هل وطني بخير؟!
لا أريد من بلدي و أنا جالس في غربتي،
أفكر في القضاء على ساعات أمسية وحدتي
غير بضع رسائل من أحبتي و أهلي و معارفي..في صوتهم و أنفاسهم التي أبحث عنها بين الحروف أقرأ تاريخا و أرى جغرافيا...
أحجار بيتي هناك و تراب أرضي،
عقال والدي و ثوب امي ، رغيف طابون و حفنة زيتون ، صاج فلافل لهاوٍ حديث عهد بالصنعة،موسم اللوز و الحمص الأخضر، جلسات بعد عصر لا تخلو من نميمة ؛عن اخبار غائب و فشل خطوبه، عن قصة طلاق لم يحدث بعد تدخل مدع للحكمه! عن ابن أرملة بار بأمه و نجاحه إثر طول دعائها له.... و قصص قصص، يختلط الحقيقي فيها بالغرائبي، بعضها يحفر نفسه بذاكرتي، و يسرق دمعة عين ساخنه، بعضها مضحك و آخر محرج..
أرسلوا لي جوابا:- هل وطني بخير؟؟
أشم من رسائلكم قديمي و جديدي، و اتذكر عيونكم مع كل رسالة، اتذكر قصة بدأت و حياة امتدت، اياما شكلت اعمارنا، نجاح هنا بعد فشل هناك، حياة سرت في عروق مولود اقترن بذكريات موت لفنا ذات ليلة كساها الثلج.
لم أحب الغربة حتى الان ، و لم اعتد عليها، و ما زال عقلي و جسدي يرفضان التأقلم معها، و أقول أنني لم أتوقعها و أتتني على حين ضعف مني، فرضخت لها هاربا من واقع رفضته وقتها.
و بحثا عن جواب لا تأت به الرسائل ، نجلس في مقهى كل جمعة، نبدأ السهر ضاحكين، فعلى طاولتنا يجلس الوطن ، نتحسسه و نشتم منه مخدرا يخفف علينا قسوة الغربة و قسوة يوم الجمعة.
قسوة الجمعة تحديدا على المغترب تنافي تدفق رسائل الأصدقاء المختومة ب ( جمعة مباركه) ، كم كان قصيرا يوم الجمعة ايام طفولتنا و كم هو طويل الآن!!
نتبادل الأخبار فكل مغترب له شكل و طريقة تواصل مع أهله و ذويه، و كلنا يتحدث عن أخبار أولاده ، ارتفاع مصاريفهم المضطرد، و تنقلهم بين المدارس الخاصة ، ثم نتحدث عن حالة الطقس و نختم بالسياسة!! و تنتهي السهرة بهروب ضحكات بدايتها، ليهم كل واحد بالمغادرة و ليس في ذهنه إلا. " هل وطني بخير؟"
ألجأ بعدها لواجهة بلدي الإعلامية (القناة الرسمية للتلفزيون الأردني) علّي من شاشته أجد بعض جواب، فلا أحتمله دقيقة كاملة!! لأنه يغير سؤالي لسؤال آخر "أين الوطن؟".
إذا هي الرسائل وحدها و بشكلها "التكنولوجي" الجديد ملاذي و مخبئي الذي أهرب إليه، لأبحث فيها عن جواب لسؤالي:- "هل وطني بخير؟!!" حروف رسائلكم لا تأتي على ذكر الوطن، لكني أحسه فيها...حكومات تعددت، و مقدرات نهبت، قضايا فساد نسمع عنها و عن نهاياتها الكرتونية، وعود الإصلاح ماذا حل بها؟ و من هن (نزيهه و طاهره و عفيفه و شفافه)؟! أيسكنّ في حيينا؟. جلسات مجلس النواب كيف تحولت لفضائح تخجلني و أدعو أن لا يشاهدها زميل عمل من دولة شقيقة أو صديقة فيسألني مازحا او بشماتة مخفية عن تطاير الأحذية و حمل الأسلحة و عبارات مخجلة عن اللاجئين في مخيم الزعتري سمعها أثناء تنقله بين الفضائيات.
جامعاتنا لم تخبروني أنها تحولت لساحات حرب يومية! و أن طالبا قضى شهيدا ذات غزوة من الغزوات الجامعية!!
"هل وطني بخير؟؟"
رسائلكم تخجل أن تأتي على ذكر الوطن!! و تهرب لتسأل عن صحتي ، شغلي، و وجبتي اليومية، و رسالة على شكل سؤال من ابنتي الصغيرة كل يوم:-
"بابا متى جاي؟؟!!"