لماذا النقابات العمالية المستقلة..؟
اتيحت لي فرصة حضور لقاء مفتوح مع ممثلي النقابات العمالية المستقلة بمشاركة شخصيات نقابية وسياسية ونيابية عقد بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية، تحت عنوان "نحو إصلاح الإطار التشريعي للحق في التنظيم: النقابات العمالية المستقلة نموذجاً"، تناول الحوار الأسباب الموضوعية وراء حركة العمال بتأسيس نقابات مستقلة، والاطار التشريعي لهذه النقابات، وأثر هذه النقابات على وحدة الطبقة العاملة.
لا شك أن أسبابا موضوعية كانت وراء تشكيل نقابات عمالية مستقلة، منها عدم مواكبة الحركة النقابية للمستجدات التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية، وعدم مواكبة التشريعات العمالية للتطورات، الأمر الذي حرم قطاعات واسعة من العمال من تشكيل نقاباتهم، اضافة إلى حرمان موظفي الدولة من تشكيل نقابات عمالية، ما دفع قطاعات واسعة من العمال في القطاعين العام والخاص بتشكيل نقابات عمالية مستقلة، وتشكيل اتحاد عام للنقابات المستقلة، ومع ادراك التام لما ينطوي على هذه الاجراء من مخاطر وجود جسمين للحركة النقابية وأثر ذلك على وحدة الطبقة العاملة، الا أن عدم تفاعل معظم النقابات العمالية مع الظروف والمستجدات التي تعيشها البلاد في ظل الأزمة الاقتصادية، وانهيار القيمة الفعلية للأجور. وعدم مواكبة معظم النقابات العمالية للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة، خاصة أثر حزمة القوانين الاقتصادية التي صدرت تمشيا مع نهج الليبرالية الجديدة الذي ساد منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وكان أبرزها تحرير الأسعار وانفلاتها، وتحرير أسواق المال، والغاء الدعم على السلع الضرورية وارتفاع تكاليف الخدمات الصحية والتعليمية، وأثر ذلك على الواقع المعيشي للعمال، في حين لم تتصد معظم النقابات العمالية كما يجب لمهامها في الدفاع عن حق العمال في العيش الكريم. ولم يطرأ أية تطورات ملموسة على قانون العمل لتوفير مظلة نقابية عمالية تشمل كافة القطاعات، وتعيد النظر في الاجراءات الكيفية التي تمت بهدف احتواء الحركة النقابية في سبعينيات القرن الماضي التي ما زالت تعاني من أثارها حتى يومنا هذا.
ولالقاء الضوء على أهم الأسباب التي أدت الى اضعاف الحركة النقابية وفشلها في التصدي للسياسات الاقتصادية التي مورست خلال العقدين الأخيرين في الدفاع عن حقوق العمال، لا بد من التذكير بالدور المميز الذي قامت به الحركة النقابية العمالية في سبعينيات القرن الماضي، في الدفاع عن استقلاليتها وحقها بتنظيم المطالب العمالية في مواجهة موجات الغلاء المتلاحقة التي شهدتها البلاد في تلك المرحلة، والتصدي للهجمة الشرسة التي تعرضت لها بسبب التدخلات السافرة في شؤونها الداخلية وإجراء انتخابات صورية أوصلت قيادات لا تعكس ارادة العمال على رأس عدد من النقابات العمالية، وذلك لحرمان العمال من القيام بحركات مطلبية. فقد سادت أجواء إرهابية بين صفوف العمال وتعرض العديد من النقابيين للاعتقال والتنكيل والاستدعاءات الأمنية.
فقد شهدت النقابات العمالية خاصة التي كان على رأسها هيئات إدارية منتخبة نشاطا عماليا ونقابيا في مواجهة موجات الغلاء المتلاحقة وانهيار القيمة الفعلية للاجور في بداية سبعينيات القرن الماضي، التي عرفت بحقبة "البترودولار" فاكتشفت السلطة أن إجراءاتها وتدخلاتها كافة في شؤون الحركة النقابية لم تحقق أهدافها في احتواء الحركة النقابية والالتفاف على الحركة المطلبية، فالنهوض العمالي والتحركات النقابية جاءت على عكس توقعاتها، خاصة بعد نجاح الاضرابات العمالية بتحقيق أهدافها، وتوقيع اتفاقيات مع أصحاب العمل تتضمن تحسين شروط الاستخدام، لذلك اكتشفت الدوائر الرسمية أن لا بد من وجبه جديدة من الإجراءات والتدخلات بهدف اضعاف وترويض الحركة النقابية لإجهاض الحركة المطلبية العمالية. وقد جاءت التدخلات الجديدة عبر تعديل المادة (84) من قانون العمل الأردني التي أعطت وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الحق بإعادة تشكيل النقابات ودمجها بصورة كيفية بما يسمح تقويض نشاطها والحد من دورها، وتضمن التعديل تحديد المهن والصناعات التي تشكل نقابة عمالية واحدة وحصر هذه النقابات بـ 17 نقابة عمالية عامة، وقد جاء قرار التعديل في ظل حملة مطاردة واعتقالات بين صفوف العمال وقادة الحركة النقابية وعلى رأسهم القائد النقابي السابق المرحوم موسى قويدر واستخدام الوسائل كافة لإبعاد العمال عن نقاباتهم .
ورغم مرور عدة عقود على هذه الأحداث إلا أن آثارها ما زالت ماثلة امامنا " ضعف الحركة النقابية وتكلسها" الأمر الذي دفع العمال في البحث عن مؤسسات نقابية عمالية جديدة، تكفل لهم حقهم بالدفاع عن لقمة عيشهم. وتشكل اداة ضغط لاشاعة الديمقراطية في النقابات العمالية، وتطوير بنيتها الهيكلية.
العرب اليوم