jo24_banner
jo24_banner

جردة حساب

فهمي الكتوت
جو 24 : ليس من قبيل الصدفة أن شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كانت الجامع المشترك الأعظم بين الثورات الشعبية في البلدان العربية، رغم أن لكل دولة خصوصيتها اقتصاديا واجتماعيا؛ إلا أن السمة العامة لهذه البلدان خضوعها للتبعية الأجنبية. فالاستقلال السياسي الذي انتزعته الشعوب العربية من الاستعمار الكولونيالي بعد تقديم مواكب الشهداء من أعز وأنبل وأشرف أبناء الأمة وفاء واخلاصا للوطن من أجل الحرية والاستقلال، تم استلابه من قبل الاستعمار الجديد المتمثل بالاستعمار الاقتصادي، بتمكين المراكز الرأسمالية من فرض شروط التبعية على البلدان النامية عامة وفي عدادها البلدان العربية، بعد اغراقها بالمديونية، واخضاعها لاملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، والاستيلاء على مقدرات هذه البلدان، ونشر الثقافة الاستهلاكية؛ في وقت أفلتت بعض الدول النامية (الصين الهند البرازيل..الخ) من فخ المديونية وشروط التبعية بفضل امتلاكها الارادة السياسية في التحرر والانعتاق، وأصبحت نموذجا يحذى حذوه في العالم.
جاءت الثورات العربية لانجاز برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية، ومن أولى مهامها تطهير البلاد من الفساد والاستبداد، واقامة دولة ديمقراطية يسودها العدل والمساواة، والتخلص من هيمنة البرجوازية الطفيلية ووكلاء الشركات الأجنبية " الكمبرادور" على الاقتصاد الوطني، واعادة الثروات العربية المنهوبة، واستثمار الموارد العربية في مشروع تنموي اقتصادي اجتماعي، ومعالجة قضايا الفقر والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية. فمن حق الشعب صانع الثورة، أن يطلب من الحكومة المنتخبة تقديم جردة حساب، لمعرفة الانجازات التي حققتها. رب قائل يقول إن عاما أو اكثر غير كاف لحصد المكاسب.. صحيح ولكن، شريطة وجود برنامج عمل واضح يحدد مسار الحكومة، وآفاق التطور الاقتصادي والاجتماعي، وهذا لم يحدث في كل من مصر وتونس وليبيا التي شهدت سقوط أنظمة ديكتاتورية. لا بل شهدت هذه البلدان تراجعا خطيرا في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، انعكست مظاهرها باتساع مساحات الفقر وارتفاع معدلات البطالة، ما دفع ملايين المصريين في العودة الى الشارع لتصحيح مسار الثورة.
تناولت الأسبوع الماضي بعض مظاهر تراجع الوضع الاقتصادي في مصر، أواصل في تغطية بعض مظاهر التراجع الاقتصادي والاجتماعي، التي كانت سببا في إحداث تغيير جوهري من قبل الجماهير الشعبية تجاه الإخوان المسلمين. يقول الخبير الاقتصادي المصري د. احمد السيد النجار رئيس مركز الدراسات الاقتصادية في جريدة "الأهرام": لم يطرأ أي تحسن في الانفاق العام على قطاع الصحة المتدني أصلا .. فقد استلم د. مرسي الحكم والإنفاق على الصحة يقدر بنحو 5% من اجمالي النفقات العامة، أي أقل من ثلث ما تطلبه منظمة الصحة العالمية وهي 15% للحفاظ على صحة الفقراء ومحدودي الدخل والصحة العامة للمجتمع. فقد حافظ مشروع موازنة 2013/ 2014 على المعدل نفسه حيث خصص حوالي 4,7% من الإنفاق العام للصحة..! وفي السياسة الضريبة التي تشكل أهم أدوات اعادة توزيع الدخل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، فقد اقتصر الاعفاء الضريبي على أول ألف جنيه في الشهر. علما أن الحركة العمالية المصرية تطالب برفع الحد الأدنى للأجر الى 1500 جنيه شهريا، أما الشريحة العليا للضرائب نسبتها 25% لمن يبلغ دخله أكثر من 250 ألف جنيه. بينما تبلغ في الولايات المتحدة 43 %، وفي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا 40% .
أما تونس فهي ليست أفضل حالا، فالاقتصاد التونسي يعاني من تراجع ملموس في احتياط العملات الأجنبية التي انخفضت من 13 مليار دينار إلى 10 مليارات دينار تونسي. وارتفعت نسبة الفقر والبطالة . وتقول وزارة الشؤون الاجتماعية في تقرير لها، إن نسبة الفقر بلغت 24.7? وفقا للمعايير الدولية التي تحدد حد الفقر بدولارين للفرد الواحد يوميا. وتقدر وزارة الشؤون عدد العاطلين من العمل بـ700 الف شخص ، 69% منهم تقل أعمارهم عن 30 عاما.. ويقول وزير الشؤون الاجتماعية التونسي: «الفقر والبطالة وعلاقات الإنتاج تشكل أبرز المواضيع التي تتصدر مطالب واحتجاجات المواطنين في هذه الفترة».. ويُتوقع تواصل الاحتجاجات مع عجز الحكومة الوفاء بوعودها للمواطنين.
صحيح أن البلدان العربية بحاجة إلى مزيد من الوقت لتوفير الاستقرار السياسي والاقتصادي، شريطة التخلي عن السياسات الاقتصادية الليبرالية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدم انخراط المؤسسة العسكرية في العمل السياسي، وكان من الأفضل أن تواصل الحركة الشعبية دورها في تصويب مسار الثورة من دون تدخل المؤسسة العسكرية. إلا في حالة تعرض السلم الأهلي للخطر، مع تأكيد صيانة حق المواطنين في التعبير عن ارائهم بالطرق السلمية، ورفض أي شكل من اشكال الاعتداء على حقوق الانسان ، وعزل الأصوات الداعية للاقتتال الأهلي .

f.katout@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير