استقبال ظريف في عمان.. إلى أين تتجه السياسة الخارجية الأردنية؟
ناصر لافي
جو 24 : استقبل رئيس الوزراء عبدالله النسور الأربعاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في زيارة تحمل دلالات سياسية بإتجاه تطوير علاقة الأردن بمحور ايران العراق سوريا. وبالرغم من محاولات إخراج الزيارة بصورة حذرة بالإشارة الى استضافة الوزير في مكتب النسور بمجلس الأمة وليس في مقر الحكومة، وتركيز وكالة الأنباء الرسمية على البعد الإقتصادي للمباحثات (لا يمكن عملياً فصل السياسي عن الإقتصادي)، الا أنه من الواضح بأن هذه الخطوة تشير إلى تحسن مستوى العلاقات بين البلدين وتؤكد وجود توجه لدى الأردن بترميم علاقاته بكل مكونات المحور المشار اليه.
وللتذكير، فالزيارة تأتي بعد نحو أسبوعين من زيارة النسور لبغداد ولقائه بالمالكي، وحديث الطرفان حينها عن إختراق في مستوى علاقتهما الثنائية، واعلانهما تدشين رزمة من المشاريع الإستراتيجية المشتركة.
وبحسب "بترا" فقد تناول اللقاء الملف السوري والجهود المبذولة لعقد مؤتمر جنيف 2، وهنا يبدو جلياً وجود إزاحة في الموقف الأردني ازاء هذا الشأن، لجهة الإقتراب أكثر من موقف دول محور الشرق، أو على الأقل إتخاذ موقف أقل تطرفاً من الإصطفاف إلى جانب المحور الإقليمي الاخر الذي تقوده السعودية، ولذا يبدو منطقياً الحديث عن ضرورة وقف التأجيج الطائفي وتشجيع التقارب بين المذاهب والشكوى الأردنية (لإيران هذه المرة) من إنعكاسات ما يجري في سوريا على الأردن.
كنتيجة مباشرة للزيارة فقد استأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهي القناة التي ستواصل –كما هو مفترض- تقريب وجهات النظر وتنفيذ التعاون الذي أشارت له التصريحات الإعلامية عقب المباحثات.
الحذر الأردني إزاء ترميم العلاقات مع العراق وايران وسوريا يعود بالأساس إلى خشية الأردن من إغضاب الرياض ودول ما يسمى بمحور الإعتدال، وان كان ليس مستبعداً بأن الخطوة الأردنية تتم بغطاء سعودي للقيام بدور الوسيط أو ناقل الرسائل بين اللاعبين الكبار في الإقليم، وفي هذه الحالة سيكون التقارب الأردني مع ايران والعراق وحتى سوريا شكل من أشكال إعادة تموضع ليس الأردن فقط بل مجمل الدول المتنافسة بناء على موازين القوى الراهن.
يشار في هذا الصدد إلى أن تغير موقف الأردن تجاه المحور الآخر، يتزامن مع التقارب الأمريكي الإيراني والذي أحدث هزة في موازين القوى في المنطقة، وهنا قد تفهم محاولة الأردن تنويع خياراته وطرق أبواب جديدة كإنعكاس لموقف الحليف الأمريكي أو كإستجابة لإعادة النظر في حسابات الربح والخسارة، أو كوصفة لتخفيف الضغوط على الاردن والذي يقع بسبب الجغرافيا والسياسة والاقتصاد بين ما يشبه كفي الكماشة.
سياسياً، فإن أفضل ما يمكن أن تفعله الخارجية الأردنية هو تنويع الخيارات وعدم وضع جميع البيض في سلة واحدة، بما يعزز عملياً من استقرار القرار الاردني، خصوصاً بان المشهد لا يزال مضطرباً ولم تتكشف معالم المستقبل بعد، لكن يجدر التنبه هنا إلى أن هذا الخيار يأخذ بالحسبان مصالح البلد مع الأنظمة القائمة في المحيط، وهي سياسة قصيرة المدى، إذ أن هذه الأنظمة لا تستند الى شرعية شعبية أو تقوم على أسس طائفية، ولن تبقى إلى الأبد بالنظر الى ما يجري في بعضها من إضطرابات، وما تحمله سياسة بعضها الاخر من مغامرة، والسؤال اليوم إلى أي حد مثلاً ستروق الازاحة في الموقف الاردني للشعب السوري (الجار الشمالي) والذي سيذكر بالتأكيد من وقف معه ومن لم يفعل، والمكون السني في العراق (الجار الشرقي) والذي تجري عمليات تهميشه ومحاولة ربطه بالقاعدة؟، وهل سيشكل التحول في الموقف الأردني غطاءً مثلاً لاستمرار بل تزايد قمع النظام السوري لشعبه وتهميش المالكي لسنة العراق؟، وايضاً، هل ستستغله ايران في حسم معركة النقاط للسيطرة والتمدد؟. إذا كانت الإجابة نعم، فالاردن سيستفيد على المدى القريب لكنه سيخسر استراتيجياً، خصوصاً العلاقات الحسنة التي بناها مع محيطه السني المضطهد اليوم في سوريا والعراق ولبنان.
أما على الجهة الأخرى فالإصطفاف الأعمى مع السياسة السعودية الإماراتية التي بات واضحاً بأنها تواجه بشراسة خيارات تحرر شعوب المنطقة واستمرار التنسيق مع ما يوصف بالانقلاب العسكري في مصر بالرغم من استمرار الاستقطاب الحاد وعدم الاستقرار السياسي هناك، هي خيارات مكلفة كذلك على المدى البعيد بالنظر إلى أن هذا المعسكر يواصل خسارة النقاط في معركته الاقليمية، خصوصاً بعد التحولات في السياسة الأمريكية بالمنطقة. وينخرط في لعبة مواجهة ارادة الشعوب، وهي الاستراتيجية التي لا يمكن أن تنجح الى الابد، وفقاً للصيرورة التاريخية التي تؤكد انتصار الحرية على الاستبداد، والشعوب على طغاتها.
ومن نافلة القول بأن التعلق باهداب أمريكا التي تواجه كراهية الشعوب وتحاول الإنسحاب من المنطقة بعد تجاربها الفاشلة فيها، وكذلك الكيان الاسرائيلي الغريب والطاريء والذي يعاني أزمة المستقبل، ليس حلاً في المدى الاستراتيجي، وهو خيار تناهضه الشعوب بشدة.
بالنتيجة، فإن السياسة الأردنية حافظت تاريخياً على عدم التطرف إزاء الشعوب والميل الى الابتعاد عن العنف المباشر ضدها (في الداخل والخارج) ولم يعهد عنها الإصطفاف ضد خياراتها، وهي وصفة أثبتت نجاعتها في ديمومة الإستقرار والنأي عن ردود الفعل العكسية والمفاجئة، وتحسن السياسة الأردنية صنعاً بإقامة علاقات متوازنة مع جميع الاطراف العربية والاسلامية تحافظ على مصالح الشعوب أو على الاقل لا تقف ضدها وفي ذات الوقت تقدم أنموذجاً في التسامح والاعتدال وتقبل متغيرات الزمن، خصوصاً بعد الدروس القيمة التي تركها ربيع العرب والتي ربما يكون أبرزها بأن دوام الحال من المحال.
وللتذكير، فالزيارة تأتي بعد نحو أسبوعين من زيارة النسور لبغداد ولقائه بالمالكي، وحديث الطرفان حينها عن إختراق في مستوى علاقتهما الثنائية، واعلانهما تدشين رزمة من المشاريع الإستراتيجية المشتركة.
وبحسب "بترا" فقد تناول اللقاء الملف السوري والجهود المبذولة لعقد مؤتمر جنيف 2، وهنا يبدو جلياً وجود إزاحة في الموقف الأردني ازاء هذا الشأن، لجهة الإقتراب أكثر من موقف دول محور الشرق، أو على الأقل إتخاذ موقف أقل تطرفاً من الإصطفاف إلى جانب المحور الإقليمي الاخر الذي تقوده السعودية، ولذا يبدو منطقياً الحديث عن ضرورة وقف التأجيج الطائفي وتشجيع التقارب بين المذاهب والشكوى الأردنية (لإيران هذه المرة) من إنعكاسات ما يجري في سوريا على الأردن.
كنتيجة مباشرة للزيارة فقد استأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهي القناة التي ستواصل –كما هو مفترض- تقريب وجهات النظر وتنفيذ التعاون الذي أشارت له التصريحات الإعلامية عقب المباحثات.
الحذر الأردني إزاء ترميم العلاقات مع العراق وايران وسوريا يعود بالأساس إلى خشية الأردن من إغضاب الرياض ودول ما يسمى بمحور الإعتدال، وان كان ليس مستبعداً بأن الخطوة الأردنية تتم بغطاء سعودي للقيام بدور الوسيط أو ناقل الرسائل بين اللاعبين الكبار في الإقليم، وفي هذه الحالة سيكون التقارب الأردني مع ايران والعراق وحتى سوريا شكل من أشكال إعادة تموضع ليس الأردن فقط بل مجمل الدول المتنافسة بناء على موازين القوى الراهن.
يشار في هذا الصدد إلى أن تغير موقف الأردن تجاه المحور الآخر، يتزامن مع التقارب الأمريكي الإيراني والذي أحدث هزة في موازين القوى في المنطقة، وهنا قد تفهم محاولة الأردن تنويع خياراته وطرق أبواب جديدة كإنعكاس لموقف الحليف الأمريكي أو كإستجابة لإعادة النظر في حسابات الربح والخسارة، أو كوصفة لتخفيف الضغوط على الاردن والذي يقع بسبب الجغرافيا والسياسة والاقتصاد بين ما يشبه كفي الكماشة.
سياسياً، فإن أفضل ما يمكن أن تفعله الخارجية الأردنية هو تنويع الخيارات وعدم وضع جميع البيض في سلة واحدة، بما يعزز عملياً من استقرار القرار الاردني، خصوصاً بان المشهد لا يزال مضطرباً ولم تتكشف معالم المستقبل بعد، لكن يجدر التنبه هنا إلى أن هذا الخيار يأخذ بالحسبان مصالح البلد مع الأنظمة القائمة في المحيط، وهي سياسة قصيرة المدى، إذ أن هذه الأنظمة لا تستند الى شرعية شعبية أو تقوم على أسس طائفية، ولن تبقى إلى الأبد بالنظر الى ما يجري في بعضها من إضطرابات، وما تحمله سياسة بعضها الاخر من مغامرة، والسؤال اليوم إلى أي حد مثلاً ستروق الازاحة في الموقف الاردني للشعب السوري (الجار الشمالي) والذي سيذكر بالتأكيد من وقف معه ومن لم يفعل، والمكون السني في العراق (الجار الشرقي) والذي تجري عمليات تهميشه ومحاولة ربطه بالقاعدة؟، وهل سيشكل التحول في الموقف الأردني غطاءً مثلاً لاستمرار بل تزايد قمع النظام السوري لشعبه وتهميش المالكي لسنة العراق؟، وايضاً، هل ستستغله ايران في حسم معركة النقاط للسيطرة والتمدد؟. إذا كانت الإجابة نعم، فالاردن سيستفيد على المدى القريب لكنه سيخسر استراتيجياً، خصوصاً العلاقات الحسنة التي بناها مع محيطه السني المضطهد اليوم في سوريا والعراق ولبنان.
أما على الجهة الأخرى فالإصطفاف الأعمى مع السياسة السعودية الإماراتية التي بات واضحاً بأنها تواجه بشراسة خيارات تحرر شعوب المنطقة واستمرار التنسيق مع ما يوصف بالانقلاب العسكري في مصر بالرغم من استمرار الاستقطاب الحاد وعدم الاستقرار السياسي هناك، هي خيارات مكلفة كذلك على المدى البعيد بالنظر إلى أن هذا المعسكر يواصل خسارة النقاط في معركته الاقليمية، خصوصاً بعد التحولات في السياسة الأمريكية بالمنطقة. وينخرط في لعبة مواجهة ارادة الشعوب، وهي الاستراتيجية التي لا يمكن أن تنجح الى الابد، وفقاً للصيرورة التاريخية التي تؤكد انتصار الحرية على الاستبداد، والشعوب على طغاتها.
ومن نافلة القول بأن التعلق باهداب أمريكا التي تواجه كراهية الشعوب وتحاول الإنسحاب من المنطقة بعد تجاربها الفاشلة فيها، وكذلك الكيان الاسرائيلي الغريب والطاريء والذي يعاني أزمة المستقبل، ليس حلاً في المدى الاستراتيجي، وهو خيار تناهضه الشعوب بشدة.
بالنتيجة، فإن السياسة الأردنية حافظت تاريخياً على عدم التطرف إزاء الشعوب والميل الى الابتعاد عن العنف المباشر ضدها (في الداخل والخارج) ولم يعهد عنها الإصطفاف ضد خياراتها، وهي وصفة أثبتت نجاعتها في ديمومة الإستقرار والنأي عن ردود الفعل العكسية والمفاجئة، وتحسن السياسة الأردنية صنعاً بإقامة علاقات متوازنة مع جميع الاطراف العربية والاسلامية تحافظ على مصالح الشعوب أو على الاقل لا تقف ضدها وفي ذات الوقت تقدم أنموذجاً في التسامح والاعتدال وتقبل متغيرات الزمن، خصوصاً بعد الدروس القيمة التي تركها ربيع العرب والتي ربما يكون أبرزها بأن دوام الحال من المحال.