض الجامعات لا تسمح بتزامن أكثر من طالب دراسات عليا أو اثنين في التخصص الواحد نجد أن مشكلة طلبتنا عميقة أمام أعدادهم الكبيرة نسبياً مقارنة مع المقاعد المتاحة لهم!.
الآن: ما معنى أن نقوم نحن، الدولة والأسر، بإعداد هذه الكفايات من خيرة الخيرة من أبنائنا، وننفق عليهم الغالي والنفيس من أموالنا، وعند نضجهم الذي أعجب الزراع، ورغم حاجتنا الماسة لهم، نقوم بتقديمهم بل بدفعهم للنزوح لدول أخرى طائعين فرحين، غير آبهين أو مقدرين لحجم خسارتنا بفقدانهم؟
هل يُقدِر صناع القرار حجم الخسائر الفكرية والعلمية، بسبب هجرة خيرة العقول "خريجو كليات الطب" إلى خارج الوطن؟!
هل نُعِدُّ أبناءنا ليستفيد من عطائهم غيرنا؟!
هل من جدوى اقتصادية في تدريس أبنائنا ليعملوا في مستشفيات غيرنا، ويستقروا هناك؟!
ألا يجدر بنا أن نتخذ إجراءات واقعية، ونضع تشريعات وضوابط عادلة ومعقولة، للحفاظ على خريجينا في التخصصات النادرة، أو لضمان عودتهم بعد تخصصهم إلينا، ولو بعد حين
خلاصة القول، ليس من العدل أن نزرع فيأكلون، فنحن أولى بثمارنا، إلا إن كنا لا نعي ما نفعل!
muheilan@hotmail.com