خياران ونموذجان
احتفل الشعب الفنزويلي ومعه القوى التقدمية والمحبة للسلام بنتائج انتخابات الرئاسة، التي جاءت لتؤكد من جديد تمسك الفنزوليين بالخيار الاشتراكي، بتصويتهم لمرشح الحزب الاشتراكي الموحد، فقد أعلنت هيئة الانتخابات الفنزويلية عن فوز نيكولاس مادورو في انتخابات الرئاسة التي جرت الأحد الماضي، وفشلت مراهنات الاحتكارات الراسمالية واليمين الفنزويلي على شخصنة التجربة والتبشير بانتهائها بعد غياب القائد الفنزويلي هوجو شافيز الذي كان يتمتع بشعبية واسعة، وحقق منجزات ملموسة للشعب الفنزويلي عامة وللعمال والفقراء خاصة، وانتخب لعدة دورات رئاسية، تأييدا لبرنامجه الاقتصادي والاجتماعي، والحرص الشديد على تحرير الثروات الوطنية من شركات النفط المتعددة الجنسيات واستثمارها لصالح الشعب الفنزويلي. وموقف فنزويلا الثابت بدعم حركات التحرر العالمي، وتضامنها مع كوبا ، والتعاون المشترك مع دول اليسار الاجتماعي في أمريكا اللاتينية، والدعم المطلق للشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الصهيوني.
ويعتبر الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو منحازا للفقراء والعمال وهو ابن الطبقة العاملة ويعتز بانتمائه الطبقي ويؤكد أنه ماض في تنفيذ برنامج الحزب الاشتراكي الموحد ومواصلة النهج الذي اختارته فنزويلا في عهد الزعيم الراحل هوجو تشافيز. وهو من رفاق شافيز وأحد المناضلين البارزين في الحركة البيفارية، واحتل موقعا قياديا في الحكومة ونائبا للرئيس ورئيسا بالوكالة، قبل أن ينتخب رئيسا لفنزيلا الأحد الماضي.
مقابل خيارات فنزويلا في القارة الأمريكية وهي من بلدان "العالم الثالث" وتمسكها بخيار التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية، في مواجهة الفقر والبطالة والفساد والاستبداد، هناك نموذج مغاير في القارة الأوروبية التي تتمتع بنظام ديمقراطي عريق، وملتزمة بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، نموذج "الليبرالية المتوحشة"، الذي يواصل تحميل الشعب أعباء الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها المراكز الرأسمالية، بممارسة سياسة التقشف التي عمقت الأزمة المالية والاقتصادية، فالدولة البرتغالية على سبيل المثال التي تتمتع بدستور يحرم على الحكومة إصدار قوانين مجحفة بحق المواطنين، تصدر الحكومة البرتغالية اليمينية قانون الموازنة العامة للدولة الذي يحمّل الشعب أعباء إضافية، بإلغاء راتب شهر من كل عام، وتجميد مكافآت العطلات لموظفي الدولة ومستحقي المعاشات، وزيادة الضرائب على المواطنين، مما يزيد من آلام وبؤس الشعب البرتغالي.
وبضغط من المعارضة الاشتراكية التي رفضت رفع الضرائب وتخفيض الرواتب، وهددت بعرض الموضوع على المحكمة الدستورية إن لم يقم الرئيس بهذه الخطوة. أقدم الرئيس البرتغالي على طرح القضية أمام المحكمة الدستورية، التي أصدرت قرارها قبل أيام ببطلان الاجراءات التقشفية التي أقرتها الحكومة اليمينية وبعدم مشروعية تقليص رواتب القطاع العام ورواتب المتقاعدين، والتي تحرم العمال والمستخدمين والمتقاعدين جزءا هاما من مداخيلهم، وقد شكّل قرار المحكمة الدستورية صدمة عنيفة للحكومة، مع ذلك تتجه الحكومة اليمينية نحو الالتفاف على قرار المحكمة.
وقد رفض رئيس الوزراء البرتغالي قرار المحكمة إلغاء اجراءات التقشف، باعتبار هذه الاجراءات جزءا من شروط الجهات المانحة "منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي" للحصول على حزمة إنقاذ جديدة. فقد اعترف رئيس الوزراء البرتغالي أن حكم المحكمة الدستورية برفض بعض بنود الميزانية الجديدة لا يتيح أي خيار أمام حكومته سوى إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق. وأوضح كويلهو أن التخفضيات الجديدة ستتركز في قطاعات الصحة والضمان الاجتماعي والتعليم والمشاريع التي تديرها الدولة.
والغريب أن الرئيس البرتغالي الذي يعترف بأن بلاده تعاني من "دائرة مفرغة من التقشف والركود الاقتصادي"، ويؤكد أن البرتغال ترزح تحت عبء ديون بلغت ضعف الناتج القومي السنوي، وأن هذا لا يمكن أن يستمر..! إن تشخيص جوهر الأزمة ومظاهرها خطوة هامة نحو مواجهتها، ومع ذلك لم تطرح حكومة البرازيل أي حلول... ليس لعدم رغبتها في معالجة الأزمة، بل لعدم امتلاك النموذج الاقتصادي البرتغالي برنامجا يشكل مخرجا للأزمة، لذلك لم تجد الحكومة أمامها سوى تخفيض الرواتب وزيادة الضرائب على الفقراء، وتقليص النفقات الصحية والاجتماعية، بدلا من البحث عن خيارات تسهم في الخروج من الأزمة. إن السياسات الاقتصادية التي تطبقها البرتغال وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي التي تعيش الأزمة، هي المسؤولة عن نشوء الأزمة المالية والاقتصادية، فإن تمركز الثروة بأيدي حفنة من الأثرياء، وغياب التوزيع العادل للثروة، سبب رئيسي لغياب الحلول واستمرار سياسة التقشف التي تعمق الركود الاقتصادي.
العرب اليوم