jo24_banner
jo24_banner

هل يمكن بناء رأسمالية "أخلاقية" بالعالم العربي؟

فهمي الكتوت
جو 24 : كتب الاقتصاديان مصطفى النابلي -وهو محافظ سابق للبنك المركزي التونسي-، وإسحاق ديوان -أستاذ اقتصاد ومسؤول سابق في البنك الدولي-، مقالا مشتركا تحت عنوان كيف يمكن بناء رأسمالية "أخلاقية" بالعالم العربي. نشر المقال في مدونة البنك الدولي، وتناول كيفية تمهيد الساحة لشكل من أشكال الرأسمالية يكون أكثر فعالية في بلوغ الأهداف الاجتماعية المتمثلة في إتاحة وظائف أكثر وبنوعية أحسن، فضلا عن تحسين الأحوال المعيشية والخدمات العامة، وأن يحظى هذا النموذج بالقبول الاجتماعي. مطالبين باطلاق حوار مجتمعي حول كيفية بناء رأسمالية "أخلاقية" وعادلة، في ظل بروز العدالة الاجتماعية كمطلب اجتماعي رئيسي.

كل التقدير للاساتذة الكرام حول اهتمامهم لمواجهة اهم تحديات المنطقة، وصولا لنموذج اقتصادي يحقق العدالة الاجتماعية، واذ اتفق مع المقال حول ضرورة وأهمية تحقيق العدالة الاجتماعية، لكنني اختلف حول كيفية تحقيقها، لسبب وحيد هو ان الاسلوب المقترح لن يفضي لتحقيق الهدف النبيل، مع ذلك ارحب بفتح حوار حول هذا الموضوع، باعتبار المنطقة تمر بمرحلة انتقالية، فالثورة الشعبية التي اجتاحت الوطن العربي وادت الى اسقاط نظم طاغية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، هدفها الرئيس الوصول الى نظام ديمقراطي ذي ابعاد اقتصادية واجتماعية، لانتشال هذه البلدان من حالات الفقر والبطالة والتخلف، وبناء دولة تتمتع بإرادة سياسية تمكنها من استثمار مواردها، وعدم تمركز الثروة واتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية.
عنوان المقال ومضامينه يعبران عن رؤية طوباوية غير قابلة للتحقيق، تعيدنا الى ما طرح في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حول دور البرجوازية حين كانت طبقة صاعدة في مواجهة الاقطاع، عبرت عن موقف تقدمي وظهرت بمظهر انساني جعل بعض الفلاسفة يعلق امالا عليها في انقاذ الانسانية. مثل النظرية الطوباوية التي تبناها الفلاسفة الفرنسيون وفي مقدمتهم سان سيمون في القرن التاسع عشر، بالدعوة لتحرير الإنسانية من الظلم، وبسط سيادة العقل والعدالة الخالدة، لكن سيادة العقل لم تكن سوى سيادة البرجوازية، وأن العدالة الخالدة تجسدت في البرجوازية الجائرة.
دعنا نتوقف عند دور البرجوازية في الوطن العربي، ونطرح السؤال التالي: اين تتموضع البرجوازية العربية ان صح التعبير؟ وهل نشأت في بلادنا برجوازية انتاجية على انقاض النظام القديم وشكلت حالة تقدمية،على غرار اليرجوازية الغربية، ونقلت الاقتصادات العربية من حالة التخلف والتبعية، ام وقفت منافسة للاحتكارات الرأسمالية كما هو الحال في البلدان الصاعدة، حتى نفكر بعقلنتها والتخلص من سلبياتها الاجتماعية ونتفيأ في ظلها وننعم بفضائلها، كما يتمنيان بالفقرة التالية من مقالهم: "... يعود العرب لقراءة أدبيات الاقتصاد وسيكتشفون فضائل كل من اللوائح المنظمة للأسواق، والحوار الاجتماعي بين الشركات والعمال والدولة، ودور النشاط الحقوقي وإتاحة المعلومات في نجاح الأسواق والمؤسسات، ودور السياسات الاجتماعية في التخفيف من شطط الأسواق".
من المعروف ان الصفة الغالبة على تكوين البرجوازية في البلدان العربية، من وكلاء الشركات الاجنبية والاحتكارات المتعددة الجنسيات التي تنحسر مهمتها بالترويج للمنتجات الخارجية، والدخول بصفقات مالية عبر المضاربات اضافة الى الاستثمارات العقارية، ودور ملموس في قطاع الخدمات، ومحدود ومتواضع في القطاعات المنتجة في الصناعة والزراعة. وهي غير مؤهلة في التصدي للتحديات التي تواجه الوطن العربي، وانجاز مشروع تنموي اقتصادي واجتماعي، للنهوض في البلاد وتوفير فرص عمل لمواجهة البطالة ومعالجة قضايا الفقر. فالبرجوازية الكمبرادورية غير مؤهلة للقيام بهذا الدور، بحكم ارتباطاتها المباشرة بالاحتكارات الرأسمالية متعددة الجنسيات، وفي احسن حالاتها يمكن ان تنشىء صناعات تحويلية، غالبا ما تكون عبارة عن تجميع وتغليف. اما الطبقة العاملة في بلادنا فحديثة العهد ضعيفة التكوين غير مؤهلة على خلق توازنات اجتماعية بعد، كما هو الحال في الغرب.
اما البرجوازية العريقة في المراكز الرأسمالية الثلاث والمطلوب السير على خطاها وفق ما اورد السادة في مقالهم، فهي اولا: لم تعد برجوازية النهوض، فهي رأسمالية الاحتكارات المتعددة الجنسيات. ثانيا: تمر بأزمة خطيرة لم تتجاوز الاسوأ بعد، على الرغم من مرور عامها الخامس على الازمة، وقد اعتدت على منجزات الطبقة العاملة التي حققتها تاريخيا عبر نضالات مئات السنين عبر سياسات التقشف، ولم تنجح النقابات والاحزاب العمالية في حماية مكاسب العمال من الاعتداءات المتكررة.
كما انني اوافق الاساتذة الكرام الرأي حول تشخيصهم للحالة التي نشأت خلال العقود الماضية حول فشل الانظمة المستبدة من تحقيق تنمية اقتصادية او اجتماعية، ونحن لسنا امام خيارين لا ثالث لهما اما تحالف البرجوازية البيروقراطية المتسلطة مع الكمبردور والرضوخ لشروط التبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، او اختيارالموديل الغربي مع عقلنته، فالقضية ليست خيارات، فالاول اخذ البلدان العربية نحو الجحيم، وما يجري في الوطن العربي من كوارث الا نتائج سياساته، والثاني غير متاح موضوعيا على الرغم من ازماته واثارها الاجتماعية. سأحاول في مقال لاحق طرح رؤية اقتصادية اجتماعية، متمنيا مواصلة الحوار بمساهمة الكتاب والمفكرين التقدميين في انتاج فكري يسهم في اثراء الحوار وصولا لافكار خلاقة تراعي خصائص بلادنا مع الاستفادة من التجارب الانسانية.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير