jo24_banner
jo24_banner

بعض تداعيات الأزمة في الوطن العربي

فهمي الكتوت
جو 24 : من المفارقات الغريبة ان الفئات الشعبية التي انتفضت ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي هي الاكثر معاناة الآن، بعد مرور اكثر من عامين على الثورات الشعبية، بما في ذلك في البلدان التي سقطت فيها الانظمة الديكتاتورية، فقد نجح "قاتل اقتصادي" -وهو رمز للسياسات الاميركية في البلدان النامية، وعنوان للمذكرات الشخصية للكاتب الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز الذي يصف فيه وظيفته التي تُلخّص الأسلوب الجديد للإمبريالية الأمريكية في السيطرة على دول العالم الثالث- نجحت السياسة الاميركية بحرف مسار الثورات الشعبية عن اتجاهاتها الاساسية، بهدف التراجع عن اولويات الثورات الشعبية التي قُدمت التضحيات من اجلها، ودخلت البلدان العربية في دوامة الحروب الاهلية والمذهبية وبعضها دخل مرحلة تفكيك الدولة و"الفوضى الخلاقة" كما يجري في سوريا. وبدلا من اقصاء سلطة الفساد والاستبداد، اتسع نفوذها وازدادت شراسة، وما زال نهج البرجوازية الطفيلية "الكمبرادورية" يتحكم بقوت الشعب، والوطن العربي يبتعد عن قضايا الحرية والديمقراطية، مع تفاقم الأزمة السياسية في المنطقة وتراجع الاستثمار وتردي الاوضاع الاقتصادية، وازدياد عدد الفقراء، وقد احدثت الأزمة اثارا سلبية على اقتصادات البلدان العربية، وعمقت تشوهاتها، لنرى بعض نماذج تداعيات الأزمة.

من أولى ضحايا عدم الاستقرار السياسي في المنطقة انهيار قطاع السياحة في عدد من الدول العربية، فقد كشفت البيانات الصادرة عن وزارة السياحة في مصر عن تراجع القطاع السياحي بشكل ملموس خلال العامين الاخيرين، فقد انخفضت إيرادات المواقع والمتاحف الأثرية في مصر بحوالي 84% حيث سجل أعداد الوافدين تراجعا ملموسا بسبب التوترات السياسية والأمنية، التي أعقبت حالات منع التجول والاشتباكات مع المتظاهرين، والتفجيرات التي تبعتها، الامر الذي دفع العديد من الدول المصدرة للحركة السياحية اصدار تحذيرات لمواطنيها بعدم السفر الى مصر، بشكل عام وخاصة بهدف السياحة، علما ان قطاع السياحة يسهم بـحوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر ويوفر فرص عمل لأكثر من أربعة ملايين مصري.
لا مجال للحديث عن النشاط الاستثماري او السياحي في سوريا بسبب تدهور اوضاعها الامنية، واقصى ما يطمح له المرء في هذه الظروف، استعادة الاستقرار الامني والسياسي فيها وعودة المهجرين الى منازلهم، كخطوة اولى من اجل اعادة الحياة الى البلاد. اما لبنان التي انفجرت فيها الاوضاع الامنية على ايقاع الاحداث السورية، فقد شهدت تفجيرات متتالية استهدفت مواقع طرفي الأزمة اللبنانية "8 و 14 اذار" كان اخرها في اليوم الثاني من العام الجديد الذي استهدف الضاحية الجنوبية، وقبل ايام استُهدف وزير المالية السابق محمد شطح، قبل ليلة رأس السنة بخمسة أيام، لقد نجحت التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة بشل النشاط السياحي في لبنان، فقد انخفض عدد زوار لبنان الى مليون وثلاثمائة الف سائح بعد ما سجل عام 2010حوالي مليوني سائح بسبب التوترات الامنية، والحياة العامة مهددة بحرب طائفية في لبنان، بفضل غياب الاستقرار السياسي، المرشح بمزيد من التدهور، فلبنان يعيش بدون حكومة منذ اكثر منذ تسع شهور، ومن المتوقع حدوث فراغ سياسي في الدولة اللبنانية في حال عدم الوصول الى اتفاق بين طرفي الصراع حول رئاسة الجمهورية، مما يهدد بخطر الانزلاق بالفوضى، والدخول في نفق مظلم .
اما النموذج الاردني الذي يعيش الأزمة السياسية والمالية والاقتصادية، فقد نجح الحكم في الالتفاف على قضايا الاصلاح السياسي والاقتصادي، مستفيدا من تداعيات الازمات التي تعيشها سوريا ومصر وتونس وغيرها من الدول التي شهدت حالات عنف او انفلات امني، وقد شكل المناخ السياسي في المنطقة مدخلا للحكومة في الهجوم على لقمة عيش الفقراء، برفع الاسعار وفرض الضرائب الجائرة، فقد استقبل الشعب الاردني اليوم الاول من العام الجديد برفع اسعار الكهرباء والمشتقات النفطية. كما شهد العام المنصرم بعض المظاهر، وكشفت عن عمق وتفاقم الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، فقد اوغلت الحكومة بأجراءات لم تقدم عليها حكومة سابقة خلال الاعوام الخمس الاخيرة من الأزمة، وفشلت في اخراج الاقتصاد الاردني من ازمته وبقي الاقتصاد الاردني يعاني من تدني معدلات النمو الاقتصادي ضمن مستويات لا تتجاوز معدلات النمو السكاني، وقد اقدمت الحكومة على حزمة اجراءات اقتصادية شملت رفع اسعار المشتقات النفطية والاتصالات والملابس ادت الى اشعال الاسعار بشكل عام ، ولم تسهم هذه الاجراءات بتخفيض عجز الموازنة التي وصلت الى حوالي 15% من الناتج المحلي الاجمالي، كما اختتمت الحكومة عام 2013 باكبر خداع للعمال الاردنيين في قضية قانون الضمان الاجتماعي، بعد ما عقدت لجنة العمل والمالية المشتركة في مجلس النواب صفقة مع الحكومة بزيادة اشتراكات الضمان بنسبة 3% من الرواتب مقابل تطبيق التأمين الصحي للمتقاعدين، وربط الرواتب التقاعدية بالتضخم، صدر قانون الضمان الاجتماعي متضمنا زيادة الاشتراكات، والغاء ربط الرواتب وعدم تطبيق التأمين الصحي !
الوضع السائد في الوطن العربي حاليا، ليس نهاية المطاف فالشعوب العربية التي فجرت الثورات الشعبية واطاحت بانظمة ديكتاتورية قادرة على مواصلة النضال من اجل الهدف الرئيسي " خبز وحرية " وعدالة اجتماعية.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير