jo24_banner
jo24_banner

العالم من دون أميركا

فهمي الكتوت
جو 24 :

تحت هذا العنوان نشر ريتشارد هاس، أحد أبرز المفكرين السياسيين المحافظين ورئيس أحد أهم مراكز الأبحاث الأمريكية "مجلس العلاقات الخارجية "، مقالا قال فيه: إن التهديد الأكثر خطورة الذي يواجه الولايات المتحدة الآن وفي المستقبل المنظور ليس الصين الصاعدة، أو كوريا الشمالية المتهورة، أو إيران النووية، أو الإرهاب الحديث، أو تغير المناخ. رغم أن كلاً من هذه المخاطر يشكل تهديداً محتملاً أو فعليا، فإن أعظم التحديات التي تواجه الولايات المتحدة تتلخص في الديون المتزايدة الضخامة، والبنية الأساسية المتهالكة، والمدارس الابتدائية والثانوية الرديئة، ونظام الهجرة الذي عفا عليه الزمن، والنمو الاقتصادي البطيء، باختصار؛ الركائز المحلية التي تستند إليها قوة أميركا.
ما ورد في تشخيص الكاتب حول التحديات التي تواجه الولايات المتحدة، يعبر عن مفاعيل الازمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في أيلول 2008، والتي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على النظام الرأسمالي، وعلى أهمية ما أورده الكاتب، لكنه توقف عند بعض مظاهر الأزمة. وهنا نضع عدة خطوط تحت كلمة "بعض" تجاهل الكاتب أبرز مظاهر الازمة، البطالة المتفاقمة، ومعاناة العمال والفقراء والطبقات الوسطى، اضافة الى ما سببته الأزمة من معاناة لشعوب الأرض قاطبة، فالأزمة التي اشعلت فتيلها أزمة الرهن العقاري وانهيار بنك ليمان برذرز، وانهيار مئات البنوك والمؤسسات المالية الأميركية، تسببت بتشريد ملايين البشر من منازلهم ليقيموا بكرافانات أشبه بمعسكرات الاعتقال الجماعي، ينتظرون وجبات الطعام من الجمعيات الخيرية، هؤلاء وغيرهم من الهائمين على وجوههم، هم الذين دفعوا ثمن سياسات اقتصاد السوق المنفلت.
ويضيف الكاتب.. قد يتشفى القراء بما يُجرى. تشفى المتضررين من الغطرسة الامريكية لا يستطيع أحد حصره، فالمشاعر الانسانية لضحايا السياسة الأمريكية ملك لأصحابها... لم تفلت دولة في بلدان العالم الثالث من الغطرسة الامريكية، منذ أواسط القرن الماضي بدءا من " مشروع أيزنهاور" الذي عرف بسياسة ملء الفراغ، بعد هزيمة الاستعمار الإنجلو- فرنسي في الشرق الأوسط، ومحاولات فرض " حلف بغداد " وما تبع ذلك من احلال للاستعمار الجديد متمثلا في الولايات المتحدة الأميركية، مكان الاستعمار القديم، والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، باخضاع ايران للنفوذ الاميركي بعد الانقلاب على حكومة مصدق. والدعم غير المحدود السياسي والاقتصادي والعسكري الذي قدمته الولايات المتحدة الاميركية للكيان الصهيوني في احتلالها فلسطين واجزاء من الوطن العربي، ومن ثم الاحتلال الاميركي المباشر للعراق الذي اعتبر ذروة انتصار "مشروع ايزنهاور" في ملء الفراغ والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط. وعشرات الحروب والانقلابات الدموية التي تمت بتخطيط من الدوائر العسكرية والأمنية في الولايات المتحدة، من كوبا الى فيتنام ومن الكونغو الى تشيلي والقائمة تطول.
يستدرك الكاتب بالقول إنه ينبغي للناس في مختلف أنحاء العالم أن يتوخوا الحذر في حين يتمنون فشل أميركا في التعامل مع تحدياتها الداخلية، لأن ذلك لن يأتي بلا ثمن باهظ ، موضحا أن رهان العالم على نجاح أميركا يكاد يعادل رهان أميركا على نفسها. حيث يشكل اقتصاد الولايات المتحدة نحو ربع الناتج العالمي. وإذا تسارع نمو الولايات المتحدة، فإن قدرة أميركا على استهلاك سلع وخدمات دول أخرى سوف تزداد.
لا شك أن الكاتب يدرك أن لا أحد يضمر شرا للشعب الأميركي، ولا رغبة لأحد باختفاء اميركا عن العالم فقط اختفاء الغطرسة الأميركية والسسياسة العدوانية الأميركية.. اختفاء الظلم وتحقيق العدل.. كل ما تسعى اليه الشعوب تغيير السياسات الأمريكية، فالاعتراض على نهج الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية القائمة على التفرد بقيادة العالم مستغلة جبروتها، مستعينة ببعض الأنظمة الديكتاتورية والدول العنصرية لفرض هيمنتها على ارادة الشعوب. وفي السياسة الداخلية يمكن القول، انتهى العصر الذي تستطيع المراكز الرأسمالية الجمع بين تحقيق رخاء يضمن نسبة نمو اقتصادي يسمح بالسيطرة على معدلات البطالة وتحقيق الثراء الفاحش لكبار الرأسماليين، وتآكل الطبقة الوسطى، هذا النهج أصبح خَلْفنا بعد اختراق الدول النامية مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها جدار الدول المتقدمة ومنافستها ليس في الأسواق العالمية فحسب، بل في أسواقها. انتهى عصر تقسيم العمل بين دول منتجة "الدول الصناعية" ودول مستهلكة "الدول النامية". نحن في عصر العولمة، عصر انتقال رأس المال من المراكز الى الأطراف بحثا عن العمالة الرخيصة. ليس مهما لرأس المال المحافظة على مكانة دولته الاستثمارية، بقدر ما هو أهم "جني الأرباح" .
أما مسألة الخروج من الأزمة في ظل الواقع الملموس، لم تجد نفعا يد ادم سميث "الخفية" في الحفاظ على التوازن الاقتصادي في سوق منفلت، فقد حان الوقت لاحداث تغيير جوهري، بدور ملموس للدولة في "توزيع عادل للثروة" بدلا من يد سميث "الخفية"، ليتمكن العمال والفقراء من توفير غذاء ودواء لأطفالهم وزيادة الطلب الكلي في السوق، ما يسهم برفع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة ايرادات الخزينة وتطوير البنية التحتية والسيطرة على الدين العام.
العرب اليوم

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير