هل استنفدت الرأسمالية قدراتها على التكيف؟
فهمي الكتوت
جو 24 : لم تفلح الاجراءات التي اتبعها البنك المركزي الأوروبي بخفض نسبة الفائدة بهدف تحفيز الاقتصاد، ومع ذلك، لا يملك المركزي سوى مواصلة التخفيض. فقد اعلن الأسبوع الماضي عن تخفيض الفائدة إلى 0.25% في منطقة اليورو، علما ان هذه السياسات لم تحقق اية نتائج. فقد اعترفت الاوساط الاقتصادية في اوروبا ان التعافي ما زال بعيد المنال، وفشلت تنبؤات المؤسسات الاقتصادية الاقليمية حول مستقبل الاقتصاد الاوروبي، والتي اصبحت عبارة عن تمنيات وليس تقديرات مبنية على معطيات علمية، فقد تراجع نمو اقتصادات دول منطقة اليورو إلى نسبة 0.1% في الربع الثالث من هذا العام مقارنة مع 0.3% خلال الربع الثاني، بعد الوعود بنمومتفائل. فقد اعلنت منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية بتخفيض توقعاتها لمنطقة اليورو، فهي تعتبر عام 2013 عام النمو المنخفض. هل معنى ذلك استنفدت الرأسمالية قدراتها على التكبف؟
ان تدهور الاوضاع المعيشية للمواطنين الناجم عن الاجراءات التقشفية وارتفاع معدلات البطالة، من اهم الاسباب المباشرة لعدم استجابة اقتصادات المراكز الرأسمالية في التعافي من الركود والكساد. وأن التعويضات التي يحصل عليها العمال في مواجهة البطالة من صناديق الضمان الاجتماعي لا تعني عودة العمال الى العمل، وهي تمثل إحدى أسباب استمرار البطالة، فهي لا تحقق دخلا يؤمن حياة كريمة للعمال وأسرهم، وهي بالكاد تسد الرمق، وبالمحصلة النهائية لا تسهم بزيادة الطلب على السلع، وتحفيز الاقتصاد.
فالأدوات التي استخدمها النظام الرأسمالي لمواجهة ازمته مثل “تعويضات البطالة” اصبحت جزءا من ازمته، وهذا ينطبق ايضا على “سياسة التقشف” التي اصبحت من اهم معوقات النمو الاقتصادي، وقد ادرك الاوروبيون ذلك، ففي آخر احصاء لمنظمة غالوب الدولية للدراسات الاقتصادية والسياسية، اعلن غالبية الاوروبيين عن رفضهم للتدابير التقشفية فاكثر من خمسين بالمئة من الاوروبيين لا يعتبرون التقشف افضل سبيل لحلحلة الاقتصاد الاوروبي واطلاق النمو ومن اكثر البلدان الاوروبية المعارضة للتقشف اليونان والبرتغال واسبانيا واخيرا المانيا.
إن الصراع الدائر بين النظريات الاقتصادية الرئيسية التي برزت في القرنين الاخيرين لا يحسمه النقاش والحوار او الرغبة في الوصول الى ما هو اسمى وافضل بين اهم النظريات الاقتصادية، بل مصلحة الطبقة السائدة. فعلى سبيل المثال النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي استند اليها النظام الاقتصادي الرأسمالي منذ نشوئه، عرضت اقتصادات العالم لأزمات خطيرة ابرزها الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، وازمة سبعينات القرن الماضي، واخيرا الازمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في سبتمبر عام 2008، وما زال الاقتصاد العالمي يعاني من تداعياتها. مع ذلك ما زالت في سدة الحكم، فالعوامل الموضوعية غير كافية لإحداث تغيير في علاقات الانتاج، لا بد ان يرافقها جاهزية البديل الاقتصادي والاجتماعي.
وقد نجحت النظرية “الكنزية” في ثلاثينات القرن الماضي في انتشال النظام الرأسمالي من ازمته التي عرفت “بالكساد الكبير” بعد ان تجاوزت محرمات “ادم سميث وريكاردو” وحققت اصلاحات في الاقتصاد الرأسمالي لا تمس جوهره، وانطلقت رؤيتها بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ليس بهدف تحقيق قطاع عام على غرار النظام الاشتراكي بل تعبيرا عن رأسمالية الدولة الاحتكارية. وتعرضت لاحقا النظرية الكنزية الى هجوم خصومها، بسبب انهيار العلاقة بين معدل البطالة ومعدل التضخم، وتصاعد مظاهر التضخم الركودي. وقد اسهم المحافظون الجدد في تقويض النظرية الكنزية، والعودة الى النظرية الكلاسيكية بتسميتها الجديدة “نيوكلاسيك” كما فشلت الادارة الاميركية في اخراج الاقتصاد الاميركي من ازمته الراهنة رغم استعانتها بمبادىء جون كينز في تدخل الدولة في الاقتصاد واعطاء دور للقطاع العام حيث يعتبر تدخل الدولة في بعض المجالات ضروريا، اضافة الى زيادة الانفاق الحكومي لتحفيز الاقتصاد وتوفير فرص عمل، لتحفيز الاقتصاد والتغلب على الركود الاقتصادي.
اما النظرية المبنية على نقد أسلوب الإنتاج الرأسمالي الذي عبر عنها ماركس في مؤلفه الشهير “رأس المال” فقد كشفت عن تلازم الازمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي، وعن مراحل الدورة الاقتصادية التي اعتبرها “تخرج من ازمة لتدخل ازمة جديدة” بسبب الاختلالات الاقتصادية التي تتمثل بالتناقض بين علاقات الانتاج والقوى المنتجة، والمعبر عنها بأزمة فيض الانتاج ،(زيادة في الانتاج وانخفاض الطلب) وتلجأ الرأسمالية عادة الى تطوير البحث العلمي وادخال التقنيات الحديثة والاتمتة في الانتاج لتخفيض التكلفة على المستهلك، الا انها حلول مؤقتة سرعان ما يختفي اثرها بسبب ارتفاع معدلات البطالة. وعلى الرغم من اهمية الرؤية النقدية التي طرحها مؤلف “رأس المال” للاقتصاد الرأسمالي، الا ان فشل النموذج السوفييتي شكل احباطا للدول النامية التي كانت تبحث عن مسار مغاير، مع ذلك بقي مؤلَّف “رأس المال” صامدا في وجه خصومه، وقد لقي اهتماما واسعا مع فشل النظام الرأسمالي في الخروج من ازمته. وعلى الرغم من اعتراف قادة الفكر البرجوازي بفشل ادواتهم في الخروج من الازمة، الا ان ذلك لا يعني انهم مستعدون للتعامل مع رؤى اقتصادية تتعارض مع مصالحهم، فالدوافع الطبقية والايديولوجية هي التي تحدد النموذج الاقتصادي.
عن مودنة الكاتب
ان تدهور الاوضاع المعيشية للمواطنين الناجم عن الاجراءات التقشفية وارتفاع معدلات البطالة، من اهم الاسباب المباشرة لعدم استجابة اقتصادات المراكز الرأسمالية في التعافي من الركود والكساد. وأن التعويضات التي يحصل عليها العمال في مواجهة البطالة من صناديق الضمان الاجتماعي لا تعني عودة العمال الى العمل، وهي تمثل إحدى أسباب استمرار البطالة، فهي لا تحقق دخلا يؤمن حياة كريمة للعمال وأسرهم، وهي بالكاد تسد الرمق، وبالمحصلة النهائية لا تسهم بزيادة الطلب على السلع، وتحفيز الاقتصاد.
فالأدوات التي استخدمها النظام الرأسمالي لمواجهة ازمته مثل “تعويضات البطالة” اصبحت جزءا من ازمته، وهذا ينطبق ايضا على “سياسة التقشف” التي اصبحت من اهم معوقات النمو الاقتصادي، وقد ادرك الاوروبيون ذلك، ففي آخر احصاء لمنظمة غالوب الدولية للدراسات الاقتصادية والسياسية، اعلن غالبية الاوروبيين عن رفضهم للتدابير التقشفية فاكثر من خمسين بالمئة من الاوروبيين لا يعتبرون التقشف افضل سبيل لحلحلة الاقتصاد الاوروبي واطلاق النمو ومن اكثر البلدان الاوروبية المعارضة للتقشف اليونان والبرتغال واسبانيا واخيرا المانيا.
