أزمة المعارضة و الأزمة السورية
بعد انتظار طويل، وسلسلة من التأجيلات الناجمة عن عمق واتساع الأزمة السورية، أعلن بان كي مون عن موعد انعقاد مؤتمر جنيف 2 في الثاتي والعشرين من يناير الحالي، ومع اقتراب انعقاد المؤتمر شهدت الساحة السورية تطورات دراماتيكية. فقد تعرض الائتلاف السوري الى انقسام حاد ادى الى انسحاب 40 عضو من أصل 121 خلال إجتماع اسطنبول الاخير، احتجاجا على إعادة إنتخاب أحمد الجربا رئيساً. وتعول الولايات المتحدة الاميركية على الائتلاف السوري بتمثيل المعارضة في مؤتمر جنيف. ومن جهة اخرى تشهد ساحات القتال معارك ضارية بين اطراف المعارضة، بعد اعلان "داعش " الحرب على المعارضة السورية.
ومن المتوقع أن تشكل بعض أطراف المعارضة عائقا امام انعقاد مؤتمر جنيف، او الوصول الى نتائج ملموسة على الارض، بحكم تكوينها الفسيفسائي، واتجاهاتها السياسية، فقد شهد الائتلاف السوري صراعات على المراكز القيادية، وخلافات حادة حول المشاركة في مؤتمر جينيف، فهو يتعرض لضغوط خارجية لتسمية الوفد المفاوض في المؤتمر، في حين ترفض بعض اوساط الائتلاف المشاركة في جنيف، فأعضاء المجلس الوطني الذين يُشكِّلون حوالي 20% من الإئتلاف ترفض المشاركة في مؤتمر جنيف، اضافة الى انسحاب الأربعين عضوا الذين يمثلون 6 كُتَلا رئيسية في الائتلاف، الامر الذي يضع الائتلاف امام خيارات صعبة، قد لا تمكنه من اتخاذ قرار بالمشاركة في مؤتمر جينيف، او تعرضه للانهيار. ناهيك عن الخلافات المتعلقة بترتيبات المؤتمر ذاته، حول مشاركة ايران، التي لم تحسم بعد، اضافة الى موضوعات المؤتمر المتعلقة بالحكومة الانتقالية التوافقية وصلاحياتها. وعلى صعيد الاقتتال بين اطراف المعارضة، تراجع دور اهم فصيل مسلح "الجيش الحر" وتصدرت الحركات الاسلامية الاكثر تطرفا المشهد السياسي والعسكري. الامر الذي دفع الولايات المتحدة الاميركية الاعلان جهارا نهار عن توجهاتها بانشاء جبهة اسلامية "معتدلة " في مواجهة داعش والنصرة المرتبطتان من الناحية الفكرية بنهج القاعدة وان اختلفتا تنظيميا.
لقد مضى عام 2013 بعجره وبجره على الأزمة السورية، ومرت ايام سوداء على الشعب السوري من قتل ودمار وتشريد وتهجير، احدثت نتائج خطيرة على الصعيد المجتمعي، فقد تحول نصف الشعب السوري الى لاجئين مشردين في مختلف بقاع الارض، وادى الصراع المسلح الى تدمير منهجي للبنية التحتية للدولة السورية، وقتل عشرات الالاف من المواطنين السوريين، اما الخسائر المادية والاقتصادية فقد كلفت الاقتصاد السوري حوالي 48.4 مليار دولار ما يعادل 81.7% من الناتج المحلي الاجمالي لعام 2010 حتى نهاية عام 2012، وذلك وفقا لما اورده "المركز السوري لبحوث السياسات" في دراسته حول الأزمة السورية الجذور والآثار الاقتصادية والاجتماعية.
فقد تدهورت الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، بسبب اتساع رقعة الحرب، وسيطرت العناصر المسلحة على بعض المناطق، وتراجع دور الحكومة، وعجزت مؤسساتها عن القيام بدورها في توفير الخدمات الاساسية في المناطق التي تشهد قتالا، كما تراجعت قدراتها حتى في المناطق التي لا تشهد قتالا بسبب تقلص امكانياتها، وارتفاع تكاليف المهام العسكرية. كما احدثت العقوبات التي فرضت على الاقتصاد السوري اثارا بالغة على حياة المواطنين، والتي اسهمت في ارتفاع اسعار مختلف السلع، فارتفعت المشتقات النفطية حوالي 200%، وتراجع الانفاق الاستثماري بشكل كبير بسبب تراجع الايرادات العامة وازدياد المخاطر التي تعيشها سوريا، وتعرض النمو الاقتصادي للانكماش، ويقدر الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف ان نسبة البطالة في سوريا وصلت الى حوالي 70%. وفي غمرة الحديث عن الآثار الكارثية التي تواجه الشعب السوري، لا بد من الاشارة الى الظروف الانسانية الصعبة التي يعيشها مخيم اليرموك في دمشق، من حصار ادى الى وفاة عدد من المواطنين الفلسطينيين جوعا. وقد بادرت الفصائل الفلسطينية بتوقيع اتفاق يضمن خروج المسلحين من المخيم، الا ان عددا من الحركات الاسلامية رفضت التوقيع منها جبهة النصرة وداعش واحرار الشام.
كل ذلك اسهم باتساع حالات الاحباط التي يعاني منها المواطن السوري، بسبب فشل كافة اطراف الصراع في توفير الامن والاستقرار. واصيبت المعارضة السورية الشعبية التي تطالب بالديمقراطية والتعددية السياسية بخيبة امل من ممارسات الحركات المتطرفة وهيمنة الثقافة الاقصائية في وسط المعارضة الاكثر تطرفا والاوسع نفوذا في هذه المرحلة. فاذا كان الشعب السوري كبقية الشعوب العربية يناضل من اجل الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية، فهو امام قوى تكفيرية مدعومة من قبل اعداء الشعب السوري، تسعى للوصول الى السلطة، لا ترفض التعامل مع الآخر فحسب، بل تقرر تصفية من لا ينخرط بنهجها الظلامي.
وعلى الرغم ان المعارضة السورية المسلحة في اضعف حالاتها، بسبب فقدانها لبعض مواقعها على الارض، وفشلها في تحقيق نجاحات جديدة، وعجزها عن اثبات وجودها كقوة وطنية في سوريا بسبب ارتباطاتها، وفشلها في تحقيق ائتلاف وطني جامع، رغم كل ذلك لا يعني ان حسما عسكريا او سياسيا منتظرا في قادم الايام، فالأزمة السورية معقدة جدا، وان دخول عشرات الآلاف من المتطرفين العرب والاجانب الاراضي السورية، سيهدد امن واستقرار سوريا والمنطقة عامة لعدة سنوات. وتعتبر الادارة الاميركية ان هذا المناخ السياسي مواتيا لتمرير صفقتها السياسية لصالح العدو الصهيوني.