إن الصراع الدائر بين النظريات الاقتصادية الرئيسية التي برزت في القرنين الاخيرين لا يحسمه النقاش والحوار او الرغبة في الوصول الى ما هو اسمى وافضل بين اهم النظريات الاقتصادية، بل مصلحة الطبقة السائدة. فعلى سبيل المثال النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي استند اليها النظام الاقتصادي الرأسمالي منذ نشوئه، عرضت اقتصادات العالم لأزمات خطيرة ابرزها الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، وازمة سبعينات القرن الماضي، واخيرا الازمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في سبتمبر عام 2008، وما زال الاقتصاد العالمي يعاني من تداعياتها. مع ذلك ما زالت في سدة الحكم، فالعوامل الموضوعية غير كافية لإحداث تغيير في علاقات الانتاج، لا بد ان يرافقها جاهزية البديل الاقتصادي والاجتماعي.
وقد نجحت النظرية “الكنزية” في ثلاثينات القرن الماضي في انتشال النظام الرأسمالي من ازمته التي عرفت “بالكساد الكبير” بعد ان تجاوزت محرمات “ادم سميث وريكاردو” وحققت اصلاحات في الاقتصاد الرأسمالي لا تمس جوهره، وانطلقت رؤيتها بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ليس بهدف تحقيق قطاع عام على غرار النظام الاشتراكي بل تعبيرا عن رأسمالية الدولة الاحتكارية. وتعرضت لاحقا النظرية الكنزية الى هجوم خصومها، بسبب انهيار العلاقة بين معدل البطالة ومعدل التضخم، وتصاعد مظاهر التضخم الركودي. وقد اسهم المحافظون الجدد في تقويض النظرية الكنزية، والعودة الى النظرية الكلاسيكية بتسميتها الجديدة “نيوكلاسيك” كما فشلت الادارة الاميركية في اخراج الاقتصاد الاميركي من ازمته الراهنة رغم استعانتها بمبادىء جون كينز في تدخل الدولة في الاقتصاد واعطاء دور للقطاع العام حيث يعتبر تدخل الدولة في بعض المجالات ضروريا، اضافة الى زيادة الانفاق الحكومي لتحفيز الاقتصاد وتوفير فرص عمل، لتحفيز الاقتصاد والتغلب على الركود الاقتصادي.
اما النظرية المبنية على نقد أسلوب الإنتاج الرأسمالي الذي عبر عنها ماركس في مؤلفه الشهير “رأس المال” فقد كشفت عن تلازم الازمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي، وعن مراحل الدورة الاقتصادية التي اعتبرها “تخرج من ازمة لتدخل ازمة جديدة” بسبب الاختلالات الاقتصادية التي تتمثل بالتناقض بين علاقات الانتاج والقوى المنتجة، والمعبر عنها بأزمة فيض الانتاج ،(زيادة في الانتاج وانخفاض الطلب) وتلجأ الرأسمالية عادة الى تطوير البحث العلمي وادخال التقنيات الحديثة والاتمتة في الانتاج لتخفيض التكلفة على المستهلك، الا انها حلول مؤقتة سرعان ما يختفي اثرها بسبب ارتفاع معدلات البطالة. وعلى الرغم من اهمية الرؤية النقدية التي طرحها مؤلف “رأس المال” للاقتصاد الرأسمالي، الا ان فشل النموذج السوفييتي شكل احباطا للدول النامية التي كانت تبحث عن مسار مغاير، مع ذلك بقي مؤلَّف “رأس المال” صامدا في وجه خصومه، وقد لقي اهتماما واسعا مع فشل النظام الرأسمالي في الخروج من ازمته. وعلى الرغم من اعتراف قادة الفكر البرجوازي بفشل ادواتهم في الخروج من الازمة، الا ان ذلك لا يعني انهم مستعدون للتعامل مع رؤى اقتصادية تتعارض مع مصالحهم، فالدوافع الطبقية والايديولوجية هي التي تحدد النموذج الاقتصادي.
عن مودنة الكاتب